مع استعداد دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض كرةً أخرى، في شهر يناير 2025، بعد فوزه المريح في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، يشتد الترقب والتوتر بشأن تحولات سياسته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
ويتوقع أن يقدم ترامب دعما لا لبس فيه لإسرائيل، ويعود إلى نهج الاحتواء المتشدد تجاه إيران، وكلاهما من السِّمات المميزة لولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة.
كما قد يُقدِّم دعما قويا لحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
غير أنه كيف يمكن لإدارته أن تتعامل مع اليمن والأزمة المستمرة في البحر الأحمر؟
في ظل إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها، قادت واشنطن تحالفا يضم أكثر من 20 دولة من خلال "عملية حارس الازدهار"، منذ شهر ديسمبر 2023، التي تهدف إلى حماية الشحن الدولي في البحر الأحمر.
وقد جرى إطلاقه لمواجهة استهداف الحوثيين التجارة الدولية في الممر البحري الحيوي، الذي تقول الجماعة إنه يستهدف في المقام الأول السفن المرتبطة بإسرائيل لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، والضغط على إسرائيل لإنهاء هجومها في غزة.
ويوم السبت الماضي، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جولة أخرى من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وهي إستراتيجية استخدمتها الدولتان، منذ شهر يناير، لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين.
- تحول سياسة بايدن بشأن اليمن والحوثيين
يمثل الموقف الأمريكي الحالي انقلابا ملحوظا لسياسات بايدن السابقة بشأن اليمن والحوثيين. كان إحدى أولى إجراءاته في السياسة الخارجية تعليق مبيعات الأسلحة الهجومية إلى المملكة العربية السعودية، في شهر فبراير 2021، ردا على الانتقادات الدبلوماسية الحادة على خلفية الأزمة الإنسانية الناشئة في اليمن.
قلصت هذه الخطوة بشكل كبير حملة القصف، التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية، والتي بدأت، في شهر مارس 2015، في أعقاب تمرد الحوثيين في العام السابق.
ساعد التحول في سياسة بايدن في تمهيد الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في أبريل 2022، مما أوصل اليمن إلى حالة هشة من "اللاسلم واللاحرب".
كما أزال بايدن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، وصنفهم كإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص، والتصنيف الأول اتخذه ترامب خلال فترة ولايته الأولى. كان الهدف من هذا التغيير هو السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى اليمن، إلا أنه أنهى أيضا العزلة الدولية المفروضة على حوثيين.
وفي ظل بقاء اليمن عالقة في مأزق سياسي، عزز الحوثيون سيطرتهم في اليمن، بمساعدة إيران، التي زودتهم بأسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيّرة بعيدة المدى وصواريخ، بما فيها صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت قادرة على الوصول إلى إسرائيل واستهداف ممرات الشحن في البحر الأحمر.
أصبح الحوثيون -باختصار- قوة كبيرة أكثر بكثير مما كانت عليه في عهد رئاسة ترامب السابقة. وبالرغم من الغارات الجوية المحدودة، التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بهدف إضعاف قدرات الحوثيين، ظلت الجماعة في موقف المتحدي.
وفي حين تكبّدوا بعض الخسائر، فإن أفعالهم، التي يواصلون تأطيرها على أنها داعمة للفلسطينيين، أكسبتهم شعبية غير مسبوقة في اليمن ودول عربية أخرى، مما عزز من نفوذهم.
وقال أحمد ناجي، وهو باحث اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، ل"نيو عرب": "ورث ترامب من إدارة بايدن عمليات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين، لذلك ستستمر هذه العمليات في البحر الأحمر وخليج عدن طالما استمرت هجمات الحوثيين".
- هل سيتخذ ترامب موقفا أكثر حزما؟
ففي خطاب ألقاه في 7 نوفمبر، انتقد زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، إدارة ترامب القادمة، مؤكدا أن ترامب سيفشل في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإحلال السلام في المنطقة. لقد "فشل ترامب في مشروع... صفقة القرن رغم كل غطرسته وتهوره وطغيانه، كما سيفشل هذه المرة".
كما تعهد الحوثيون بمواصلة هجماتهم في البحر الأحمر، مما أثار تساؤلات حول كيفية الرد الذي سيتخذه ترامب. وقد يواجه ضغوطا من مستشارين لإعادة تبني موقف صارم تجاه إيران وحلفائها، بمن فيهم الحوثيون.
وتشير ندوى الدوسري، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إلى أن ترامب قد يعود إلى نهج "أقصى الضغط" على إيران وحلفائها الإقليميين
وقالت ل"نيو عرب": "يمكن أن يشمل ذلك تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، واستخدام العقوبات والضغط الاقتصادي لعزلهم بدلا من السعي إلى مواجهة عسكرية مباشرة".
ويتفق توماس جونو، الأستاذ المشارك في جامعة أوتاوا، مع هذا الرأي، مشيرا إلى أنه من المرجح أن يتخذ ترامب موقفا أكثر تشددا تجاه الحوثيين
ومع ذلك، يحذر جونو من أنه بينما يمكن لتصنيف الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أن يضغط على الحوثيين، إلا أنه قد يعيق أيضا إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، الذي لا يزال يواجه أزمة إنسانية حادة بالرغم من توقف الحرب.
في نهاية المطاف، سيلعب نهج ترامب تجاه إيران دورا محوريا. وفي عام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، الذي رفع العقوبات مقابل فرض قيود على برنامج طهران النووي.
ويتوقع المراقبون على نطاق واسع العودة إلى نهج الاحتواء هذا، بالرغم من أن هذا قد لا يؤدي بالضرورة إلى القيام برد عسكري أكثر عدوانية على أعمال الحوثيين في البحر الأحمر.
وقال أحمد ناجي: "في حين أن ترامب قد يفضل عدم الانخراط في صراع بري واسع النطاق في اليمن - بما يتفق مع موقفه المناهض للحرب - فإن إدارته قد تكثف الضربات التي تستهدف الأفراد رفيعي المستوى أو المواقع العسكرية الرئيسية في اليمن لإضعاف قدرات الحوثيين".
- كيف يمكن أن يكون رد فعل شركاء واشنطن الخليجيين
قد يكون لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي قادت حربا في اليمن، توقعات جديدة حول رئاسة ترامب.
وبالرغم من أن كلا من الرياض وأبو ظبي حاولتا النأي بنفسيهما عن أزمة البحر الأحمر، إلا أن مشاركة البحرين في العمليات البحرية، التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر، تشير إلى دعم ضمني لموقف واشنطن.
كما عمل البلدان على الحفاظ على العلاقات مع إيران بعد التقارب معها، في أواخر عام 2020، الذي اكتسب زخما في أعقاب اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الصين بين الرياض وطهران، في مارس 2023.
ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الرياض ستتخلى عن علاقاتها مع طهران تحت ضغط من الرئيس ترامب.
وفوق كل شيء، لقي ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، مسبقا تحولا من دعم ترامب غير المشروط له إلى العلاقات المتوترة مع بايدن، وخبر من خلال هذه العملية أن الاعتماد على الولايات المتحدة قد لا يكون دائما رهانا آمنا.
وبالرغم من ذلك، اشتهر ترامب بدعمه الثابت لكل من محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، وهناك احتمال واضح بأن يحاول ترامب مرة أخرى الاستفادة من شراكات واشنطن الإقليمية لمواجهة إيران
وقال توماس جونو: "يمكن لإدارة ترامب تعميق التعاون الأمني والدفاعي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ممّا قد يعزز من دفاعاتهما الجوية والصاروخية ضد الحوثيين"
كما تتوقّع ندوى الدوسري أن يعزز ترامب الشراكات مع الحلفاء الإقليميين لتقليل التدخل البري الأمريكي في مواجهة الحوثيين بشكل غير مباشر.
ولا تزال الرياض وأبو ظبي غير راغبتين في الصراع المباشر، اللتين تركزان على الإصلاح الاقتصادي، وتشعران بالقلق من التكاليف الدبلوماسية المرتبطة بحرب اليمن
لدى كلا البلدين ذكريات مؤلمة عن هجمات الحوثيين على منشآت النفط السعودية في عام 2019 وأبو ظبي في عام 2022.
وقال أندرياس كريغ، وهو محاضر بارز في كلية "كينجز كوليدج لندن"، إنه في حين أن الرياض وأبو ظبي قد تدعمان حملة "الضغط الأقصى" إلى الحد الذي يؤدي إلى إضعاف وكلاء إيران الإقليميين، إلا أنهما راضيتان حاليا عن التقارب مع إيران.
وأضاف بالقول ل"نيو عرب": "لا تريد أي من الدولتين الخليجيتبن أن يُنظر إليهما على أنهما تشكلان الخط الأمامي لأي حرب إقليمية بين الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران، وليس هناك استعداد لتحمل تبعات شراكتهما الرئيستين للولايات المتحدة في حالة نشوب حرب إقليمية".
وأضاف الدكتور كريج أن السيناريو الوحيد هو أن يُعرض ترامب على المملكة العربية السعودية صفقة دفاعية شاملة. ومع ذلك، من غير المرجّح أن يمر هذا من خلال الكونغرس، وقد يتوقف ذلك على تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل.
وفي حين يبدو أن حدوث تحول كبير في السياسة الأمريكية في البحر الأحمر واليمن غير مرجّح، نظرًا لتحركات بايدن الأخيرة لمواجهة الحوثيين، فإن نهج ترامب سيتوقف أيضا على مدى تعامله مع صراعات إسرائيل في غزة ولبنان.
إذا سعى ترامب إلى وقف إطلاق النار في كلتا الحربين في غزة ولبنان، كما دعت الرياض وأبو ظبي إلى ذلك، فقد يضطر الحوثيون إلى الحد من هجماتهم في البحر الأحمر، وإن كان ذلك على المدى القصير.
ومع ذلك، فإنه مع تحول الحوثيين الآن إلى قوة مؤثرة في البحر الأحمر، من المرجّح أن يستمر الخطر، الذي يشكلونه على التجارة والاستقرار، ممّا قد يؤدي إلى رد حازم عليهم من قِبل ترامب في المستقبل، بالرغم من أن إستراتيجيته الدقيقة تجاههم لا تزال غير مؤكّدة في الوقت الراهن.