هُم نكبة كل الأزمان بفارق السياق والتفاصيل، وهُم الذين جرّدوا اليمن من سلامه وزجّوا به في أتون انقلاب أعاده سنوات ضوئية للوراء.
هذا هو الانقلاب الحوثي، المصاب والذكرى المشؤومة التي تحييها المليشيات في 21 سبتمبر/ أيلول على نخب دماء اليمنيين ومأساتهم المستمرة منذ 2014. وهو اليوم الذي تتعالى فيه الأصوات بـ"ثورة" سلام واستقرار تضيء عتمة السنوات التسع.
"نكبة" تحتفي المليشيات عبرها بفظاعات يتجرعها اليمنيون منذ سنوات طويلة، وعروض عسكرية ترفع رايات مغمسة بدماء الأبرياء ونواح الثكالى واليتامى.
المحلل السياسي اليمني الدكتور يحيى الجوبعي، يقول إن "استعادة الدولة والجمهورية تبدأ من مساندة مختلف الجبهات التي تقاوم الحوثيين في المحافظات الجنوبية المحررة كمنطلق للقضاء على أحلام المليشيات باستعادة الإمامة".
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، أضاف: "الحوثيون وباسم ثورتهم الكاذبة انتهكوا حقوق اليمنيين وأعراضهم، وارتكبوا الجرائم وفجّروا البيوت، وصدّروا الإرهاب إلى المحافظات الجنوبية المحررة وإلى دول جوار اليمن، وعملوا على إقلاق السكينة وتهديد المصالح الدولية، وتكريس الإفرازات الطبقية في المجتمع".
وتابع "مليشيات الحوثي ادّعت مناصرة الحقوق في بداية النكبة، غير أنها كانت أول المنتهكين للحقوق، ونهبت أموال الناس بمبرر الخُمس والجبايات".
ومتسائلا: "عن أي منجزات أو مكاسب يتحدث الحوثيون سوى سفك الدماء وتهديد دول الجوار، ولم تكن شعارات الدولة ومناصرة الحقوق سوى شعارات كاذبة يخدعون بها أنفسهم قبل الآخرين؟".
وعاد المحلل السياسي الدكتور يحيى الجوبعي للإشارة إلى أن "21 سبتمبر/أيلول مجرد مسرحية لذر الرماد والسيطرة على الشعب في شمال اليمن عبر تعزيز ثقافة الهيمنة ضد الآخرين، وتحريك التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهداف المليشيات عبر ترهيب وتخويف الآخر".
وأكد في ختام حديثه مع "العين الإخبارية" أن الحوثيين مجرد ”مطية وأداة” بيد آخرين، مستدركًا أن الأجيال القادمة ستأتي لتقف أمام مشروع الحوثيين بقوة، وستستعيد حقوق الجميع من هذه المليشيات، وستعترف بتضحيات أبناء هذا الوطن.
من جانبه، يعتبر المحلل السياسي اليمني الدكتور عبدالملك اليوسفي، أنه "عندما نتحدث عن نكبة اليمن في 21 سبتمبر/ أيلول فإننا نتحدث عن منعطف تاريخي للحظة الضعف اليمني التي حصلت في الداخل؛ نتيجة التناقضات والمشاريع الصغيرة والمتقزمة التي صنعت فراغًا تسلل منها المشروع الحوثي".
ويقول اليوسفي لـ”العين الإخبارية”، إن "الحوثي لم يكن قويًا وليس قويًا حتى الآن، ولكنه استغل التناقضات والفراغ القائم، واشتغل على العداوات الموجودة بين القوى اليمنية، خصوصًا القبلية والسياسية منها، وهي ما جعلت الحوثي يتسلل في تلك اللحظة ليشكل النكبة الحقيقية".
واعتبر أن "النكبة الحوثية لا تهدد الحاضر فقط، بل إنها إذا استمرت كمشروع مسلح فإنها تشكل تهديدًا للمستقبل والاستقرار"، مشيرا إلى أن "أي بلد يطمح أبناؤه للاستقرار والتنمية والاقتصاد لن يستطيع إنجاز شيء؛ لأن العدو الأول لأي عملية تنموية واقتصادية أو حتى عدو الحياة هي الحروب ومشاريع العنف المؤدلجة".
اليوسفي تطرق أيضا في حديثه إلى أن "رسم ملامح المستقبل لا يمكن أن يُبنى إلا بقراءة الماضي وفق معطيات سياسية تقدم معالجات حقيقية لصناعة الاستقرار في اليمن، والذي يبدو أنه يلوح الآن في الأفق، من خلال ما يقوم به الأشقاء في الخليج بقيادة السعودية والإمارات وبقية دول الخليج الحريصة على استقرار بلادنا".
ولفت إلى "وجود مسار سياسي يتبلور لكن هذا المسار لا بد أن يضع في الاعتبار المعالجات المستقبلية التي تفضي إلى استقرار حقيقي في اليمن"، معتبرا أن المشكلة التي تولدت بعد يوم 21 سبتمبر/أيلول هي "نشوء كيان يمتلك السلاح، أو بمعنى أوضح تقوية كيان يمتلك سلاح ويسيطر على الدولة.
وشدد المحلل السياسي على أن "السلاح يجب أن تحتكره الدولة لوحدها، كأحد عناصر صناعة الاستقرار لأي بلد"، معتقدًا أن "الكارثة الحقيقية التي حصلت في 21 سبتمبر/أيلول هي سيطرة الحوثي على إمكانيات الدولة".
وخلص الخبير إلى أن "معالجات المستقبل يجب أن تنطلق من هذا المنطلق، حتى لا تستمر الكارثة ولا يستمر التهديد للاستقرار الداخلي للبلد، وحتى للاستقرار الإقليمي"، مطالبًا بضرورة وضع هذه المعالجات في الحسبان خلال أي مسار سياسي قادم.