برميل القمامة غذاء للفقراء

لمحت رأسه منكباً في حاوية القمامة، وقد ثبت في مقدمته مصباحاً صغيراً، ليساعده على الرؤية.
توجهت إليه وسألته عما يبحث في الحاوية؟! ورغم أن السؤال لا يبدو منطقياً، فهناك الكثيرون الذين نراهم، يومياً يبحثون في حاويات القمامة، يبحثون عن ما يسد جوعهم أو على عبوات ماء فارغة.
لكن هذه المرة كانت هيئة الرجل مختلفة وهي التي دفعتني لأوجه له سؤالي.
أجاب الرجل بصوت جهوري وهو يواصل البحث: "القّط علب فارغة".
كانت إجابته شبه متوقعة، لكنها لم تشبع فضولي، فعدت لأسأله: "ألا تملك وظيفة أو عمل"؟
هنا نظر إليّ بشموخ وقال: "أنا ضابط".
أصابتني إجابته برجفة خوف وحزن، في ذات الوقت. سألته باستغراب: "ضابط وتعمل في جمع العلب الفارغة؟!".
يبدو أن الرجل شعر بأن اسئلتي ليست مجرد أسئلة تطفلية وإنما أسئلة شخص يريد معرفة الحقيقة، لذا انتصب أمامي بشموخ وقال لي: "نعم، كنت من ضمن الضباط المسرحيين أيام علي عبد الله صالح، والآن راتبي 80 ألف، إيش يعمل هذا الراتب؟ لا يكفي والبيت (مليان) كثير من الأولاد وأسرة كبيرة".
وعاد منهمكاً في التقاط العلب والعبوات الفارغة؛ فليس لديه وقت للحديث، لقد فقد الأمل في الدولة والبلاد والمجتمع، الجميع لا يهتم بظروف الناس ؟(الغلابة)، خاصة ممن قضوا أعمارهم في خدمة البلد وكان لهم شأن في المجتمع.
سألته إذا كان يسمح بإجراء حوار معه، لكنه رفض، وقال بأنه لا يريد بأن يعرف أولاده كيفية توفير (مصاريف) البيت، ثم تحرك متجاهلاً وجودي، واصل السير بخطوات متسارعة.. اختفى عن ناظري، رغم أننا كنا نسير بنفس الاتجاه.
لقد اصبحنا، في ظل حكم تجار الحروب، نعيش في عالم غريب وجاحد وسلطة تعيش واقعاً مزيفاً. والحقيقة الوحيدة في ظل سلطتها هي أن صندوق القمامة أصبح سيتقبل الجميع.