تصاعدت الاتهامات في الشارع اليمني للجماعة الحوثية بأنها تستغل الأحداث الجارية في غزة؛ للهروب من أزماتها الداخلية، بما في ذلك الاحتياجات المعيشية للسكان الذين تتهددهم المجاعة، إضافة إلى اتهام الجماعة بخدمة إيران من خلال تبنيها إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.
وفي تعليقه على الإعلان الحوثي بقصف إسرائيل، يجزم مجاهد عبد الله وهو موظف حكومي، بأن ذلك محاولة للتنصل من أي التزامات بعد أن حاصرت الجماعة المشكلات الداخلية، خصوصاً مع الإضراب الشامل للمعلمين، ومطالب الناس بالخدمات، وتصاعد الخلافات بين جناح محمد علي الحوثي، وجناح أحمد حامد مدير مكتب «مجلس الحكم الانقلابي».
بدوره، يؤكد السياسي محمد يحيى، وهو اسم مستعار لسياسي بارز يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، أن الجماعة كانت تبحث عن طوق نجاة، ووجدته الآن في أحداث غزة، بعد أن عصرها الصراع بين أجنحتها، وأفشل حتى الآن محاولات تشكيل حكومة انقلابية جديدة رغم انقضاء أكثر من شهر على إقالة حكومة عبد العزيز بن حبتور، المتهمة بالفشل والفساد.
وبيّن يحيى أن الوضع المعيشي للناس بلغ مرحلة من السوء كان يهدد بانفجار مجتمعي؛ ولهذا رأت الجماعة الحوثية في أحداث غزة فرصةً للهروب من هذا الوضع.
حركة استعراضية
يرى الكاتب اليمني محمد عبد الرحمن أن هناك سببين وراء الحركة الاستعراضية للحوثيين. ويقول: «إن العدوان الإسرائيلي على غزة جاء لينقذ الحوثيين من أزماتهم الداخلية، وتصاعد السخط والتذمر الشعبي في مناطق سيطرتهم، حيث قد وصلت هذه الحالة إلى مرحلة كبيرة كادت تخرج الأوضاع عن سيطرتهم، رغم محاولاتهم معالجة الأزمات بإعلان تغييرات جذرية، ومنها إقالة الحكومة».
ووفق عبد الرحمن، فإن «الحرب الإسرائيلية على غزة تحظى باهتمام الرأي العام اليمني الذي يتألم من المشاهد المأساوية التي تأتي من هناك، ولهذا رأى الحوثيون فيها فرصة مؤاتية للهروب من الاستحقاقات، من خلال إطلاق مجموعة من المسيّرات والصواريخ». ويؤكد أنهم الآن «يعدّون أي حديث عن المرتبات والأوضاع المأساوية في مناطق سيطرتهم نوعاً من الخيانة والمؤامرة».
ويرى أن الهدف الآخر من هذه الحركة، هو تثبيت وجود الجماعة ضمن ما يسمى «محور الممانعة»، ولكي تصبح قوة فاعلة في المنطقة لصالح إيران التي تحركها، وغيرها من الأتباع في المنطقة، بحسب مسارات مصالح طهران السياسية في المنطقة؛ لأن ذلك سيعفيها من أي مسؤولية، في مقابل أن يتحمل اليمن تبعات ذلك.
غير أن الكاتب اليمني محمد المياحي كان أكثر نقداً للخطوة، وعدّ تضامن الحوثي مع فلسطين، نموذجاً للاستثمار «الرخيص». وقال إن «الكيانات التابعة لإيران، هي سبب مركزي إضافي للوهن العربي».
ووصف المياحي إيران بأنها خصم حضاري للقومية العربية؛ لأنها «لا ترغب في أن ترى الشعوب العربية قوية»، فهذا وفق تقديره «يجردها من إحدى راياتها ويضعف مشروعيتها». وقال إن طهران لا تُطلّ برأسها؛ إلا على أنقاض بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. وخاطب اليمنيين قائلاً: «حتى في أكثر لحظاتكم قهراً، لا تدعوا سلطة مشبوهة تتصدر لتمثيل عواطفكم. كافحوا تجار القضايا في كل مكان، وبشكل متزامن».
فقاعة ساخنة
الكاتب اليمني عبد الفتاح حيدرة، رأى أن مسيرة الحوثي ذهبت إلى «إيلات» لتجرف بعض الحريق من غزة إلى اليمن. وقال: «سوف يدفع هذا البلد (اليمن) الثمن مما تبقى من السمعة الدولية عنه بوصفه إحدى أذرع إيران».
وذكّر حيدرة بأن اليمن أكثر الدول فقراً ومجاعة في العالم، ورأى أن المسيّرات والصواريخ حتى لو وصلت إلى إسرائيل، فستكون، وفقاً لتعبيره، «مثل فقاعة ساخنة في أطراف بركان ثائر قد تأتي على المنطقة برمتها».
أما الصحافي اليمني مصطفى غليس، فيؤكد أنه لا يوجد أسوأ من الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، إلا الادعاءات الكاذبة من جانب الحوثي، واستغلاله هذه الأوجاع بمشاركة وهمية غير واقعية هدفها تبييض جرائم الطرفين: جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وجرائم الطرف الإقليمي الذي يحرّك الحوثي بحق الشعوب العربية.
ويجزم غليس بأن الحوثي يهرب من التزاماته الداخلية تجاه السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، إلى اصطناع بطولات، وأن الإعلان عن استهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، محاولة جديدة من الحوثي لاكتساب الثقة الشعبية، واستغلال السخط الشعبي ضد قوات الاحتلال التي تواصل جرائمها بحق المدنيين في غزة.
من جهته يرى المحلل السياسي اليمني صادق الوصابي، أنه بالإمكان التماس العذر لغير اليمنيين ممن لا يدركون حقيقة جماعة الحوثي وما ارتكبته من جرائم بحق اليمنيين، الذين لا يزالون مخدوعين بشعاراتها واستعراضاتها العسكرية الزائفة، لكنه انتقد مواقف بعض اليمنيين ووصفها بـ «المُخزية»، خصوصاً أولئك الذين غادروا البلاد؛ هروباً من بطش الحوثيين أنفسهم.
ويضع الباحث اليمني إبراهيم جلال، من جهته، أربعة دوافع رئيسية داخلية لهجمات الحوثيين عبر الحدود، بما في ذلك تلك التي تستهدف إسرائيل. ويقول إنهم يسعون من ورائها إلى احتواء السخط المتزايد تجاه الفشل المستمر في دفع رواتب الموظفين، ومواجهة تراجع شعبيتهم، ورفع الروح المعنوية لدى مقاتليهم، وتحسين موقفهم خلال محادثات السلام.