عاد شبح الفوضى ليخيّم على الأوضاع الاقتصادية والمالية في اليمن بعد أنباء عن تعثّر أكبر بنك تجاري في صنعاء، ما أثار مخاوف من تأثيرات بمفعول أحجار الدومينو يمكن أن تمتدّ إلى مناطق الشرعية اليمنية، بما سيخلفه ذلك من تأثيرات اجتماعية وبالنتيجة سياسية تعيد إلى الأذهان ما تعرّض له لبنان خلال السنوات الأخيرة.
وأشاعت معلومات تمّ تداولها خلال الأيام الماضية بشأن إفلاس بنك اليمن الدولي في صنعاء، أقدم البنوك التجارية اليمنية وأكثرها ودائع وأوسعها استثمارات، حالة من الهلع في صفوف المتعاملين معه بمن في ذلك صغار المودعين الذين خشوا أن تلاقي ودائعهم نفس مصير ودائع اللبنانيين في بنوك بلادهم والتي تعذّر عليهم سحبها بسبب أزمة السيولة التي ضربت تلك البنوك في سنوات سابقة.
ونفى البنك لاحقا إمكانية إفلاسه لكن معلومات تداولتها أوساط مالية واقتصادية أظهرت أنه واجه بالفعل صعوبات مالية كبيرة دفعته إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للضغط على نفقاته بتقليص عدد عماله وموظفيه.
ورغم ما جرى من انقسام وفصل بين المؤسسات المالية في اليمن وتحديدا بين تلك التابعة للسلطة المعترف بها دوليا وتلك الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي وشمول الانقسام البنك المركزي اليمني بحدّ ذاته، فإنّ الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطق سيطرة المعسكرين لا تزال مترابطة إلى حدّ بعيد ما يجعل انتقال عدوى إفلاس البنوك مرشّحة للانتقال إلى مناطق السلطة الشرعية إذا انطلقت بالفعل في مناطق الحوثيين.
عارف عباد السقاف: إفلاس بنك رئيسي يؤثر على النظام المصرفي ككل
ويمكن لأي هزّة اقتصادية أو مالية جديدة أن تكون أشد تأثيرا على أوضاع الشرعية نظرا لما تواجهه في مناطقها من احتقان شعبي جرّاء الأوضاع الاجتماعية والضعف الشديد في الخدمات العمومية المقدمة للسكان، وأيضا بسبب ما تتعرض له من قبل شريكها الأول في تلك المناطق المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا يرغب في أن يتحمّل مع الحكومة تبعات استشراء الفقر وغلاء المواد الأساسية وتهالك المرافق العامّة، وقد سبق له أن وجّه انتقادات حادّة وتهديدات على خلفية تلك الأوضاع المؤثرة بشدّة على سكان المناطق الواقعة ضمن دائرة نفوذه.
وتضافرت العديد من العوامل لخلق أزمة اقتصادية واجتماعية في اليمن، وخصوصا في مناطق الشرعية، في مقدمتها حالة عدم الاستقرار والحرب التي أصبحت تطال بشكل مباشر الحركة التجارية من خلال استهداف جماعة الحوثي لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وكانت الجماعة قد استهدفت بشكل مباشر منافذ تصدير النفط وحرمت الحكومة اليمنية من أحد أهم مواردها المالية، الأمر الذي جعل الحكومة معتمدة بشكل رئيسي على المساعدات المالية السعودية التي ساهمت بشكل كبير في تخفيف وطأة الأزمة لكنها لم تكن كافية لإنهائها بشكل كامل.
وفي نطاق التأثير المتبادل بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين لم تسلم الأخيرة من الأزمة التي تتجلّى بشكل واضح في أوضاع السكان وما يواجهونه من صعوبات في توفير المواد الضرورية من غذاء ودواء وغير ذلك، كما تتجلّى في حالة التخبّط التي تشهدها المؤسسات الاقتصادية والمالية في تلك المناطق، والتي عكسها الوضع الذي يواجهه بنك اليمن الدولي.
وحاول البنك طمأنة المتعاملين معه والحدّ من حالة الفزع التي انتابتهم مقلّلا من حجم الأزمة رغم اعترافه بالاستغناء عن عدد من الموظفين قال إنّهم من فئة المتعاقدين عبر شركات خاصة والعاملين في مجالات ملحقة بعمل البنك وبعيدة عن نشاطه المالي والتجاري الرئيسي.
البنك نفى لاحقا إمكانية إفلاسه لكن معلومات تداولتها أوساط مالية واقتصادية أظهرت أنه واجه بالفعل صعوبات مالية كبيرة
لكن مصادر من صنعاء أكدّت أنّ أزمة السيولة أثرت أيضا على أوضاع موظفي وعمال البنك الذين تم تسريح العشرات منهم فيما لم يحصل من أبقي عليهم في وظائفهم على رواتبهم كاملة وبشكل منتظم.
وخاضت الكثير من الدوائر الإعلامية والأوساط المختصة في مجال الاقتصاد والمال في سيناريوهات انطلاق أزمة بنكية متسلسلة من صنعاء.
وكتب عارف محمد عباد السقاف أستاذ الاقتصاد والأعمال بجامعة عدن أنّ إفلاس بنك اليمن الدولي يعني أن البنك لم يعد قادرا على الوفاء بالتزاماته المالية، سواء تجاه المودعين أو المستثمرين أو الدائنين، موضحا أنّ هذه الحالة تحدث عادة عندما تتجاوز ديون البنك والتزاماته المالية ما يملكه من أصول وأموال.
ونبه في مقاله المنشور في موقع عدن الغد الإخباري إلى أنّ تأثيرات إفلاس بنك بهذا الحجم قد تكون كبيرة، خاصة على الاقتصاد اليمني، وتتمثل في عدة نقاط من بينها فقدان الثقة بالنظام المصرفي ككل وبالبنوك اليمنية الأخرى ما قد يدفع المودعين إلى سحب أموالهم، وتعطل الأعمال التجارية حيث تعتمد الكثير من الشركات على البنوك لإجراء معاملاتها المالية اليومية.
كما حذّر من أنّ الاقتصاد اليمني يمر بظروف صعبة نتيجة الحرب والأزمة الإنسانية، وإفلاس بنك رئيسي يمكن أن يزيد من حدة الأزمة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التضخم وفقدان فرص العمل.
وتفادت المصارف اليمنية، ومن ورائها الحركة الاقتصادية والمالية في البلد ككل، قبل أشهر هزّة عنيفة كانت تتهدّدها بفعل استشراء الخلافات والنزاعات بين الشرعية اليمنية والحوثيين ما دفع البنك المركزي في عدن إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ عدد من المؤسسات المصرفية بهدف دفعها إلى وقف نشاطها في مناطق الحوثي ونقله إلى مناطق الشرعية، لكنّ السعودية تدخّلت بالتعاون مع الأمم المتحدة لإلغاء تلك الإجراءات من أجل منع تأثيرها على الأوضاع في البلد وبالنتيجة على جهود السلام التي يبذلها الطرفان.