يرسم لنا التقرير الأممي المقدم لمجلس ألأمن هذا الأسبوع ،خارطة توزيع القاعدة على مسرح العمليات ، ويحدد قنوات تواصلها مع الحوثي مؤكداً أن هدف هذا التداخل تنفيذ عمليات إرهابية جنوباً، ويقدم جدولاً زمنياً ومكانياً للمناطق الجنوبية المستهدفة طوال العام الجاري، وإطلاق رموز القاعدة من سجون صنعاء، وتسليحها بالمسيّرات والأسلحة الصاروخية والعتاد النوعي .
خارطة تواجد القاعدة في البيضاء وتعز والمنطقة العسكرية الأولى ، وهو مثلث يمكن وصفه بمطبخ رسم وتحديد الأهداف ، وغرفة عمليات المصالح المتبادلة بين الإخوان والحوثي والقاعدة، ما يسقط عن الإصلاح قلقه الزائف من تسليم المناطق الجنوبية المحررة للحوثي، حسب بيان أحزاب التحالف الوطني الذي يتصدر موقعي البيان الإخوان.
تقرير الخبراء يعدد نجاحات القوات الجنوبية في التصدي للقاعدة في أبين وشبوة وغيرهما ، وهي إشادة تحيلنا إلى حقيقة مؤكدة بأن لاشريك حقيقي في مكافحة الإرهاب على الأرض سوى القوات الجنوبية ، وأن هذه الشراكة يجب أن يُنمَّا حضورها ليصل إلى البحر، حيث الممرات الملاحية الواقعة تحت مرمى تهديد الحوثي ، وتُعزز الشراكة بتجهيز القوات الجنوبية بقدرات تسليحية وتقنية ولوجستية عالية الفعالية ،لتأمين الملاحة والإقتصاد الدوليين .
التزاوج بين الإصلاح والحوثي الذي أنجب القاعدة سفاحاً ، لايمكن تقويضه سوى بوجود قوة حقيقية كاملة الشراكة ، تحد من المخاطر وتمنح المضائق أمناً مستداماً.
تشريك القوات الجنوبية يجب أن يسبقه تفاهمات سياسية دولية ، تعترف بالجنوب كطرف في مفاوضات التسوية النهائية، وتلامس هذه التفاهمات الإقرار بقضية الجنوب وأفق حلها العادل.
من دون تفاهمات سياسية سيسهل للخصوم توصيف هذه القوات كشرطي بحري وقوة ملحقة، وهو مالا يجب ان تضع نفسها في خانة كتلك.
تبقى ملاحظة أخيرة تتصل بالعلاقة بين الحوثي والإرهاب وتمددها نحو قراصنة القرن الإفريقي، وصناعة مسميات تمويهية عدة ،تخدم السياسة العامة الإيرانية ، فالحوثي يعزز قاعدة عسكرية له في كمران وحوليها ، ويتخطى خطر هذه القاعدة سيطرته ، مايمنح الإرهاب المتعدد الجنسيات المتواجد فيها ، تسهيلات عسكرية لمهاجمة الناقلات والسفن التجارية وأغلاق باب المندب، ويجعل الحوثي جماعة مغامرة عالية المخاطر ، تسوية ملفها على رأس جدول أعمال الأمم كتحدٍ غير قابلة للإرجاء.
إقتصار خارطة الطريق في شقها الأول على الجانب الإقتصادي ، وعدم ربطه بالشق السياسي ، وإستمرار تخندق الحوثي في خانة رفض طرق أبواب القضايا المتصلة بالتسوية السياسية ، لن يقود إلى صفقة شاملة تتعاطى مع ملف الصراع في اليمن، ككلٍ واحد ومترابط الأجزاء.
جولة المبعوث الأممي لمسقط والرياض ولقائه مع الجانب الحوثي، يؤشر إلى أن خارطة الطريق قد تم إنجاز شقها الإقتصادي ، في معزل عن الجميع أحزاباً ومكونات مدنية مجتمعية بل وربما سلطة شرعية ، وأنها جاهزة لوضع آليات التنفيذ ، ومن غير إلزام الحوثي بإتفاق لخوض مفاوضات جادة ،تتناول الحكم وشكل الدولة والنظام السياسي ، لن يكون أكثر من مكافأة مجانية للحوثي مقابل لاشيء ، أو بمعنى أدق بدلاً من جره لمربع السلام ،تشجعه هذه المِنح للمضي بسياسة الإبتزاز ،وزعزعة أمن اليمن والجوار وماوراء الجوار.
الضغط بكل أشكاله هو من يرشِّد مواقف الحوثي المنفلتة ، لا تقديم المزيد من الرشى، الأول -الضغط-غائب كلياً ، في ما الثاني -الرشى- حاضر بقوة، وهو ما يغوي الحوثي على أن يأخذ دوماً دون أن يقدم التنازل أو قدر من المرونة تشكل أساساً يمكن البناء عليه .
إستهداف سفينتين إحداهما قبالة ميناء الحديدة من قبل الحوثي بالصواريخ والمسيّرات ، يطرح ثانية إستعادة الحديدة كأولوية قصوى وإعتبار إتفاق ستوكهولم وكأنه لم يكن.
من غير إغلاق الرئة التي يتنفس منها الحوثي ، والشريان الذي يوفر له تدفقات مالية وأسلحة وميزة إستراتيجية ، وإستمرار الإنفتاح السياسي التسووي عليه ، يدفعه إلى إلتقاط هذه الرسائل وقراءتها قراءة خاطئة ، مفادها أن الإعتداءات المتكررة على المصالح الدولية ، تخدم حسابات طهران ،وتخضع جميع الأطراف الإقليمية لمطالبه ، وتحسن وضعه التفاوضي مع الرياض.
لا معنى لأي ضربة إنتقامية موضعية ،مالم تتجه الجهود نحو خطة شاملة متكاملة تحرر الحديدة، وتنهي تواجد الحوثي من أهم وأخطر منصة، تطل على باب المندب في البحر الأحمر.
إذا كان ستوكهولم خطأ فإستمراره خطيئة.
* من صفحة الكاتب على إكس