تعيش الفلسطينية حياة أبو حطب ظروفا معيشية صعبة وتكافح مع أفراد عائلتها لتأمين لقمة العيش المغمسة بتحديات كبيرة في ظل استمرار حرب إسرائيل المدمرة على قطاع غزة، حيث تعمل حياة (58 عاما) مع أبنائها وأحفادها على إعادة تدوير ركام المنازل المدمرة من حجارة وأسياخ حديدية لتجهيز مستلزمات قبور الشهداء الذين تتزايد أعدادهم يومًا بعد يوم.
وتقف السيدة الخمسينية التي تظهر على يديها ووجهها التجاعيد الكثيرة، والتي نزحت قسرا أكثر من مرة، كتفا بكتف مع أبنائها وأحفادها في كافة مراحل تجهيز القبور، في ظل نقص شديد في مواد البناء اللازمة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معابر القطاع وإغلاقها. تقول أبو حطب بصوت مليء بالألم والمرارة: "أعداد الشهداء في تزايد كبير مع استمرار حرب ومجازر إسرائيل، وهناك حاجة ملحة لبناء وتجهيز قبور الشهداء والموتى".
قبور الشهداء يتأثر بحصار غزة..
وتضيف أبو حطب وهي تحمل بيديها معدات بدائية بسيطة: "نقوم بتكسير البلاط والحجارة إلى أحجام صغيرة بدلا من الحصمة (حجارة صغيرة) غير المتوفرة، لأن الأسمنت غالٍ جدا جراء ندرته في القطاع"، مشيرة إلى عدم وجود مواد بناء يمكن استخدامها في تجهيز القبور بالشكل المناسب بسبب إغلاق المعابر ومنع إسرائيل إدخالها، لذا أصبحت تبحث عن بدائل لتجهيزها واتجهت لاستخدام ركام المنازل المدمرة. وتتابع: "أحيانا كنا نضطر لدفن الشهداء في الرمال، نظرا لعدم وجود قبور مجهزة بسبب نقص المواد اللازمة لتجهيزها". وتوضح أنها تحصل على الحديد من ركام المنازل، حيث تقوم بتكسير الحجارة المحيطة به، ثم تعدله وتقصه بشكل مناسب كما تريد لاستخدامه في تجهيز القبور.
وبينما يجمع حفيدها موسى ( 14 عاما) الحجارة المدمرة من إحدى المقابر التي جرّفها جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء هجومه في خانيونس سابقا، تجهّز السيدة الفلسطينية الخلطة الإسمنتية لإنشاء بلاط القبور( قطعة توضع على سطح القبر). ويعمل الطفل بجد وحماس رغم الصعوبات، ممسكاً بيده الصغيرة حطامًا من ركام المنازل التي دمرتها الحرب ويضعها داخل دلوٍ بلاستيكي ويقطع مسافات طويلة لإيصالها إلى جدته وأعمامه. وتقول أبو حطب: "الإسمنت أسعاره مرتفعة للغاية لندرته، فنقوم بتجهيز الخلطة الإسمنتية ونفردها على شكل بلاط ونتركها حتى تجف، ومن ثم نغلق بها قبور الموتى والشهداء".
وتضيف أبو حطب: "لا يوجد هناك عدد كافٍ من العاملين في هذا المجال لتجهيز القبور والبلاط اللازم، نعتمد بشكل كبير على الأطفال الصغار من الأبناء والأحفاد لجمع الحجارة من الأماكن المدمرة وتكسيرها". ويجلس الأطفال الصغار مجتمعين بملابسهم البسيطة، بينما يمتلئ الجو بالغبار المتصاعد من عملية تكسير الحجارة المتناثرة.
وفي الخامس من مايو/ أيار الماضي، أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر التجاري الوحيد في جنوب القطاع، وفي السابع من مايو/ أيار الماضي أيضاً سيطرت على معبر رفح الواصل بين القطاع ومصر وأغلقته، فيما تغلق معبر "إيرز" شمالي قطاع غزة المخصص للأفراد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وطالبت أبو حطب بفتح معابر قطاع غزة لإدخال الأسمنت والحصمة ومواد البناء اللازمة لتجهيز القبور في ظل زيادة أعداد القتلى بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 132 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة. وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.