أدى احتجاز الحوثيين لسفينة على صلة بشركة إسرائيلية إلى إثارة انتباه الغرب بعد أن تجاهلت دول مثل الولايات المتحدة تحذيرات إقليمية من خطر الجماعة المرتبطة بإيران على الأمن الإقليمي، وخاصة أمن الملاحة في باب المندب.
يأتي هذا في وقت يقول فيه محللون سياسيون إن الاستهانة الغربية بالتحذيرات خلال السنوات الماضية هي التي أدت إلى تعاظم تهديدات الحوثيين وشجعتهم على المزيد من التحدي.
وحذّر الحوثيون الاثنين من أنّ السفن الإسرائيلية “هدف مشروع”. ونقلت قناة المسيرة التابعة للجماعة عن نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء علي الموشكي قوله إنّ “السفن الإسرائيلية أهداف مشروعة لنا في أيّ مكان، ونحن حذّرنا مسبقا ولن نتردّد في التنفيذ إطلاقا”.
وقالت الشركة المالكة للسفينة إنها علمت أنّ المتمردين صعدوا على متن السفينة، عن طريق الهبوط أو الانزلاق على حبل من طائرة هليكوبتر، وهي الطريقة التي استخدمتها إيران خلال عمليات احتجاز السفن السابقة في مضيق هرمز.
في حال استمرت الاستهانة الغربية بقدرات الحوثيين، قد يعمدون إلى توسيع نطاق هجماتهم بما يهدد الاستقرار الإقليمي.
وكثيرا ما استهان الغرب بجماعة الحوثي نظرا إلى بعدها الجغرافي عن الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما استفادت منه الجماعة لتوسع سيطرتها بالاستيلاء على صنعاء وعلى الحكومة اليمنية في عام 2014، مما دفع التحالف الذي تقوده السعودية إلى التدخل عسكريا في مارس 2015. وفيما كانت الجماعة توسع نفوذها بالسلاح الذي يأتيها من إيران، كانت الدول الغربية توجه انتقادات لاذعة للسعودية بشأن التدخل في اليمن.
وبدأ الغرب مؤخرا يشعر بأن الجماعة تتحرك ضمن إستراتيجية إيران الأوسع نطاقا والتي تتمثل في تعبئة شبكة عابرة للحدود تحت راية محور المقاومة، بما يمنحها القدرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة وخارجها، خاصة أن الشبكة يمكن أن تهدد على المدى البعيد مصالح الأميركيين وحليفتهم إسرائيل لوجودها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة.
وتقول الباحث اليمنية فاطمة أبوالأسرار “رغم بعد الحوثيين الجغرافي عن إسرائيل وقدراتهم المحدودة، فإن التهديد الذي يمثلونه حقيقي”.
وشن الحوثيون في 31 أكتوبر الماضي هجمات صاروخية فاشلة استهدفت إيلات، مما تسبب في انفجارات في مدينتين مصريتين بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وذكروا في الثامن من نوفمبر الجاري أنهم أسقطوا طائرة أميركية دون طيار من طراز أم كيو – 9 ريبر وأطلقوا صواريخ باتجاه إسرائيل. كما أطلقوا في الرابع عشر من الشهر ذاته صواريخ باليستية إضافية على أهداف إسرائيلية، بما في ذلك إيلات، لكن الجيش الإسرائيلي اعترضها.
وتشير كل هذه الحوادث إلى توسع ملحوظ في نطاق عمليات الحوثيين وكثافتها وجرأتها، وأنها قد لا تقف عند حدود المناوشات.
وتقول أبوالأسرار في تحليل بمعهد الشرق الأوسط إن هجمات الحوثيين على إسرائيل تحقق من الناحية الإستراتيجية أهدافا متعددة للجماعة، فهم يعززون موقفهم ضد إسرائيل وينالون الدعم الإيراني. وغالبا ما تصور دعاية الحوثيين اليمن ضحية لمؤامرة سعودية – أميركية – إسرائيلية، وهي رواية كان لها دور فعال في حشد الدعم المحلي.
ويركز الحوثيون محليا على إثبات قوتهم لمنافسيهم، وخاصة في ظل ضعف الحكومة المعترف بها دوليا وتناقض مصالح الأطراف المكونة لها، وارتباطها سياسيا بمواقف السعودية الساعية حاليا إلى التهدئة حتى لو أدى الأمر إلى التغاضي عن استفزازات الحوثيين لخصومهم.
ورغم أن الجماعة تبدو محدودة الإمكانيات، إلا أنها تتمتع بقدرات صاروخية وطائرات دون طيار تشكل تهديدا كبيرا للأمن الإقليمي والعمليات البحرية. ويحمل استعدادها لنشر هذه الموارد ضد إسرائيل رسالة قوّة وتحدّ.
وتهدف هذه التحركات إلى تشتيت الانتباه وصرف النظر عن تحديات الحكم الداخلي، وتعزز صورة الجماعة باعتبارها لاعبا إقليميا حاسما، وتظهر قدراتها في اعتماد العمل العسكري لكسب الاحترام وتوطيد السلطة وفرض تسويات تخدم مصلحتها.
ويكمن الخطر الحقيقي في عدم القدرة على التنبؤ بتحرك الحوثيين وقدرتهم على تنفيذ هجمات يمكن أن تكون تداعياتها الإقليمية وخيمة، مثل الهجوم بالمسيّرات على مطار أبها الدولي بالسعودية في فبراير 2022، وقبل ذلك الهجومُ الذي استهدف منشآت نفطية سعودية في سبتمبر 2019.
وفي حال استمرت الاستهانة الغربية بقدرات الحوثيين وجرأتهم، قد يعمدون إلى توسيع نطاق هجماتهم بما يهدد الاستقرار الإقليمي. وقد يؤثر التصعيد كثيرا على اقتصاد دول الخليج وأمنها، ويعكّر صفو أسواق النفط العالمية.
وأظهرت العروض العسكرية الأخيرة للجماعة أسلحة إيرانية متقدمة، بما في ذلك صواريخ كروز للهجوم الأرضي، والصواريخ الباليستية الدقيقة، والطائرات الانتحارية دون طيار، والصواريخ الباليستية متوسطة المدى التي يزيد مداها عن ألف كيلومتر، ما يفرض على المجتمع الدولي، وخاصة أصحاب المصلحة الأمنيين في الخليج والبحر الأحمر، أن يبقوا في حالة تأهب.
وتحتاج الولايات المتحدة في المرحلة الراهنة إلى توطيد تحالفاتها في الشرق الأوسط، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين القوى الإقليمية مع تزايد المخاوف الأمنية بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون وغيرهم من الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وسيساعد ذلك على التصدي للتهديدات المباشرة وبناء إستراتيجية طويلة الأمد للسلام والاستقرار في المنطقة. كما يجب أن تستمر الجهود الأميركية الحالية والوجود البحري في مواجهة صواريخ الحوثيين واعتراض طائراتهم المسيرة.
وتسلط هجمات الحوثيين على إسرائيل، التي تتجاوز العدوان الرمزي، الضوء على تهديد ملموس يشكّل تاريخُ الجماعة المسلحة في إطلاق صواريخ وطائرات دون طيار متطورة باتجاه السعودية والإمارات دليلا دامغا عليه.
ويؤكد هذا الوضع إعادة تقييم دور الحوثيين في المشهد الأمني الإقليمي الأوسع. وتعدّ قدراتهم تذكيرا بالتقلبات التي يشهدها الشرق الأوسط والمخاطر التي تفرضها الجماعات التي توظّف الصراعات الإقليمية في أجنداتها الأيديولوجية.
وتتطلب مواجهة التهديد الحوثي اتباع نهج متوازن يجمع بين التدابير الأمنية القوية والجهود الدبلوماسية لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية التي تغذي الصراع. ويشمل ذلك تعزيز الحل السياسي في اليمن، والحد من نفوذ إيران الإقليمي، وتبديد المخاوف الإنسانية، وتعطيل تدفق الأسلحة والدعم المالي إلى الحوثيين.
وتخلص الباحثة أبوالأسرار إلى أنه يمكن أن تحد العقوبات المستهدفة والضغوط الدبلوماسية قدرات الحوثيين العملياتية وتشجع المشاركة في محادثات السلام، محذرة من أن الاستهانة بهم أو الفشل في مواجهة السياق الأوسع لإستراتيجية إيران الإقليمية يمكن أن تنتج عنهما عواقب وخيمة جدا، مما يؤكد الحاجة إلى استجابة دولية شاملة ومنسقة لضمان الاستقرار والأمن الإقليمييْن