فجرّت آلية الحوثيين بشأن ودائع عملاء البنوك التجارية في مناطق سيطرتها غضباً واسعاً بين المودعين، الذين يحتاجون عشرات السنوات للحصول على ودائعهم لدى البنك.
وأعلن البنك المركزي التابع للحوثيين عن آلية -طال انتظارها- لتسليم الودائع والأموال المحتجزة لدى البنوك التجارية والتي مضى عليها سنوات، على أن يتسلم الأفراد الذين يملكون أموالاً محتجزة أقل من 20 مليون ريال يمني مبلغ 100 ألف ريال يمني كل شهر (أقل من 90$).
معظم الودائع كانت مجمدة منذ عام 2017م، عندما نُقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وكانت البنوك التجارية ترفض تسليم المودعين أموالهم تقول إن أرباحها ما تزال سارية إذ أنها مستثمرة في أذون خزانة البنك المركزي، كان المودعين يتسلمون نسبة ضئيلة من الأرباح على المستوى الشهري، لكن منذ مارس/آذار 2023 أقر الحوثيون قانوناً يوقف المرابحة، ما منع البنوك من تسليم أي أموال للمودعين.
وقال أحد المودعين في بنك سبأ: الآن يتصدقون علينا من رأس مال ودائعنا وليس الأرباح، إذا لم تعد هناك أرباح، احتاج وديعتي بالكامل
في 2023 أعلنت جمعية البنوك اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين بعدم قدرتها على دفع أموال المودعين -حتى بأحكام قضائية- ما تسبب في إثارة الرعب لدى اليمنيين، واعتبر المسؤولون والاقتصاديون والمحللون الماليون ذلك بمثابة بداية إعلان إفلاس.
غضب واحتجاجات
في بنك اليمن الدولي وخارجه يبدو الوضع متوتر للغاية، يحتشد المودعون بحثاً عن أموالهم، لكن موظفي البنك يقولون إنه لا توجد سيولة، وأن البنك المركزي -الخاضع للحوثيين- سمح فقط ب100 ألف ريال أقل من (90$) في الشهر لتسليمها لكل حساب قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2024م.
وفي سبتمبر/أيلول أكد متعاملون ومصادر مصرفية يمنية، أن بنك اليمن الدولي يعجز عن دفع أي مبالغ مالية للمودعين منذ نحو شهرين، مع مخاوف إفلاسه.
تجمع محتجون أمام بنك اليمن الدولي والبنك العربي والبنك المركزي، معظم أيام الأسبوع الماضي، لكن قامت قوات الحوثيين باعتقال عدد منهم.
يرفض البنك المركزي في صنعاء التعليق على الاحتجاجات، أو الرفض. توجد آليتين عسكريتين قرب كل مبنى للبنوك التجارية فيما وحدات الأمن والقوات أمام البنك المركزي مستنفرة.
وقال حليمة (45 عاماً) لـ”يمن مونيتور” إنها وضعت ورثها من والدتها ووالدها في البنك قبل سنوات في البنك: بعت كل الأراضي والبيت وتقاسمت مع اخوتي، وطرحته (ووضعته) في البنك لحاجتي واليوم اتسول فلوسي وشقى أبي وأمي واجدادي من أجل علاج ابنتي.
قالت حليمة إنها تملك حساباً فيه قرابة (37000 دولار) هو كل شيء لها وعائلتها بعد أن أصيب زوجها في الحرب وخسر رجله ويده.
مسحت حليمة دموعها بمعصمها وهي تقول “احتاج 18 سنة حتى أحصل على فلوسي، 100 ألف أيش (ما الذي) أسويه فيها بالشهر اشتي علاج ابنتي”، أخرجت تقارير طبية وتوصية تتطلب سفر ابنتها خارج البلاد.
لم يكن محمد العريشي (51 عاماً) أفضل حالاً، حيث باع منزله عندما كانت العقارات مرتفعة ووضع كل أمواله التي تصل إلى 60 ألف دولار في البنك.
قال العريشي لـ”يمن مونيتور”: وضعت المال في البنك لحمايته حتى اشتري منزل آخر، كانوا يقولون إنه أكبر بنك في اليمن وإن كل المنظمات الدولية تضع أموالها فيه.
الآن يحتاج محمد إلى أكثر من 25 عاماً للحصول على ماله- إذا ما سمح له بسحب أمواله وفق الآلية الجديدة.
يرفض المسؤولين في البنك الرد على وسائل الإعلام، وقال مسؤول في البنك لـ”يمن مونيتور” إن الأمر مرتبط بالبنك المركزي، كل الأموال تذهب إليه أكثر من 80% من السيولة كنا نودعها في البنك المركزي (في صنعاء).
انهيار النظام المصرفي
واعتبر قرار البنك المركزي الذي صدر في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024 أن الأموال المودعة في البنوك التجارية والمستثمرة في أذون الخزانة دين محلي، وأنها ستدفع وفق آلية جديدة.
وأعلن البنك في الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري بدء عمل الآلية التي قال إنها جانب من سداد الدين العام المحلي لصغار مودعي البنوك التي استثمرت أموالها في أذون الخزانة كجزء من استراتيجية سداد الدين العام المحلي”.
تعاني بالبنوك بالفعل من شحة السيولة النقدية نتيجة أن معظم الأموال موجودة في “أذون الخزانة” ولايسمح للبنوك بإبقاء أكثر من 25% من السيولة لديها. ومع ذلك يبلغ البنك المركزي في صنعاء البنوك التجارية عن عجزه تسليم أموال البنوك المودعه لديه ما أدخلها في صراع مع المودعين لديها.
وأوقفت سياسات الحوثيين عمل البنوك في مناطق سيطرتهم، حيث أوقف قانون للحوثيين أُقر في مارس/آذار 2023 عوائد أذون الخزانة، و80% من أموال البنوك يتم استثمارها في “أذون الخزانة”. ومنذ انقسام البنك المركزي اليمني (2016)، لم تتلق المصارف التجارية أي فوائد من البنك المركزي اليمني في صنعاء، على الرغم من تحصيل الضرائب منها.
وقال مسؤول كبير في بنك تجاري في صنعاء لـ”يمن مونيتور”، إن عمل البنوك انتهى تماماً، “نحاول البقاء في السوق مع احتمال حدوث اتفاق أو تغيير وحتى لا نفقد سمعتنا بالإغلاق”.
وأضاف “لو سمحنا بسحب الودائع الآن، فإن جميع المودعين سيسحبون أموالهم، بعد أزمة بنك اليمن الدولي (الذي يعتبر رائد في اليمن)، أُغلقت عشرات الحسابات لرجال أعمال، لم يعد أحد يثق بالنظام المصرفي”.
وتابع أن “البنك المركزي في صنعاء ما يزال يرفض دفع أي أموال للبنوك من الأرصدة لديه إلا حسب ما قرره، ويقول إنه لا توجد سيولة”.
وأشار إلى أن النظام المصرفي موجود على الورق، والحسابات النشطة التي لا تعتبر نشاطاً مصرفياً بالمطلق.
وتسببت سياسات الحوثيين خلال العقد الماضي وهي مزيج من الجبايات والمصادرة والقوانين السيئة- بهروب رؤوس الأموال، ونقل كثير من رجال الأعمال أعمالهم إلى خارج البلاد بين مصر وتركيا والسعودية وكينيا.