يبدأ الأسبوع المقبل العام الدراسي الجديد في اليمن، وذلك بالمحافظات التي تقع تحت سلطة مجلس القيادة الرئاسي، بعد حوالي شهر من بدايته في المناطق الأخرى التي تخضع لسيطرة الحوثيين. ويأتي العام الدراسي الجديد وسط معاناة كبيرة يتجرعها معظم أبناء اليمن، بما في ذلك المعلمون والموظفون في القطاع التعليمي الذين يواجهون ظروفا عسيرة جراء تحديات ومشاكل متعددة.
ويشير التباين في موعد انطلاق العام الدراسي بين مناطق اليمن إلى الانقسام والصراع المستمر في القطاع التعليمي نتيجة تضارب الرؤى والأهداف والسلطات بين الحكومة الشرعية وجماعة أنصار الله الحوثية.
وأدى هذا الانقسام، الناجم عن استمرار الصراع، إلى انعكاسات سلبية على قطاع التعليم الذي يواجه أسوأ مرحلة في تاريخ اليمن، وفق خبراء تربويين وتقارير دولية. وخلفت الحرب مشاكل وأضرارا متعددة طالت القطاع التعليمي في عموم اليمن، حيث يوجد أكثر من مليوني فتى وفتاة خارج المدارس، كما أن هناك أكثر من 8 ملايين طالب أساسي بحاجة إلى دعم تعليمي، وفق تقرير سابق صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2022، فإن ثلث المنشآت والمرافق التعليمية في اليمن تعرضت لأضرار، أو للتدمير الكامل خلال فترة الحرب. منذ عام 2016 يعيش المعلمون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين بلا رواتب، نتيجة الصراع على الموارد المالية بين أطراف النزاع في البلاد.
وفي بعض الأوقات تقوم جماعة الحوثي بصرف حوافز مالية للمعلمين بدعم أممي، لكنها مبالغ رمزية قد لا تفي بتكاليف المواصلات، ما أدى إلى تحول العديد من المدرسين إلى أعمال أخرى لتحسين الوضع المعيشي لأسرهم. وفي المحافظات التي تخضع لسلطة الحكومة الشرعية، يستمر تسليم رواتب المعلمين، لكن قيمتها تراجعت كثيرا بسبب انهيار العملة المحلية.
وفي المتوسط، يتلقى المعلم حاليا راتبا لا يزيد 70 ألف ريال يمني (حوالي 36 دولارا) مقابل قرابة 350 دولارا شهريا قبل اندلاع الحرب في عام 2015. ويبلغ سعر الدولار حاليا أكثر من 1900 ريال يمني، مقارنة بـ215 ريالا فقط مطلع عام 2015.
وفي هذا السياق، يقول عامر الحمادي، وهو معلم لغة إنجليزية في مدينة تعز بجنوب غرب اليمن، إن وضع التعليم أصبح مأساويا، وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ)، أن رواتب المعلمين انخفضت قيمتها بشكل كبير، حيث بات هو نفسه يتلقى قرابة 40 دولارا فقط. وقد أجبرته الظروف، وضعف راتبه على العمل على دراجة نارية لنقل الركاب من أجل تلبية متطلبات أسرته.
ولفت الحمادي إلى أن راتبه حاليا “لا يكفي لشراء الدقيق والزيت.. انهارت العملة ولم يتم تحسين رواتبنا.. كنا تتسلم نحو 400 دولار قبل الحرب، والآن أصبح راتبنا يساوي عشر هذا المبلغ”. كما شكى من أن” الانشغال بتوفير لقمة العيش أجبره على إهمال تطوير ذاته علميا ومعرفيا، حيث فقد الكثير من المفردات في اللغة الإنجليزية، ما أثر على طريقة تدريسه وعلى مستوى الطلاب”.
ويرى المواطن محمد سيف، وهو أب لثلاثة أطفال في الصفوف الأساسية، أن التعليم في اليمن أصبح “شبه منهار، حتى أنه لم يعد هناك احترام للمعلم أو العملية التعليمية، نتيجة الفوضى السائدة في معظم مجالات الحياة”. وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية أن العام الدراسي الجديد “يأتي وكأنه هم ثقيل نتيجة متطلباته الكبيرة التي لم نعد قادرين على توفيرها نتيجة الظروف المعيشية الصعبة”.
ولفت سيف إلى أنه يبذل جهدا كبيرا في تعليم أطفاله بالمنزل نتيجة عدم تلقيهم المعرفة الحقيقية في المدارس، وأوضح: “ثمة أسر فضلت تعليم أطفالها في مدارس خاصة نتيجة ضعف التعليم العام، لكنها تواجه صعوبات كبيرة أيضا بسبب عدم أهلية المعلمين في هذه المدارس، حيث يتم جلبهم بمبالغ مالية زهيدة بغض النظر عن مستوى تأهيلهم”.
وتابع “لم يعد هناك خيار لدى اليمنيين سوى عودة السلام وبناء المؤسسات التعليمية من جديد، وإلا سيستمر الوضع في الانهيار، وسنجني المزيد من الجهل والدمار”. ورغم حالة الهدوء النسبي التي تسود جبهات اليمن منذ أكثر من عامين، هناك مدارس لا تزال غير صالحة للاستخدام نتيجة تضررها جراء الحرب وصعوبة إعادة تأهيلها بسبب الافتقار للدعم. كما فاقمت الكوارث الطبيعية، مثل السيول، وضع القطاع التعليمي، خاصة في مخيمات النزوح بأرجاء البلاد.
وتقول أحلام أحمد، وهي عاملة في المجال الإنساني لدعم ومناصرة التعليم إن “التعليم في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها اليمن أصبح على حافة الهاوية، بسبب عدم تلبية احتياجاته المتعددة”. وأضافت لـوكالة الأنباء الألمانية أن” المعلمين بلا رواتب والأطفال بلا مستلزمات دراسية، فيما العديد من الأسر أصبحت فقيرة جدا ما دفعها إلى إرسال أولادها من أجل العمل لتوفير لقمة العيش”.
وأشارت أحمد، التي سبق لها أن قادت مبادرة محلية لدعم التعليم، إلى أن هذه الظروف “جعلت الوضع كارثيا، ما دفع إلى عدم قدرة العديد من الأطفال على الالتحاق بالتعليم وتوفير متطلباته”. وتابعت “العديد من المنظمات لا تدعم التعليم، ولا تعتبره أولوية في أنشطتها، ولا تلقي اهتماما لهذا القطاع الحيوي، بينما هناك الكثير من الأطفال النازحين بلا مأوى ولا مدارس ولا حتى كتاب مدرسي أو كادر تعليمي نتيجة لهذه الظروف الصعبة”.
وأردفت “هناك عدد هائل من النازحين يواجهون ظروفا صعبة هذه الأيام نتيجة السيول والعواصف الشديدة التي أدت إلى تدمير ملاجئهم وعصفت بحياتهم البائسة، وهي عوائق تقف أمام مواصلة تعليمهم”. وشددت على أن” أبرز الاحتياجات الحالية تتمثل في توفير رواتب مجزية للمعلمين، وبنية تحتية ملائمة للطلاب، وبناء مدارس جديدة نتيجة ازدياد عدد من هم في سن الدراسة، خصوصا في أماكن النزوح”.
◙ السلطات الحكومية دعت إلى إعطاء التعليم أولوية وحذرت من أنه حال عدم وجود حلول للوضع الكارثي الذي يواجهه التعليم فقد نواجه جيلا جاهلا
ودعت أحمد السلطات الحكومية والمنظمات والمانحين إلى إعطاء التعليم أولوية، محذرة من أنه “حال عدم وجود حلول للوضع الكارثي الذي يواجهه التعليم فقد نواجه جيلا جاهلا”. وتواجه السلطات المحلية صعوبات كبيرة في مواجهة التحديات في قطاع التعليم نتيجة تداعيات الحرب التي انعكست سلبا على مختلف مجالات الحياة.
وقال محمود أبوخليفة، مسؤول الإعلام لدى مكتب وزارة التربية والتعليم بمحافظة تعز، أكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، إن” قطاع التعليم لا يزال بحاجة إلى بذل الكثير من الجهود والتدخلات من الجهات الرسمية والمنظمات والمؤسسات الدولية والمحلية التي يمكن أن تساهم في تعزيز وتحسين مخرجاته من خلال تقديم الدعم لإصلاح وصيانة المدارس المتضررة من الأزمات أو الكوارث الطبيعية”.
وطالب أبوخليفة المانحين الدوليين، في تصريح لـوكالة الأنباء الألمانية، بتقديم الدعم اللوجستي للمدارس، “مثل توفير الكهرباء والمياه وتجهيز الفصول الدراسية، وكذلك توزيع الأدوات المدرسية مثل الكتب والأقلام والحقائب على الطلاب المحتاجين وتوفير منح دراسية أو دعم مالي للطلاب الذين يواجهون صعوبات في تحمل تكاليف التعليم”.
ولفت أبو خليفة إلى أن مكتب وزارة التربية والتعليم في تعز” يسعى باستمرار إلى تعزيز وبناء قدرات المعلمين والإدارات المدرسية والتنسيق لتقديم برامج الدعم والمساندة التربوية والنفسية للمعلمين والطلاب". وتابع قائلا “مع بداية كل عام دراسي، نسعى إلى توفير فرص التعليم العام للجميع مع التركيز على الأطفال ذكورا وإناثا الذين هم خارج المدرسة، وتحسين جودة التعليم وتوفير احتياجات العملية التعليمية، وذلك من خلال تفعيل المشاركات والتعاون التكاملي في دعم التعليم بين الجهات ذات العلاقة على مستوى المحافظة والدولة”.