تبدو الشرعية اليمنية قليلة الحيلة إزاء التدهور المستمر في الأوضاع المالية والاقتصادية في المناطق التابعة لسلطتها، ولا تمتلك من الحلول سوى البحث عن المزيد من المساعدات والتمويل الخارجي بأسرع وقت ممكن قبل أن تتحوّل الأزمة إلى عامل تهديد للاستقرار في مناطقها وحتّى لوحدتها الداخلية بسبب غضب شريكها الرئيسي المجلس الانتقالي الجنوبي من تلك الأوضاع.
عدن- وضَع التدهور الاقتصادي والمالي الكبير في مناطق الشرعية اليمنية السلطة المعترف بها دوليا تحت ضغط مضاعف من قبل الشارع الغاضب من تردّي الأحوال المعيشية، ومن طرف شريكها الرئيسي المجلس الانتقالي الجنوبي المتخوّف من تأثيرات تلك الأوضاع على شعبيته في مناطق نفوذه.
وتشهد العديد من المدن ومراكز المحافظات التابعة للشرعية حالة احتقان شعبي منذر بالانفجار الذي لاحت بوادره بالفعل في كل من محافظتي تعز وحضرموت اللتين شهدتا احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية.
وبدت الشرعية والحكومة التابعة لها بقيادة أحمد عوض بن مبارك قليلتي الحيلة أمام الانهيار الاقتصادي والمالي المتسارع والذي تحوّل تهاوي قيمة عملة الريال المحلية أحد أبرز مؤشراتها.
وشهد الريال اليمني الخميس تراجعا جديدا في قيمته ببلوغه سقف 2040 ريالا للدولار الواحد.
◄ إجراءات البنك المركزي التابع للشرعية فشلت في وقف انهيار قيمة عملة الريال وما يخلفه من آثار سلبية على معيشة السكان
ولم تنجح مزادات العملة التي لجأ إليها البنك المركزي التابع للشرعية كحل عاجل لمعالجة الأزمة في وقف ذلك التراجع بينما بدا البحث عن تمويل خارجي هو الحلّ الوحيد المتاح حاليا.
وعقد محافظ البنك أحمد المعبقي ووزير المالية سالم بن بريك سلسلة من الاجتماعات في واشنطن مع رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي فهد التركي بهدف النظر في إمكانية حصول اليمن على موارد مالية من الصندوق تسهم في التخفيف من آثار الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية سبأ.
وأوضحت الوكالة أن اللقاء بحث أيضا معالجة مديونية البلاد والتوصل إلى حلول لسداد متأخرات أقساط القروض والفوائد، وإمكانية الحصول على إعفاءات على الفوائد المتأخرة وسداد الأقساط بشكل ميسر.
كما بحث المعبقي وبن بريك، مع رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى اليمن استر بيريز رويز والممثل المقيم للصندوق في اليمن والعراق محمد جابر مستجدات الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد، في ظل النقص الحاد في الموارد الحكومية نتيجة توقف الصادرات النفطية وزيادة الطلب على العملة الأجنبية لتغطية فاتورة الاستيراد، وتأثيرات ذلك على العجز في ميزان المدفوعات.
وتأتي تلك المحاولات العاجلة من قبل الشرعية اليمنية للحدّ من الأزمة المالية وتأثيراتها الاجتماعية في شكل سباق ضدّ الساعة لمنع تحوّل الأزمة إلى عامل تهديد للاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة جماعة الحوثي، وكذلك لتماسك الشرعية نفسها ووحدتها الداخلية.
وبدأت الأزمة تلقي بظلالها على مزاج الشارع المرهق أصلا من الغلاء المشطّ في الأسعار بسبب ارتفاع نسبة التضخّم، ومن سوء الخدمات الذي أصبح الانقطاع المتكرر والمتواصل للكهرباء عنوانا رئيسيا له.
وانطلقت قبل أيام شرارة احتجاجات شعبية في مدينة تعز بجنوب غرب اليمن رُفعت خلالها شعارات منذرة بتفجر ثورة جياع، قبل أن تنتقل الشرارة إلى محافظة حضرموت بشرق البلاد حيث شهدت مدينتا الشحر وغيل باوريز تظاهرات مندّدة بصعوبة الظروف المعيشية وتردي الخدمات.
ويشكّل شمول الاحتجاجات لمناطق جنوبية واقعة ضمن نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لتأسيس دولة الجنوب المستقلّة مبعث قلق للمجلس الشريك للشرعية اليمنية والممثل في مؤسّساتها بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، على استقرار مناطقه وأيضا على شعبيته وسمعته لدى سكّانها.
◄ الريال اليمني شهد الخميس تراجعا جديدا في قيمته ببلوغه سقف 2040 ريالا للدولار الواحد
ويمثّل ذلك عامل ضغط ثان على الشرعية من منطلق أنّ الانتقالي لا يتردّد في تحميلها مسؤولية الانهيارات الاقتصادية والمالية وما يستتبعها من تعقيدات اجتماعية، ووصولا إلى تهديدها بالانسحاب منها إذا لم تسارع بإيجاد الحلول الناجعة لتلك الأوضاع.
وجدّد المجلس، الخميس، تحذيراته من تمادي المؤسسات المالية التابعة للشرعية في سياساتها التي اعتبرها سببا في تدهور الوضع الاقتصادي.
وجاء ذلك في اجتماع عقدته هيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي في عدن تحت إشراف علي عبدالله الكثيري القائم بأعمال رئيس المجلس ورئيس الجمعية الوطنية وبحضور وزراء الانتقالي في حكومة بن مبارك.
وقالت وسائل إعلام محلية إنّ الهيئة ناقشت في اجتماعها الوضع الاقتصادي العام في البلاد وما يميّزه من انهيار متسارع في قيمة العملة المحلية والعوامل المساعدة على استمراره، والإجراءات والمعالجات المطلوبة من السلطة والبنوك العامة والخاصة لتثبيت أسعار الصرف والحفاظ على استقرارها.
وشددت الهيئة على وجوب اتخاذ الحكومة والبنك المركزي إجراءات سريعة لتنظيم القطاع المصرفي ومكافحة عمليات المضاربة من قبل البنوك التي تقع مراكزها الرئيسية في صنعاء، وكذلك شركات الصرافة التي استغلت غياب الرقابة الفعّالة للتلاعب بأسعار صرف العملات، عبر الكتلة النقدية الضخمة التي تتحكم بها خارج نطاق سيطرة البنك المركزي.
وحذّرت من خطورة استمرار البنك في سياسته الحالية والمتمثلة خصوصا في ضخ العملة الأجنبية عبر المزادات التي تفتقر إلى الشفافية بحسب وصف هيئة رئاسة الانتقالي، والتي تذهب غالبيتها لصالح البنوك وشركات الصرافة التي تقع مراكزها في صنعاء ومناطق سيطرة جماعة الحوثي، ولا تستفيد منها السوق المحلية في المحافظات المحرّرة (الواقعة ضمن مناطق الشرعية).
وأكّدت على وجوب وقف هذا الإجراء وكذلك إلغاء قرار التعويم لأسعار الصرف، والانتقال إلى سعر الصرف الإجباري في هذه المرحلة الاستثنائية مع التزام البنك المركزي بتغطية الطلب على العملة لاستيراد المواد الأساسية.
وباستثناء الحصول على المزيد من المساعدات وخصوصا من قبل المملكة العربية السعودية التي دأبت على تحويل ودائع مالية إلى البنك المركزي اليمني، تبدو خيارات الشرعية اليمنية في مواجهة الأزمة ضئيلة في ظلّ افتقارها إلى الموارد.
ودخلت الشرعية بسبب الأزمة في ما يشبه حالة طوارئ سياسية، حيث استدعت صعوبة الوضع تدخّل الرئيس العليمي الذي عقد قبل أيام في عدن اجتماعا بلجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي يترأسها رئيس الحكومة.
وحث العليمي خلال الاجتماع على “التسريع بتنفيذ خطة الإنقاذ الاقتصادي واتخاذ الإجراءات والتدابير الموجهة لتعزيز كفاءة إدارة المالية العامة والسياسة النقدية، والحد من تداعيات الانقسام النقدي الذي فرضته الميليشيات الحوثية كورقة حرب اقتصادية”.
ويبدو مثل ذلك الخطاب مفتقرا لآليات التنفيذ العملي حيث لا تمتلك الشرعية اليمنية الكثير من الخيارات لوقف مسار الأزمة بسبب افتقارها للموارد بعد أن خسرت المورد الأهم وشبه الوحيد للعملة الصعبة بتوقف تصدير النفط إثر استهداف الحوثيين لمَنْفَذيْ تصديره ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
إجراءات البنك المركزي التابع للشرعية فشلت في وقف انهيار قيمة عملة الريال وما يخلفه من آثار سلبية على معيشة السكان
وفاقم من الأزمة بروز ظاهرة احتفاظ المحافظات بمواردها وامتناعها عن تحويلها إلى البنك المركزي، بذريعة استخدامها محليا في تبلية متطلبات السكّان.
ولا تخشى الشرعية اليمنية فقط من تأثيرات الأزمة على علاقته بالشارع في مناطق سيطرتها، ولكنها تخشى بالقدر نفسه على تماسكها الداخلي إذ تعلم أن صبر شريكها الأساسي المجلس الانتقالي الجنوبي على الأوضاع في مناطق نفوذه بالجنوب بدأ ينفد.
ولا يريد الانتقالي رؤية الأوضاع الاجتماعية في الجنوب تسير نحو المزيد من التوتّر بما يهدد شعبيته باعتباره شريكا في الشرعية.
وسبق للمجلس أن وجّه انتقادات حادّة لحكومة بن مبارك بسبب تلك الأوضاع وبلغ بانتقاداته حدّ إنذار الشرعية اليمنية بإمكانية فك الشراكة معها واصفا تلك الشراكة على لسان بعض قياداته بأنّها “كانت أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الانتقالي ودفعته إلى أن يتحمل جزءا كبيرا من فاتورة الفساد والانتقاد والزج به في وحل نقص الخدمات وتدهور الاقتصاد”.