نتيجة لغياب سياسة «الحياد المالي» في اقتصاد اليمن، تفاقم انهيار الوضع الاقتصادي، وتراجع سعر صرف الريال اليمني.
اليوم، يعيش المواطنون على ما تبقى من قيمة العملة الوطنية مقارنة بقيمتها قبل انقلاب مليشيات الحوثي أواخر عام 2014، وفقاً لخبراء.
ويُعد الحياد المالي وسيلة للاستقرار الاقتصادي، وتحسين سعر صرف العملة الوطنية، على الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه الحكومة اليمنية في تطبيقه في ظل تعنت الحوثيين وتعميق الانقسام النقدي.
تراجع قيمة الريال اليمني
مؤخراً تراجعت قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر الذي تشهده البلاد نتيجة حرب الحوثيين، واستمرارهم في خلق حرب اقتصادية جديدة ضد اليمنيين والقطاعي المالي والمصرفي.
مصادر مصرفية قالت لـ"العين الإخبارية"، إن تداولات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، سجلت ارتفاعاً كبيراً في أسعار صرف العملة المحلية، أمام العملات الأجنبية أبرزها الدولار الأمريكي، والريال السعودي.
وأضافت المصادر أن سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الريال اليمني وصل إلى 1915 ريالاً يمنياً للبيع، و1920 ريالاً للشراء، للدولار الواحد، فيما وصل سعر صرف الريال السعودي والذي يعد الأكثر تداولاً في الأسواق اليمنية، إلى 502 ريال يمني للبيع، و504 ريالات للشراء.
الانهيار الذي وصل إليه سعر الريال اليمني، لم يشهده من قبل، وسط تحذيرات خبراء الاقتصاد من تفاقم الوضع المعيشي في البلاد، التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً للأمم المتحدة.
ويقول الخبراء خلال تصريحاتهم لـ"العين الإخبارية"، إن مواصلة استخدام آلية العرض والطلب دون ضوابط واتخاذ سياسات مالية جديدة، سيؤدي إلى استمرار انهيار سعر صرف العملة المحلية، إذ أن اعتماد نظام التعويم الحر في تحديد سعر الصرف يُعد قفزة إلى المجهول، كما يصف الخبراء.
أهمية "الحياد المالي"
من جهته يرى الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار، أن هناك أهمية كبيرة لتطبيق الحياد المالي في اليمن، حيث سيساهم في الكثير من المعالجات الاقتصادية، والعمل على ضمان استقرار قيمة العملة الوطنية، في الوقت الذي تواجه تطبيقه -كما يشير النجار- تحديات كبيرة، أبرزها الانقسام النقدي الذي قامت به مليشيات الحوثي الإرهابية.
ويضيف النجار لـ"العين الإخبارية "، أن الحياد المالي يقصد به اتخاذ قرارات وإصدار قوانين متعلقة بالسياسة المالية والنقدية في البلاد، مثل موضوع الانفاق الحكومي والضرائب الجمركية، وإدارة الدين العام المتعلق بأذون الخزانة وسندات الحكومة وإصداره، تكون هذه القرارات معزولة تماما عن أي تأثيرات سياسية مباشرة.
وتشير النجار إلى أن تلك القرارات الاقتصادية، ستكون بالأساس قرارات مبنية على أسس علمية ومنطقية وتحليلية بحتة.
بمعنى أنها تبتعد تماماً عن أي تدخلات سياسية من قبل مليشيات الحوثي بدرجة رئيسية، التي قامت بتوظيف السياسة المالية والنقدية وسيطرتها بقوة السلاح على مؤسسات الدولة، لخدمة أجندتها وحربها ضد اليمنيين، وصاغت الكثير من القوانين التي أضرّت بالقطاعين المالي والمصرفي في اليمن.
تحديات
بحسب النجار، الحكومة سوف تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ نظام الحياد المالي في اليمن بالوقت الراهن، خاصة وأن مليشيات الحوثي غير جديرة بتخفيف معاناة المواطنين بسبب الانقسام النقدي والانهيار الاقتصادي.
ويتابع الخبير الاقتصادي، قائلاً: "إذا تم تطبيق نظام الحياد المصرفي في اليمن وتم إدارته بحيادية سيكون هناك بنك مركزي واحد وهو الرئيسي في عدن، وأكثر قدرة على التحكم بسعر صرف العملة الوطنية وأدواتها، ومعدل سعر الفائدة والتدخلات في السوق، كل ذلك سيتم بمعزل عن التدخلات السياسية".
كما أن الحكومة بحاجة إلا إصلاحات واسعة في البنك المركزي اليمني، وإلغاء الانقسام النقدي الذي قامت به مليشيات الحوثي، القائم على المناطقية، وإعادة هيكلة النظام المالي في اليمن، وإعادة تقنين القوانين المرتبطة بتنظيم النظام المالي في عموم البلاد، بحسب فارس.
الحوثي يعزز الاقتصاد المناطقي
خلال السنوات الماضية، قام الحوثيون باتخاذ قرارات وقوانين اقتصادية من أجل تعزيز نفوذهم المالي، وأسقطوا عليها الطابع الديني كما حدث مع ما أسموه "قانون منع التعاملات الربوية"، أو الطابع المناطقي كما حصل من انقسام نقدي وجمركي في البلاد.
إلا أنه في حال تم تطبيق نظام الحياد المالي وتحققت أهدافه، سوف يساعد في تحقيق الاستقرار بقيمة سعر صرف الريال اليمني، وسيعمل على تقليل التضخم، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلاد، والذي فاقمته مليشيات الحوثي منذ انقلابها على الدولة.
كما سوف يساهم في تعزيز القطاع الخاص، وسيعمل على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية، بدلا من عزوف رجال المال لخارج اليمن بسبب الوضع الاقتصادي ومضايقات الحوثيين لهم.
ويؤكد النجار أن الانقسام النقدي الذي فرضته المليشيات، وسياستها المالية الظالمة التي تمارسها بحق القطاع المصرفي والبنوك في مناطق سيطرتها، يجعل الموارد تتناثر ووجود إشكاليات في رفع كفاءة تحصيل الإيرادات وزيادة التهرب الضريبي والجمركي، والتي انعكست جميعها بزيادة الأعباء على حياة المواطن اليمني.