روى طبيب وعالم نفسي، يبحث تجارب جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي مع الممارسات الوحشية، شهادات صادمة ومروعة لجنود وضباط احتياط، ارتكبوا ما وصفه بـ"جرائم ضد الإنسانية" إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مؤكداً أن هناك الكثير من الأدلة على "جرائم حرب" في الحرب الحالية على قطاع غزة، ويمكن الوصول إليها بسهولة.
وأشار يوئيل إليزور، الأستاذ في كلية "سيمور فوكس" للتربية في الجامعة العبرية بالقدس، في مقال بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الاثنين، إلى وجود الكثير من الأدلة على ارتكاب "جرائم حرب" في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ويمكن الوصول إليها بسهولة.
وحذّر في مقال بعنوان "عندما تغادر إسرائيل وتدخل غزة، فأنت إله: داخل عقول جنود الجيش الإسرائيلي الذين يرتكبون جرائم حرب"، من أن خطاب "الكراهية والانتقام"، الذي تبنته حكومة تل أبيب، فاقم الأمور ودفع الجنود إلى التوّرط في عمليات "انتقام مفرط وقتل جماعي" للمدنيين في قطاع غزة.
وقال إليزور، الذي شغل منصب مسؤول الصحة النفسية في قوات الاحتياط وكان المشرف الرئيسي على مركز إعادة التأهيل في الجيش الإسرائيلي، إن "القلق بشأن سلامة أفراد الأسر الذين يخدمون في الجيش يشكل جزءاً من الحياة الأسرية في إسرائيل، وعلى غرار أشخاص معاصرين لي، كنت أباً قلقاً عندما خدم أبنائي في الجيش الإسرائيلي، وأصبحت جداً أكثر قلقاً".
"قتل جماعي" للمدنيين في غزة
وأضاف: "أشعر بالذعر إزاء القتل الجماعي للمدنيين في غزة، وأشعر بالانزعاج من تأثير هذه الوحشية على الصحة العقلية للجنود، فجنودنا معرضون للخطر بسبب خطاب الحكومة التحريضي، وإضعاف أنظمة العدالة المدنية والعسكرية، لأن هذه السياسات تعمل على تقويض مدونة قواعد السلوك في الجيش الإسرائيلي، وتدعم الأعمال الوحشية وتزيد من خطر الإصابة بالضرر الأخلاقي".
وأوضح أن "الضرر الأخلاقي يحدث عندما يتصرف الجنود ضد قيمهم ومعتقداتهم الأخلاقية أو يشاركون كمتفرجين، هؤلاء الذين يتعرضون لمثل هذه الأضرار يعانون من الشعور بالذنب والعار، كما أنهم عرضة للاكتئاب والقلق والرغبة في الانتحار، والجيش الإسرائيلي يقدم علاجاً مكثفاً في مراكز إعادة التأهيل لمدة شهر واحد فقط للجنود المصابين بصدمات نفسية وتعرضوا لضرر معنوي، وبعد ذلك، يُسرح نصف هؤلاء الجنود لعدم أهليتهم للخدمة العسكرية".
وذكر الطبيب، الذي ترأس رابطة الأخصائيين النفسيين في إسرائيل (2013-2010)، أنه أشرف على الأطروحة البحثية التي أجرتها نوفار إيشاي كرين، مسؤولة الرعاية الاجتماعية في سريتي مشاة ميكانيكيتين كانتا متمركزتين بجنوب قطاع غزة أثناء الانتفاضة الأولى (1987-1993).
وأوضح أن الأبحاث المتعلقة بالممارسات الوحشية، التي ارتكبتها السريتان، استندت إلى مقابلات سرية مع الجنود لاستكشاف "الانحراف الأخلاقي، والأعمال الوحشية، ومشكلات الصحة العقلية" الناتجة عن ذلك، مضيفاً: "نُشرت مقالتنا العلمية لاحقاً باعتبارها الفصل الأول في كتاب منقح بعنوان "The Blot of a Light Cloud: Israeli Soldiers, Army, and Society in the Intifada" عام 2012.
أما الفصول اللاحقة فكتبها مجموعة علماء في عدة تخصصات تشمل الصحة العقلية وعلم الاجتماع والقانون والعلوم السياسية والاتصالات والفلسفة، بالإضافة إلى كتاب وفنانين وضباط متقاعدين رفيعي المستوى في الجيش.
5 فئات من الجنود
ومضى قائلاً: "حددنا 5 مجموعات من الجنود بناءً على سمات الشخصية، الأولى كانت مجموعة صغيرة وحشية تتألف من جنود قساة، اعترف بعضهم بممارسة العنف قبل التجنيد، وهؤلاء الجنود ارتكبوا أغلب الأفعال الشنيعة، وكانت الصلاحيات التي حصلوا عليها في الجيش واسعة لدرجة الثمالة، إذ يقول أحدهم: (الأمر أشبه بتأثير المخدرات.. تشعر كأنك القانون، فأنت تضع القواعد، وكأنك منذ اللحظة التي تغادر فيها المكان المسمى إسرائيل وتدخل قطاع غزة، تصبح إلهاً)، لقد نظروا إلى الوحشية باعتبارها تعبيراً عن القوة والرجولة".
ونقل عن جندي آخر قوله: "ليس لدي مشكلة مع النساء، رمتني إحداهن بحذاء، فركلتها هنا (مشيراً إلى منطقة أسفل البطن)، وحطمت كل هذا هنا، ولم يعد بمقدورها إنجاب أطفال".
وذكر جندي آخر: "أطلق (جندي أسماه) إكس النار على عربي 4 مرات في ظهره، ونجا بدعوى الدفاع عن النفس، 4 رصاصات في الظهر من مسافة 10 أمتار.. قتل بدم بارد.. كنا نفعل مثل هذه الأمور كل يوم".
وروى آخر: "كان عربي يسير فقط في الشارع، يبلغ من العمر نحو 25 عاماً، ولم يلق حجراً، ولا أي شيء، وانطلقت رصاصة لتخترق معدته.. أطلقوا النار على بطنه، وكان يموت على الرصيف، وابتعدنا بسيارتنا بلا اكتراث".
ووصف إليزور هؤلاء الجنود بأنهم "متوحشون، ولم يبلغوا عن أي أضرار معنوية، وبعضهم أدين من قبل محاكم عسكرية، فشعروا بالمرارة وأنهم تعرّضوا للخيانة"