الحوثيون وتحالفاتهم في العراق.. نفوذ الجماعة خارج اليمن (ترجمة)

قال تحليل لمؤسسة "كارنيغي" الأمريكية إن الحوثيين يعززون علاقاتهم الإقليمية، لا سيما مع قوات الحشد الشعبي، التي تقدَّم لهم منافع سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، فضلا عن وسائل ضغط ضد دول الخليج.
وأضاف أنه من المؤكد أن جماعة الحوثي يمكن أن تتوقع دعما مستمرا من قوات الحشد الشعبي، التي لم تتأثر في معظمها بالأحداث الأخيرة.
كما أنه من شبه المؤكد أن تستمر إيران، الداعم الرئيسي لجماعة "أنصار الله"، في تمويل الجماعة وتسليحها إلى حد ما، نظرا لقيمتها المتزايدة في ظل سقوط النظام السوري وخسائر حزب الله في لبنان. إلا أنه، مع ذلك، فليس من الواضح ما إذا كان هذا كافيا ل"أنصار الله" للاحتفاظ بدورهم الجديد كلاعب إقليمي، قادر على السيطرة حتى خارج حدود اليمن.
وتابع بالقول إن مواجهة الحوثيين لإسرائيل، في وقت ارتفاع الغضب الشعبي، عليها بشكل كبير، من ضربها لغزة، أدت إلى تلميع صورة الحوثيين في الدّاخل والخارج.
بحيث عملوا على إسكات الانتقادات العامة المتزايدة، مؤقتا على الأقل، بسبب عجز الجماعة عن الوفاء بالخدمات ودفع الرواتب، وسُوء الإدارة العامة للمناطق اليمنية التي يسيطرون عليها.
إذ يمكن أن يترجم هذا، إلى جانب رغبة إيران في التعويض عن زوال النظام السوري وإضعاف "حزب الله"، إلى قيام الحوثيين بشن مزيد من الهجمات على إسرائيل، وعلى التجارة البحرية المرتبطة بإسرائيل.
ومع ذلك، من الممكن أيضا أن لا تصل الأمور إلى هذه المرحلة أبدا.
ومضى قائلا: "إذا كان التصور السائد بأن طهران ضحت بكل من حزب الله والأسد عندما أصبح دعمهما مكلفا للغاية يسري على قيادة أنصار الله وجماعات الحشد الشعبي، فقد يجعلهم ذلك يتوقفون".
وفي مثل هذه الحالة، وبغض النظر عن دوافع إيران، يمكن لكلا التنظيمين أن يختارا تقليص عملياتهما، وهو ما فعلته العديد من فصائل "الحشد الشعبي" مسبقا، بهدف تأمين مستقبلهما في منطقة شهدت تراجعا لقوة "محور المقاومة"، وتوسعه بشكل كبير.
وأفاد التحليل بأن تعاون الجماعة مع «قوات الحشد الشعبي»، وهي منظمة جامعة تضم العديد من الجماعات شبه العسكرية العراقية، واستخدامها الأراضي العراقية لشن هجمات على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يشير إلى ذلك.
وأوضح أن قدرة "أنصار الله" على تعزيز نفسها محليا على مدى العقدين الماضيين، مع التوسع إقليميا، حوّلتها إلى جهة فاعلة بارزة، غير حكومية، عابرة للحدود في المنطقة، مما زاد من تشجيعها على الانخراط في أعمال تصعيدية في الداخل والخارج.
ومع ذلك، فالإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في سوريا، وإضعاف إسرائيل لحماس وحزب الله وإيران عسكريا وماليا وسياسيا، تعرُّض "محور المقاومة" لضربات كبيرة. وهذا لوحده كان سيترك "أنصار الله" في موقف ضعيف، غير أنه كان عليها أيضا أن تتعامل مع التحدِّي، المتمثل بقصف إسرائيل والدول الغربية للبنية التحتية العسكرية والمدنية في الجزء الواقع تحت سيطرتها، مهما كان محدودا.
وبصفتها سلطة سياسية غير معترف بها إلى حدٍ كبير، لم تتمكن "أنصار الله" من إقامة علاقات رسمية مع دول أخرى غير إيران وسوريا؛ وهذا جعل احتمال إقامة علاقات مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، أو شبه الحكومية، الموالية لإيران في العراق، جذابة لها بشكل خاص.
وفي هذا السياق، تعود العلاقة بين "أنصار الله" والفصائل، التي تندرج تحت مظلة قوات "الحشد الشعبي"، إلى عام 2012 على الأقل.
ففي ذلك العام، أرسلت جماعة "أنصار الله" مقاتلين مدمجين في الجماعات شبه العسكرية العراقية واللبنانية إلى سوريا لدعم نظام الأسد، الذي كان يواجه انتفاضة مسلحة في أعقاب الربيع العربي.
وفي عام 2015، بعد أشهر فقط من إرسال المملكة العربية السعودية والعديد من الشركاء والحلفاء العرب قوات عسكرية إلى اليمن لإعادة الحكومة المعترف بها دوليا هناك وتحييد الحوثيين، أرسل الحوثيون وفدا رفيعا إلى العراق لطلب جميع أنواع الدعم، لا سيما من قوات "الحشد الشعبي".
وفي السنوات التي تلت ذلك، عقد الحوثيون العديد من اللقاءات، العامة والخاصة، مع المسؤولين العراقيين والإيرانيين ورجال الدِّين، فضلا عن قادة جماعات "الحشد الشعبي".
واليوم، تتمتع جماعة "أنصار الله"، التي يقال إنها افتتحت مكتبا سياسيا في بغداد، بعلاقات قوية مع كتائب "حزب الله العراقي"، وكتائب "النجباء"، وكتائب "سيد الشهداء"، و"عصائب أهل الحق"، و"منظمة بدر"، و"جمعية الوعد الحق".
وتستضيف فصائل "الحشد الشعبي" سرا المئات من الأفراد العسكريين من "أنصار الله" في قواعدها، حيث تنخرط في أنشطة تدريب ومقايضة مشتركة.
إن القضاء على ضابط الصواريخ من المستوى المتوسط، حسين مستور الشعب، في تأريخ 30 يوليو 2024، مع ستة آخرين من أفراد "أنصار الله" بغارة جوية أمريكية استهدفت منشأة لطائرات مسيَّرة تابعة لكتائب "حزب الله" في "جرف صخر"، جنوب بغداد، يشير إلى أن هناك محاولة للتقليل من وجود "أنصار الله" في مثل هذه المخيمات.
وفي شهر سبتمبر 2024، أشارت التقارير إلى أن إعادة نشر حوالي خمسين مقاتلا من قوات "الحشد الشعبي" (معارين من قوات "أنصار الله") تمت في قاعدة عسكرية بمنطقة البوكمال العراقية القريبة من الحدود مع سوريا، وقد يشير ذلك على الأرجح إلى إظهار قابلية التشارك البيني، وتعزيز "وحدة ساحات المقاومة"، والعمل كتحذير لإسرائيل.
ترتبط الفصائل الشيعية الموالية لإيران (في اليمن والعراق) في جوهرها بالعديد من القواسم المشتركة، فهي تشترك في وجهات نظر عالمية معادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتسعى إلى الهيمنة على المشهد السياسي الداخلي، ولديها أجندة توسعية، وتعتبر أفعالها ضد القوات الأمريكية في المنطقة على أنها "مقاومة".
ولعلَّ الأهم من ذلك، أن لديهم الراعي نفسه؛ وهو "إيران". لذلك ليس من المستغرب إن أثبت الحرس الثوري الإيراني، من خلال فيلق القدس، أنه فعّال في تنسيق التعاون التقني والعملي بين "أنصار الله" ونظرائهم الإقليميين.
وتهدف طهران إلى تسهيل تبادل الخبرات، وزيادة قابلية العمل المشترك في أوقات الاضطرابات، وكذلك استخدام أي جبهة أكثر ملاءمة في المحور لإبراز النفوذ الإيراني في المنطقة في أي وقت.
وهناك عدَّة طُرق يمكن من خلالها أن تستفيد جماعة "أنصار الله"، التي لديها عقدان من الخِبرة في التمرّد ضد الحكومة اليمنية وضد التحالف الذي تقوده السعودية، الذي تدخَّل عسكريا لدعمها في مارس 2015، من "الحشد الشعبي".
فمن ناحية، أثبتت جماعة الحوثيين - بفضل إيران وحزب الله - براعتها في تجميع وتعديل الطائرات المسيَّرة والصواريخ الموجَّهة قصيرة المدى من مكوِّنات فردية منقولة بشكل غير قانوني، في ظل الحظر الجوي والبحري الذي يمنع شحن الأسلحة إلى اليمن. ويشمل ذلك أنواعا مختلفة من طائرات "شاهد" و"الصماد" الإيرانية الصُّنع، التي يتم تصنيعها باستخدام مُعدات صينية وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا إلى أن جماعة "أنصار الله"، بدعم من إيران وحزب الله، أسقطت ما لا يقل عن أربع عشرة طائرة أمريكية مسيَّرة باستخدام صواريخ "أرض-جو" إيرانية، يمكن للجماعة مساعدة فصائل "الحشد الشعبي" على تحسين دفاعاتها الجوية. ويبدو أن هذا قد حدث مسبقا، فقد ادَّعت "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهو مصطلح شامل يعتقد أن فصائل "الحشد الشعبي" تستخدمه، عمليتي إسقاط ناجحتين لطائرات أمريكية مسيّرة، منذ شهر نوفمبر 2023.
وبالنسبة لأنصار الله، يقدّم العراق فوائد سياسية واقتصادية وعسكرية وجيوسياسية، لا سيما من حيث أن البلاد تشترك في حدود طولها 811 كيلومترا مع المملكة العربية السعودية.
وفي شهر سبتمبر 2019 ، خلال فترة التوتّر المتزايد بين "أنصار الله" والرياض، تم شن هجوم بطائرة مسيّرة على منشآت "أرامكو" النفطية السعودية في "أبقيق" و"خريص".
وبالرغم من أن "أنصار الله" أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن تحقيقا لاحقا أجرته الأمم المتحدة وجد أن الهجوم لا يمكن أن يكون مصدره من اليمن. ويبدو أنه جاء "من اتجاه شمال/شمالي غربي وشمال/شمالي شرقي"، وهو ما يعني العراق، أو حتى إيران، والجناة الأكثر ترجيحا هم مجموعة أو أكثر من مجموعات "الحشد الشعبي"، التي تعمل نيابة عن "أنصار الله".
وبرزت إمكانية تكرار هذا السيناريو في شهر أكتوبر 2022، وكذلك في يوليو 2024، عندما تصاعدت التوترات بين "أنصار الله" والرياض مرَّة أخرى، وهددت كتائب "الوعد الحق" و"كتائب حزب الله"؟ على التوالي، باستهداف السعودية.
ومن خلال ترتيبات المقايضة مع فصائل "الحشد الشعبي"، حاصرت "أنصار الله" المملكة العربية السعودية بشكل فعَّال، وواجهتها في هذه العملية بتحدٍ جيو-ستراتيجي كبير.
كما يتيح وجود "أنصار الله" في العراق تهريب الأسلحة من الأراضي العراقية إلى اليمن عبر المملكة العربية السعودية؛ لدرجة أن قوات "الحشد الشعبي" زوَّدت "أنصار الله" "بالوقود العراقي المجاني والمدعوم بشكل كبير، بما في ذلك الديزل والنفط"، الذي تشحنه إلى الحديدة من البصرة؛ في انتهاك للحظر الدولي، وكثيرا ما يتم ذلك من خلال الموانئ البحرية في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، باستخدام عمليات نقل من سفينة إلى أخرى، ووثائق مزوَّرة تسهِّل من العمليات.
وقدَّر تقرير صادر عن لجنة الخبراء الخاصة باليمن، التابعة للأمم المتحدة، في عام 2019 أن إيران نقلت نفطا بقيمة لا تقل عن 24.4 مليون دولار شهريا لجماعة "أنصار الله".
إضافة إلى أن جماعة "أنصار الله" كانت تنقل مقاتلين إلى العراق عبر عُمان؛ قبل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي في عام 2022.
ومع ذلك، تنقل الجماعة الآن بعضا منهم على الأقل، من خلال جوازات سفر مزوَّرة من مطار صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمّان، مما يجعل نقلهم لاحقا إلى العراق أسرع بكثير.
كما أن جماعة "أنصار الله" قادرة على استخدام العراق كقاعدة لجمع التبرَّعات والتحويلات المالية.
فعلى سبيل المثال، نظَّم المتحدِّث باسم كتائب "حزب الله"، أبو علي العسكري، والأمين العام لجماعة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، والمتحدث باسم مجموعة "شباب الشريعة"، أمير الموسوي، أنشطة عامة لجمع التبرعات؛ لدعم برنامج الطائرات المسيّرة التابع لجماعة "أنصار الله"، على الأقل.
وخلافا لتأطير أنشطة جمع الأموال هذه على أنها فعاليات مستقلة وطوعية، فإنها آليات منهجية لدعم "أنصار الله"، وذلك بغرض تجنّب التدقيق من قِبل هيئات الرقابة التي تراقب غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما بالنسبة للتحويلات المالية، فغالبا ما تتم من خلال شبكات التحويلات، أو طرق غير رسمية مماثلة، مما يعقِّد تحديد الهوية وتعقّبها واعتراضها.
ومكَّنت هذه الدينامييات مجتمعة "أنصار الله" من تجاوز مكانتها السابقة كظاهرة يمنية محلية.
وقد تحقق هذا التحوّل على أكمل وجه مع الإجراءات التي اتخذتها الحركة ضد "إسرائيل"؛ ردا على هجومها المستمر على غزة، فضلا عن أفعالها ضد الدول التي تتشارك التجارة مع الإسرائيليين.
وابتداء من شهر أكتوبر 2023، أظهرت جماعة "أنصار الله" قدرتها على ضرب إسرائيل، على بُعد حوالي 1,800 كيلومتر من اليمن، باستخدام طائرات مسيَّرة وصواريخ، كما أعاقت حركة المرور التجارية المتٍَجهة إلى هناك أو العائدة منها.
كما استأنفت الجماعة إطلاق تهديدات من حين لآخر ضد دول الخليج العربية.
وباختصار، أثبتت جماعة "أنصار الله" أنها جهة فاعلة رئيسية عابرة للحدود. ومع ذلك، فإن العام القادم سيغيِّر الأمور بشكل كبير.