تحوّل اليمن الذي يعيش أوضاعا استثنائية بفعل حالة الحرب القائمة فيه منذ قرابة العشر سنوات إلى قطب جاذب للآلاف من سكان شرق أفريقيا، ولكن ليس كوجهة نهائية لذلك الدفق المتزايد من المهاجرين، بل كنقطة عبور باتجاه السعودية وبلدان خليجية أخرى بحثا عن فرص للعمل وهربا من الأوضاع السيئة في بلدانهم الأصلية وما يميزها من أزمات اقتصادية متلاحقة ومن حروب، ومن مشاكل بيئية طارئة زادت من تعكير الأوضاع وضيقت سبل العيش في تلك البلدان.
لكن المياه الإقليمية لليمن وكذلك أراضيه كثيرا ما تصبح مقبرة لهؤلاء الذين ترتقي محاولاتهم للعبور باستخدام وسائل في منتهى البساطة والبدائية إلى مغامرات مميتة تكاد تنعدم فيها حظوظ نجاتهم وتقدمهم في الرحلة، أو على الأقل عودة أدراجهم أحياء إلى بلدانهم.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، الثلاثاء، مصرع وفقد العشرات من المهاجرين بعد غرق مركب كان يقلّ أكثر من مئتي مهاجر قبالة السواحل اليمنية.
وقالت المنظمة الأممية في بيان إنّ 49 مهاجرا على الأقل لقوا حتفهم فيما لا يزال 140 آخرون في عداد المفقودين بعد غرق المركب الذي كان يحمل 260 مهاجرا قبالة اليمن، الاثنين.
وأضافت أن بين القتلى 31 امرأة وستة أطفال، وأن المركب كان ينقل على متنه 115 صوماليا و145 إثيوبيا.
ووصف المتحدث باسم المنظمة محمد علي أبونجيلة الحادث بالمأساوي، وقال عبر منصة إكس “هذه المأساة الأخيرة هي تذكير آخر بالحاجة الملحّة إلى العمل معا لمواجهة تحديات الهجرة العاجلة وضمان سلامة وأمن المهاجرين على طول طرق الهجرة”.
وأوردت المنظمة في بيانها نقلا عن ناجين أنّ القارب غادر بوصاصو في الصومال فجر الأحد، وقالت إنها حشدت فريقين طبيين متنقلين لتقديم المساعدة الفورية للناجين ونقل ثمانية منهم إلى المستشفى، مشيرة إلى أنّ عمليات البحث والإنقاذ مستمرة رغم التحديات الكبيرة الناجمة عن النقص في زوارق الدوريات العملياتية.
وأفادت بأنّ أفراد المجتمع المحلي، بما في ذلك الصيادون، لعبوا دورا حاسما في أعقاب الكارثة من خلال المساعدة في جهود الإنعاش وعمليات الدفن.
وكثيرا ما تتقطع السبل بمن يحاولون عبور اليمن باتجاه السعودية ودول الخليج ويعجز الأحياء منهم عن التقدّم في الرحلة نحو وجهتهم النهائية، كما يعجزون عن العودة. أمّا من يلقون حتفهم أثناء رحلة العبور الشاقة والمحفوفة بالمخاطر، فيصعب تحديد هوياتهم والبلدان والمناطق التي قدموا منها لانعدام الوثائق الثبوتية، كما أنّ الصراعات والحروب المشتعلة في بلدانهم الأصلية تعيق إعادة جثامينهم وتمنع التنسيق مع سلطات تلك البلدان بشأنهم.
◄ عدد المهاجرين عبر الطريق الشرقي تضاعف ثلاث مرات بين 2021 و2023 رغم المخاطر الكبيرة للهجرة عبره
وتبذل هيئات دولية جهودا لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم. وأعلنت منظمة الهجرة الدولية في أبريل الماضي عن عودة أكثر من 4500 مهاجر عالق من اليمن إلى بلدان القرن الأفريقي وذلك منذ بداية العام الجاري.
وقالت المنظمة في تقرير لها إن أكثر من 2900 مهاجر أو ما نسبته 65 في المئة من العائدين في الشهرين الأولين من هذا العام اختاروا إما القيام برحلة العودة المحفوفة بالمخاطر إلى بلدانهم أو تم ترحيلهم بالقوارب، بينما عاد أكثر من 1600 آخرين بما نسبته 35 في المئة عبر برنامج رحلات العودة الإنسانية الطوعية التابعة للمنظمة.
وذكر التقرير أن أغلب المهاجرين العائدين بالقوارب عبر البحر سواء في رحلات التلقائية أو تم ترحيلهم من قبل السلطات اليمنية، اتجهوا صوب جيبوتي فيما كان الصومال وإثيوبيا وجهة لبقية العائدين.
وتعتبر العودة إلى البلدان الأصلية بحدّ ذاتها مأساة للمهاجرين الذين يكونون قد فقدوا كل ما يملكونه هناك في سبيل تأمين مصاريف الرحلة.
ويتعرّض المهاجرون عبر اليمن لسلسلة طويلة من عمليات الاستغلال التي قد تصل حدّ السخرة والعبودية في بعض الأحيان. وتبدأ السلسلة من البلد الأصلي حيث ينشط سماسرة يتقاضون مبالغ مالية من الراغبين في الهجرة يكونون قد عملوا بمشقة على توفيرها ببيع كل ما يمتلكونه وبالاستعانة بعائلاتهم وأقاربهم.
محمد علي أبونجيلة: هذه المأساة الأخيرة هي تذكير آخر بالحاجة الملحّة إلى العمل معا لمواجهة تحديات الهجرة
وطوال الرحلة يظلون يدفعون لمن يقومون على تأمين عمليات العبور عبر المراحل المختلفة، وكثيرا ما تثار شكوك حول حوادث الغرق باعتبارها مدبّرة من قبل تجار بشر يحتالون على المهاجرين ثم يغرقونهم للتخلّص منهم.
وجاءت الواقعة الأخيرة جزءا من ضمن سلسلة أطول من الحوادث المميتة في ما بات يعرف بـ”طريق الهجرة الشرقي”.
ويخوض عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة كل عام رحلة محفوفة بالمخاطر عبر ذلك الطريق الذي يمر عبر البحر الأحمر ثمّ اليمن وصولا إلى السعودية، هربا من النزاعات أو الكوارث الطبيعية، وسعيا لفرص اقتصادية أفضل.
وفي أبريل الماضي غرق قاربان قبالة سواحل جيبوتي بفارق أسبوعين فقط، ما أسفر عن مقتل العشرات.
ومنذ العام 2014، سجل مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة 1860 حالة وفاة واختفاء بين المهاجرين على طول الطريق الشرقي من شرق أفريقيا والقرن الأفريقي إلى دول الخليج، بما في ذلك 480 قضوا غرقا.
وغالبا ما يواجه هؤلاء المهاجرون الذين يصلون بنجاح إلى اليمن، المزيد من المخاطر التي تهدد سلامتهم الشخصية. ذلك أن الدولة الأفقر في شبه الجزيرة العربية غارقة في حرب أهلية منذ نحو عقد من الزمن.
ويحاول العديد من هؤلاء الوصول إلى السعودية ودول الخليج الأخرى حيث يمكنهم ممارسة أعمال بسيطة لكنّها مدرّة لأموال يعتبرونها مجزية قياسا بأوضاعهم المادية بالغة الصعوبة في بلدانهم الأصلية.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة الشهر الماضي إن رغم المخاطر العديدة للطريق الشرقي، فإن عدد المهاجرين الذين يصلون كل عام إلى اليمن “تضاعف ثلاث مرات من العام 2021 إلى العام 2023، إذ ارتفع من نحو 27 ألف شخص إلى أكثر من 90 ألفا”.