في إطار الجهود العالمية لرفع الوعي بسرطان الثدي، يجري على مدى العقود الأخيرة الماضية تحديد شهر أكتوبر/تشرين الأول باعتباره الشهر الرسمي للتعريف والتوعية بالمرض الذي يصيب أكثر من 10% من السيدات حول العالم سنويا.
ويُرمز لشهر أكتوبر/تشرين الأول بشريط وردي اللون، لتُبذل فيه الجهود حول العالم لتثقيف المهتمين بهذا المرض، بما في ذلك طرق التعرُّف المبكر عليه والعلامات والأعراض المرتبطة به، بسبب تأثيره واسع النطاق وارتفاع معدلات الوفيات.
ففي العام 2022، اتضح أن 11.6% من جميع حالات السرطان التي تم تشخيصها هي سرطان الثدي لدى النساء، مما يجعله ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعا في جميع أنحاء العالم.
وفي العام نفسه أيضا، تم تشخيص حوالي 2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي و666 ألف حالة وفاة على مستوى العالم، مما يجعله السبب الرئيسي لوفيات السرطان بين السيدات.
اعتماد أكتوبر للتوعية بالمرض..
بدأ حدث شهر التوعية بسرطان الثدي الوطني في الولايات المتحدة الأميركية أول الأمر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1985. وكانت الحملة آنذاك هي شراكة بين الجمعية الأميركية للسرطان مع قسم الأدوية في شركة "إمبيريال كيميكال إنداستري" الطبية للترويج لتصوير الثدي بالأشعة السينية، باعتباره أكثر أداة فعالة لمكافحة سرطان الثدي.
وبمساعدة السيدة الأولى السابقة وناجية سرطان الثدي، بيتي فورد، انطلقت مبادرة التوعية بسرطان الثدي التي استمرت أسبوعا كاملا من شهر أكتوبر/تشرين الأول. يأتي ذلك بعد أن تم تشخيص إصابة بيتي فورد بسرطان الثدي بينما كان زوجها جيرالد فورد رئيسا للولايات المتحدة آنذاك، لذلك تمكنت بيتي من لفت المزيد من الانتباه إلى المرض.
ثم في أوائل تسعينيات القرن العشرين، بدأت امرأة أميركية تدعى شارلوت هالي، حفيدة وابنة وأخت سيدات عانين من سرطان الثدي، في صنع شرائط يدوية باللون الوردي الخوخي المائل للبرتقالي الزهري.
ووزعت آلاف من تلك الشرائط مع بطاقة مكتوب عليها "الميزانية السنوية للمعهد الوطني للسرطان 1.8 مليار دولار، 5% فقط منها يذهب للوقاية من السرطان. ساعدونا في إيقاظ المشرعين وأميركا من خلال ارتداء هذا الشريط للتضامن معنا".
الشريط الوردي يصبح رمزا عالميا..
بالفعل، انتشرت الحملة ورمزية الشريط الوردي بداية من هذه الخطوة التي اتخذتها هالي، حتى أن الشركات والمنافذ الإعلامية والصحف والمجلات الكبرى طلبت من السيدة الأميركية الإذن بعرض شريطها ورسالتها، لكن شارلوت هالي رفضت تحويل الحملة التوعوية لحملة تجارية واعتبرت أن ذلك سيشتت هدف الحملة الحقيقي.
في المقابل، أصرت مجلة "سيلف" على تداول الحملة وإطلاق عددها السنوي تحت مظلة التوعية بسرطان الثدي واستهداف السيدات من متابعيها، فقررت تغيير لون الشريط التضامني مع مرض سرطان الثدي لتتمكن من استخدام الرمز بحرية، ومن هنا وُلد الشريط الزهري الوردي بشكله الذي نعرفه اليوم.
وبالتزامن مع اختيار شهر التوعية بسرطان الثدي في أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، شاركت شركة مستحضرات التجميل العملاقة "إستي لودر" الشريط الوردي رمزا للأمل والقوة والدعم للسيدات اللاتي يواجهن سرطان الثدي، وأطلقت مجموعة من مستحضرات التجميل التي حملت نفس الفكرة والتصاميم لأول مرة، مما ساهم بشكل محوري في إشهار الحملة واعتمادها على نطاق واسع في الولايات المتحدة وخارجها.
درجات ألوان مختلفة لأنواع سرطان الثدي..
بالإضافة إلى اللون الوردي الباستيل الزاهي الذي أصبح معظم الناس يعرفونه ويربطونه بالمرض، هناك أيضا عدد متنوع من الألوان ضمن شرائط سرطان الثدي، مثل الشريط الوردي الداكن لسرطان الثدي الالتهابي، والوردي مع الأزرق المخضر لكل من السرطانات الوراثية والنسائية، والوردي والأزرق لسرطان الثدي عند الذكور، والأزرق المخضر والوردي والأخضر لسرطان الثدي النقيلي الذي ينتقل عبر الغدد الليمفاوية القريبة.
ومنذ العام 1992، انطلقت آلاف الحملات الرامية إلى زيادة الوعي بهذا المرض، وتثقيف الناس حول طرق الوقاية منه والكشف المبكر عنه، وجمع الأموال لدعم الأبحاث، ووصلت هذه التوعية لمختلف بلدان العالم. واليوم، تعمل المنظمات غير الربحية والهيئات الحكومية والجمعيات الطبية معا لتعزيز الوعي بسرطان الثدي.
اتهامات بتحقيق مكاسب مادية..
رغم اعتماد شهر أكتوبر/تشرين الأول والشريط الوردي للتوعية بسرطان الثدي، فإنه لطالما كان التسويق التجاري الصريح لشهر التوعية بالمرض هذا على وجه الخصوص مصدرا للنقد والجدل الكبيرين.
الاتهامات المتزايدة تزعم أن "الترويج المضلل المحتمل" والرسائل حول التصوير الشعاعي للثدي كحل للوقاية من سرطان الثدي ما هي إلا مساع وحملات ربحية في المقام الأول.
ويزعم المنتقدون أن شهر أكتوبر/تشرين الأول أصبح بالنسبة للنساء أكثر تركيزا على تشجيعهن على الخضوع للتصوير الشعاعي للثدي، وضمان أن تظل برامج الفحص تدر أرباحا كافية للشركات التي توفر تقنيات التصوير الشعاعي للثدي، بدلا من إجراء مناقشات هادفة وفعالة حول أسباب سرطان الثدي والوقاية منه وعلاجه فعلا.
علاوة على ذلك، تتعرض حملات التوعية بسرطان الثدي لانتقادات بسبب التسويق المفرط للمنتجات الوردية، فيما يُعرف بالضريبة الوردية، من أجل تحقيق مكاسب مادية، في حين قد لا توفر كمية فعالة من المعلومات التي تسهم في الكشف المبكر عن المرض وسبل الوقاية والعلاج.
كذلك ينتقد البعض التبرع بالقليل جدا، أو قد عدم التبرع على الإطلاق، بأرباح هذه المنتجات لأبحاث سرطان الثدي أو القضايا ذات الصلة بشكل مؤثر، وسط مطالبات بالعمل بشكل أكبر على مكافحة المرض والتوعية بأعراضه وتخصيص الميزانيات في مجال البحث العلمي للحد من معدلات الإصابة.