كشف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بإعادة طرحه فكرة التهدئة الاقتصادية بين السلطة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي عمق الأزمة التي تواجهها جهوده لإطلاق مسار سلمي في البلد، خصوصا وأنّ إثارة مواضيع توحيد البنك المركزي اليمني واستئناف صادرات النفط ودفع رواتب القطاع العام، جاءت إثر جولة مطوّلة قام بها غروندبرغ إلى سلطة عمان والعاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وإيران والسعودية، دون أن يرشح شيء بشأن تحقيق أيّ تقدّم في جهود السلام.
ويوفّر التركيز على “سلام اقتصادي” بدل السلام الحاسم للصراع السياسي والعسكري مهربا مناسبا للأمم المتحدة من فشل عملها على حل سياسي للصراع اليمني، وذلك على الرغم من أنّ تحقيق الأهداف التي أشار إليها المبعوث الأممي في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي تظلّ بعيدة المنال وسبق للبعثة الأممية أن حاولت الدفع بها دون جدوى.
وقال غروندبرغ في أول إحاطة له بشأن الوضع في اليمن خلال السنة الجديدة إنّ الحكومة اليمنية والحوثيين اتخذا خطوات لمعالجة الأزمة الاقتصادية إلا أن هذه التحديات الهيكلية الأوسع لا يمكن معالجتها إلا من خلال التعاون.
◄ إثارة القضايا الاقتصادية والإنسانية مهمة لطرفي الصراع اللذين يواجهان أزمة خانقة تضرب مناطق سيطرة كل منهما
وتابع قوله “في مناقشاتنا استكشفنا كيف يمكن للتعاون بين الأطراف أن يفتح الطريق أمام مكاسب السلام بما في ذلك توحيد البنك المركزي واستئناف صادرات النفط ودفع رواتب القطاع العام بالكامل“.
وتكتسي إثارة القضايا الاقتصادية والإنسانية في هذا التوقيت حساسية خاصّة لدى طرفي الصراع في اليمن كونهما يواجهان أزمة خانقة تضرب مناطق سيطرة كل منهما بفعل شحّ الموارد وصعوبة الإيفاء بالالتزامات الأساسية تجاه السكان بدءا بدفع رواتب الموظفين بشكل منتظم ووصولا إلى توفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم مرورا بالحدّ من ندرة المواد الأساسية من وقود وغذاء ودواء وغيرها وهي المشكلة التي تزيد من تعميقها ظاهرة غلاء الأسعار المرتبطة بارتفاع نسبة التضخّم.
وتحاول البعثة الأممية إلى اليمن تحقيق اختراق ما على الصعيدين الاقتصادي والإنساني في مقابل تعذّر تحقيق أيّ اختراق على جبهة السياسة.
ولم تخل إحاطة غروندبرغ من اعتراف بصعوبة مهمته في اليمن حيث قال “أمضيت معظم العام الماضي في محاولة لحماية اليمن من تداعيات التصعيد الإقليمي مع التركيز على الفرصة الحقيقية لإنهاء الصراع اليمني، إلا أن السياق أصبح أكثر تداخلا على المستوى الدولي، حيث كثف أنصارالله ضرباتهم على إسرائيل واستمروا في الهجمات على البحر الأحمر، ممّا أدى إلى ردود عسكرية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل داخل اليمن.”
◄ جماعة الحوثي اتهمت على لسان عضو مكتبها السياسي حسين العزي الولايات المتّحدة بمنع الأطراف الأخرى من تنفيذ خارطة الطريق
وأضاف “حتى اليوم تستمر دائرة التصعيد من هجمات وهجمات مضادة بما يقوض فرص السلام ويصرف الانتباه والموارد الضرورية عن اليمن. وهذه الأفعال تهدد أمن الملاحة البحرية، وتزعزع استقرار الاقتصاد اليمني، وتؤثر على الاستقرار الإقليمي، وتصبح الحاجة إلى معالجة أزمة اليمن أكثر إلحاحا لأن الاستقرار الإقليمي يتطلب، جزئيا، تحقيق السلام في اليمن.”
وعن جولته الأخيرة في الإقليم، قال المبعوث الأممي “قمت بالتواصل المكثف مع أصحاب المصلحة اليمنيين والإقليميين والدوليين في جميع أنحاء المنطقة، وعقدت مناقشات صعبة أحيانا وبناءة غالبا ودائما صريحة أثناء زياراتي إلى مسقط وصنعاء وطهران والرياض بهدف تكثيف الجهود لتحقيق حل سلمي للنزاع.”
وبشأن جهوده على الصعيد الاقتصادي قال “أجرى مكتبي حوارات موسعة مع الطرفين (الشرعية والحوثيين) على المستوى الفني حول القضايا الاقتصادية، وأرحّب بانخراطهما الصريح واعترافهما بالتحديات الاقتصادية الملحة وتطلعهما المشترك لمستقبل أفضل لجميع اليمنيين. وبالإضافة إلى ذلك، نعمل عن كثب مع الجهات الفاعلة الرئيسية في القطاعين المصرفي والخاص لتحديد الإجراءات اللازمة لتعافي الاقتصاد اليمني والتحضير لحوار أوسع نطاقا حول الاقتصاد.”
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين كثف المبعوث الأممي إلى اليمن تحركاته الدبلوماسية في المنطقة محاولا خفض التصعيد الراهن والدفع بعملية السلام.
وشملت جولته في المنطقة عقد لقاءات مع مسؤولين بارزين في السعودية وإيران وسلطنة عمان وصنعاء، لم يتسّرب الكثير عن فحواها ومقدار التقدم الذي حدث خلالها في معالجة الأزمة اليمنية.
واتهمت جماعة الحوثي على لسان عضو مكتبها السياسي حسين العزي الولايات المتّحدة بـ”منع الأطراف الأخرى من تنفيذ خارطة الطريق،” التي سبق للأمم المتحدة أن أعلنت عن إعدادها بالتعاون مع السعودية وباتت جاهزة للتوقيع متضمنة خطوات اقتصادية وإنسانية تشكّل مدخلا لسلام أشمل.
ورغم ما تبديه الأمم المتحدة من مرونة إزاء الحوثيين وإصرار على التعامل معهم كشريك في السلام المنشود، لم يتردّد المسؤول الحوثي في اتهام غروندبرغ مبعوث أمين عام المنظمة إلى اليمن بـ”التغطية على تنصل الأطراف الأخرى من الخارطة وتبييض صفحاتهم المليئة بالأعمال العدائية عسكريا واستخباراتيا وتصوير الأمر وكأن الكرة في ملعب صنعاء.”
ويقلّل متابعو الشأن اليمني من إمكانية أن تفضي الجهود الأممية إلى إقرار سلام حقيقي ومستدام في اليمن طالما أن الحوثيين مرتبطون في قرارهم بشأن السلم والحرب بإيران التي يؤكّد هؤلاء أنّها لم تستنفد بعد استخدامها للجماعة كذراع لصراعها بالوكالة ضدّ خصومها الإقليميين والدوليين