منذ أشهر، يواصل وباء الكوليرا انتشاره في مناطق متعددة باليمن، وسط مخاوف من تأثيرات كبيرة على الواقع الصحي والإنساني المتدهور في البلاد التي تعاني حربا مريرة منذ نحو عشر سنوات.
وبرزت هذا العام موجة جديدة من هذا المرض، بعد أن شهد اليمن موجات أخرى خلال السنوات الماضية أدت إلى وفاة الآلاف، وإصابة مئات الآلاف على الأقل.
وهذا الانتشار الجديد، دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من عواقب صحية وإنسانية لمرض الكوليرا في اليمن.
وأعرب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث “عن قلقه العميق إزاء تفشي وباء الكوليرا الذي يتفاقم بسرعة في اليمن”.
حظر جماعة الحوثيين حملات التطعيم بمجمل أصنافها أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة أكثر في شمال اليمن.
وأضاف غريفيث في إحاطة لمجلس الأمن الدولي في 13 مايو أنه “يتم الإبلاغ عن المئات من حالات الكوليرا يوميا ليصل العدد الإجمالي إلى حوالي 40 ألفا، بما في ذلك 160 حالة وفاة منذ مطلع العام الجاري 2024”.
وفي مايو أيضا، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن “عدد الحالات المشتبه إصابتها بالكوليرا في اليمن تصل إلى 1000 حالة كل يوم”.
وتوقع المكتب الأممي أن “العدد الإجمالي لحالات الكوليرا في اليمن سوف يصل إلى 255 ألفا بحلول أيلول /سبتمبر المقبل”.
وأفاد التقرير أنه “في حين تتركز غالبية هذه الحالات في المناطق الشمالية من البلاد (الخاضعة لسيطرة الحوثيين)، فقد كانت هناك زيادة ملحوظة في حالات الإصابة في المحافظات الجنوبية (تحت سلطة الحكومة) منذ نهاية شهر مارس”.
وحذر التقرير من أنه “يمكن أن تؤدي الكوليرا إلى تفاقم سوء التغذية، ونتائج أكثر خطورة لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما يتفاقم الوضع أكثر بسبب هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، مما يزيد من احتمال انتقال الكوليرا من خلال تلوث المياه”.
ورغم إن الإحصائيات الأممية تشير إلى أن إصابات الكوليرا وصلت إلى عشرات الآلاف، إلا أن الرقم قد يبدو أكبر من ذلك نتيجة عدم ذهاب الكثير من المرضى إلى المستشفيات.
وفيما يتصل بمعاناة السكان مع الوباء، يقول عبدالله الحاجبي، من مواطني محافظة تعز أكبر المحافظات اليمنية سكانا، إنه أصيب مؤخرا بالكوليرا مع اثنين من أفراد أسرته.
وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية أن “المرض استمر لأربعة أيام، وبدأوا يتماثلون إلى الشفاء بعد تعرضهم لأعراض قاسية”.
وأشار إلى أنهم ذهبوا إلى طبيب عام قرر لهم بعض العلاجات التي ساعدتهم في مقاومة أعراض المرض، التي من بينها الإسهال الشديد.
ولفت إلى أن العديد من الأسر أيضا أصيبت بالمرض، وسط غياب أي تدخل حكومي من أجل مكافحته.
وشكت العديد من الأسر اليمنية مؤخرا من إصابة أطفالها بأعراض الكوليرا، خصوصا الإسهال الشديد، ما سبب مخاوف من تأثيرات كبيرة على السكان الذين يواجهون مشاكل متعددة.
ويفيد المواطن علي الصبري، بأن طفلتيه أصيبتا قبل أيام بمرض الكوليرا، ما أثار قلقا كبيرا في صفوف أفراد العائلة.
وأشار إلى أن” الطفلتين تعرضتا لإسهال شديد ومخيف، وتم منحهما العلاج في محافظة تعز”. وأردف “من حسن حظهما أنهما ثماثلتا للشفاء.. وهذا كرم كبير من الله”.
وحول أسباب المرض أوضح “أن إصابة طفلتيه جاءت بعد تناولهما الطعام في أحد المطاعم، ما يرجح تلقيهما غذاء ملوثا سبب لهما عدوى الكوليرا”.
وعلى الرغم من عدم إعلان جماعة الحوثي عن أي إحصائية حول انتشار مرض الكوليرا في مناطق سيطرتها شمالي اليمن، أفاد السكان بتفشي المرض.
وكشف أبو محمد، أحد سكان العاصمة صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، عن انتشار مرض الكوليرا في عدة أحياء “.
وأضاف أن “أحد جيرانه توفي جراء إصابته بالوباء، وأن هناك إصابات أخرى متعددة”، دون ذكر المزيد من المعلومات.
ولم تعلق جماعة الحوثي على انتشار المرض، وسبق أن رفضت بشكل متكرر إقامة حملات تطعيم ضد الوباء.
وسبق أن وجهت الحكومة اليمنية ومنظمات دولية ومحلية اتهامات لجماعة الحوثي بحظر حملات التطعيم بمجمل أصنافها، ما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة في شمال اليمن.
وفي سبتمبر 2017، وصفت منظمات إنسانية دولية وباء الكوليرا في اليمن بأنه “الأسوأ في التاريخ” بعد أن تجاوزت حالات الإصابة به أكثر من 755 ألف حالة.
وفي نوفمبر 2019، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن العدد التراكمي لحالات الكوليرا المشتبه بها والمبلغ عنها في اليمن منذ أكتوبر 2016 وحتى أغسطس 2019، بلغت 2 مليون و36 ألفا و960 حالة إصابة، بما في ذلك 3 آلاف و716 حالة وفاة.
ويفيد الباحث في المجال الصحي تيسير التميمي، بأن تفشي الكوليرا في اليمن بدأ في عام 2016.
وأضاف أن اليمن شهد عدة موجات انتشار لمرض الكوليرا، بينها هذه الموجة الأخيرة التي بدأت في التفشي قبل أشهر، خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأوضح أنه “منذ مطلع العام الجاري، تم رصد أكثر من 40 ألف حالة، وسط توقعات بتضاعف الرقم خلال الفترة القليلة القادمة”.
ولفت إلى أن هذه الموجة أقل حدة في عدد الإصابات من الموجات السابقة إلى أدت إلى إصابة أكثر من مليوني شخص في أعلى انتشار لوباء الكوليرا خلال التاريخ الحديث.
وحث التميمي جميع المواطنين على ضرورة تنفيذ الإجراءات الاحترازية، بما في ذلك النظافة الشخصية المتكررة.
ودعا المانحين إلى دعم القطاع الصحي الذي يواجه صعوبات وعوائق متعددة جراء ظروف الحرب.