سباق محموم بين قيادات وشركات حوثية، لاستباحة أراضي الحديدة اليمنية بغطاء الاستثمار، وضمن نهب منظم وعسكرة ممنهجة للمحافظة المطلة على البحر الأحمر.
ولم تكتفِ مليشيات الحوثي بنهب أراضٍ كانت مخصصة منذ عام 2003 لتشييد منطقة صناعية شمالي الحديدة، وإنما امتد إلى منازل المواطنين وأراضيهم الزراعية في القرى المجاورة للمنطقة ووصل إلى حد تهجيرهم قسريا.
وسعت المليشيات الانقلابية لمنح وتمليك هذه المناطق التي تمتد على مساحة تتجاوز 40 مليونا و300 ألف متر مربع في شمال الحديدة، لشركات حوثية عمر بعضها لا يتجاوز 9 أعوام ومملوكة لقيادات ورجال أعمال حوثيين بزعم الاستثمار وكمظلة محصنة لحجب نشاطها العسكري.
الدقاونة أحدث المتضررين
تعد بلدة "الدقاونة" التابعة إداريا لمديرية باجل وتقع قرب الخط الدولي بجوار مما يسمى "المنطقة الصناعية"، أحدث القرى المتضررة لحملات نهب الأراضي المنظمة الذي ينفذها الحوثيون بقوة السلاح ضد المدنيين العزل وتحت غطاء تشجيع وجذب المستثمرين للحديدة.
وقال سكان محليون لـ"العين الإخبارية"، إن الحوثيين عمدوا لاقتحام المنازل في الدقاونة واعتدوا بالأسلحة على النساء والأطفال لحمل عشرات الأسر على النزوح قسريا وترك أراضيها الزراعية ومنازلها المملوكة بمستندات قانونية منذ أكثر من 50 عاما.
وتداول ناشطون يمنيون مقاطع فيديو تظهر دوريات حوثية أمنية في البلدة التي لم يتبق منها غير النساء والأطفال فيما كان يحاول مسلحون للمليشيات كسر قفل أحد المنازل لاقتحامه ضمن حملة ترهيب لدفع السكان للتهجير.
وأكد النشطاء أن المليشيات أصدرت عبر القاضي الحوثي طه العرجلي حكم قضائي لشرعنة تهجير سكان الدقاونة لصالح قيادات حوثية نافذة على رأسهم القيادي المدعو "محمد السياني"، ورفضت حتى مقترح "إعادة تعويض المتضررين" كان قد تقدم به أحد قياداتها بدعوى مناهضة أبناء القرية لها.
وأشاروا إلى أن أبناء الدقاونة كانوا قد تصدوا للحملات الحوثية الجائرة ورفضوا نهب أراضيهم ومصادرة منازلهم لكن المليشيات لجأت لاختطافهم كان آخرهم 4 شبان، فيما فر آخرون وجرى إجبار ما تبقى تحت التهديد على التجنيد والقتال في صفوف المليشيات ما أدى لمقتل معظمهم.
وتؤكد المعلومات إن سكان البلدات المحيطة بالمنطقة الصناعية شمالي الحديدة تتجاوز 100 ألف أسرة وتسعى المليشيات للسطو على أراضيها ومزارعها ومنحها لقيادات ورجالات أعمال حوثيين بغطاء تنفيذ مشروعات استثمارية.
شركات حوثية لإخفاء الأنشطة العسكرية
لم تكن الانتهاكات الحوثية في الدقاونة تجري بمعزل عن مخطط مليشيات الحوثي الرامي ابتلاع أراضي الدولة وأراض خاصة تمتد من قرب ميناء الحديدة وحتى الصليف بزعم تحويلها منطقة اقتصادية مختلطة في مجالات الصناعات التحويلية والزراعة، الثروة الحيوانية، والسمكية، والسياحة.
في الواقع وبحسب مصادر محلية في الحديدة لـ"العين الإخبارية"، فإن مليشيات الحوثي استغلت هذه المنطقة على نحو رئيسي في تنفيذ أنشطتها العسكرية والحربية خصوصا الساحلية كمناطق القيم وساحل العرج ومعسكر الدفاع الساحلي الذي كان يسمى الورشة الفنية للصواريخ في الجبانة.
وتعرضت هذه المناطق بالفعل لأكبر معدل من الضربات الأمريكية البريطانية مؤخرا وذلك ضمن موجة قصف لا زال مستمرا وبشكل متقطع على الحديدة إثر نشر الحوثيون فيها على نحو مكثف صواريخ مضادة للسفن ومسيرات لاستهداف سفن الشحن، وفق المصادر.
ولإخفاء النشاط العسكري، في هذه المنطقة أعلنت مليشيات الحوثي منذ عام 2022, تسليم 185 قطعة أرض لمستثمرين وشركات وليدة تابعة للانقلابيين في المنطقة الصناعية وخارجها على امتداد الجهة الشمالية للحديدة في مخالفة صريحة لقانون الاستثمار الصادر عام 2010.
وقالت مصادر يمنية خاصة لـ"العين الإخبارية" إن هناك أكثر من 35 شركة ورجل أعمال تابعين للحوثيين استحوذا على أراضي المنطقة الصناعية وخارجها في الحديدة على رأسها "شركة المحسن إخوان التجارية" التابعة للقيادي الحوثي علي الهادي المعروف استغلاله النشاط التجاري كغطاء للأنشطة العسكرية والأمنية المشبوهة.
كما منحت مليشيات الحوثي ملايين الأمتار لشركات وليدة وتابعه لقياداتها كـ"شركة رواد السعيدة للتنمية العقارية والاستثمارية"، و"شركة الأخوين لتصنيع وتشكيل الحديد والبلاستيك" و"شركة ثروات البحر الأحمر لتعليب وتصدير الأسماك والأحياء البحرية المحدودة" و"شركة نيو ستيلكو" و"شركة الانامل الذهبية" و"شركة أفلاك لصناعة القوارب والسفن ومعدات ومستلزمات الصيد"، و"شركة عالم الصلب للصناعات الحديدية" و"المؤسسة العامة للخدمات الزراعية".
وأشارت المصادر إلى أن عملية نهب أراضي المنطقة الصناعية وخارجها بما فيه القرى السكنية شمالي الحديدة أوقفت من قبل مجلس النواب غير المعترف به بصنعاء إلا أن قيادات نافذة سعت بالقوة للسيطرة عليها وشرعت في تشييد هناجر ومستودعات في بعضها بزعم أنها نواة لإقامة مصانع متعددة الأغراض وسط مخاوف من استغلالها عسكريا للتهريب وكورش لتطوير الأسلحة منها القوارب والغواصات.
واعترفت مليشيات الحوثي على لسان قياداتها بأن النشاط الاستثماري المزعوم في شمال الحديدة ما هو إلا ضمن "تموضع فعال في المدينة المطلة على خطوط التجارة العالمية".
وكانت تقارير أممية وثقت نهب مليشيات الحوثي مساحات كبيرة من الأراضي والمباني، وفرض القيود على بيع وشراء ونقل وبناء الممتلكات، ومصادرة 3000 معاد من الأراضي تقدر قيمتها بنحو 15 مليار ريال في بلدة "القصرة" التابعة لمديرية بيت الفقيه في محافظة الحديدة، غربي اليمن.
كما استولت المليشيات على مساحات شاسعة من الأراضي تقدر قيمتها بـ80 مليار ريال في مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة، بحُجة أنها أراضي أوقاف، على الرغم من تأكيدات المواطنين المحليين لملكيتهم إياها، وفقا للتقارير الأممية.