تهدئة سعودية وتلطيف إيراني يحددان ملامح زيارة خالد بن سلمان إلى طهران

بدأ وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الخميس، زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران جاءت في غمرة حراك إقليمي ودولي هادف لنزع فتيل التوتّرات التي تمثّل الجمهورية الإسلامية طرفا فيها وحلحلة الملفات والقضايا الخلافية بين إيران والمجتمعين الإقليمي والدولي ومن بينها ملف برنامجها النووي ودورها في الصراع اليمني وهو الملف الذي يهم السعودية بشكل مباشر ويُتوقّع أن يكون بندا رئيسيا على أجندة الزيارة.
وتحتاج إيران بشدّة خلال فترة الضغوط الأميركية المتزايدة عليها وعلى أذرعها في المنطقة وفي مقدمتها جماعة الحوثي التي تتعرّض منذ أكثر من شهر لحملة قصف أميركية بلا هوادة إلى دور سعودي لتلطيف الأجواء وخفض التصعيد الذي لم تتردّد واشنطن في التهديد بتوسيعه ليشمل الإيرانيين بحدّ ذاتهم.
وجاء الاختيار على الأمير خالد ليضطلع بقيادة هذا الدور السعودي نظرا لبصمته في تنفيذ المنظور الجديد للمملكة تجاه الملف اليمني والتحوّل من محاولة حلّه عسكريا إلى الانخراط في جهد دؤوب ومثابر لإيجاد مخرج سلمي له وممارسة قدر كبير من الصبر الإسراتيجي على تعنّت الحوثيين وجنوحهم إلى التصعيد.
الأمير خالد مساهم رئيسي في التهدئة بإشرافه على التحول السعودي من الصراع في اليمن إلى رعاية السلام بين فرقائه
ولم يكن وزير الدفاع السعودي، وفقا لمصادر متعدّدة، بعيدا عن النجاح المتحقّق في صمود التهدئة في الجبهات الداخلية باليمن على الرغم من عدم تجديد الهدنة بشكل رسمي بين الحوثيين والقوات المضادة لهم المجتمعة تحت راية معسكر الشرعية اليمنية بعد انقضاء مدّتها في أكتوبر 2022.
وتعلم الرياض من جهة حاجة طهران للتهدئة، كما تعلم بنفس القدر مدى التأثير الإيراني في قرار جماعة الحوثي وتوجهاتها.
ولا ترغب السعودية بحدّ ذاتها في رؤية جهودها للتهدئة في اليمن تنهار بما يمكن أن يخلق بؤرة صراع واسعة تتناقض ورغبتها في بسط أكبر قدر ممكن من الهدوء في محيطها لتوفير الأرضية لاستكمال رؤيتها التنموية الطموحة التي تحتوي على مشاريع ضخمة برؤوس أموال واستثمارات كبيرة لا يمكن استدراجها في أجواء الحرب والتوتّر.
وفي مظهر على إصرار السعودية على المضي في تنفيذ منظورها السلمي في اليمن على الرغم من بروز سيناريو الحسم العسكري ضدّ الحوثيين مع اشتداد الضربات الأميركية على مواقعهم ومنشآتهم وآلتهم الحربية، نفت المملكة انخراطها في أي محادثات مع الولايات المتحدة بشأن هجوم بري محتمل على الجماعة، وذلك ردّا على تقريرين إعلاميين أميركيين بهذا الشأن.
ولا يعني الرفض السعودي للانخراط في أي جهد عسكري ضدّ الحوثيين بالضرورة تضاربا مع توجّهات الحليف الأميركي، ذلك أنّ واشنطن تبقي بالتوازي مع انتهاجها خيار التصعيد العسكري ضدّ الذراع اليمنية لإيران على باب التسوية السياسة مع طهران مفتوحا وهو ما تؤكّده المحادثات غير المباشرة التي بدأت قبل أيام بين الطرفين في العاصمة العمانية مسقط.
ويبدو أن إدارة ترامب تتخذ من خيار استخدام الآلة العسكرية ضد الحوثيين وسيلة للضغط على إيران للحصول على أفضل اتفاق ممكن معها بشأن ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلاتها في المنطقة.
وكان الأمير خالد بن سلمان قد زار واشنطن أواخر فبراير الماضي حيث التقى بوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث ووزير الخارجية ماركو روبيو وحصل على تطمينات واضحة من إدارة ترامب بشأن شراكتها مع السعودية لخصها هيغسيث بالقول إنّ شعار “أميركا أولا لا يعني التخلي عن الشركاء.”
في سبتمبر 2023 عاد التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في 2016
وعكست زيارة الأمير خالد إلى طهران على رأس وفد عسكري بحدّ ذاتها تطورا كبيرا في العلاقات السعودية – الإيرانية منذ نجاح الوساطة الصينية بينهما واستئنافهما للعلاقات الدبلوماسية.
وقالت وكالة مهر الإيرانية للأنباء إن المرشد الإيراني علي خامنئي تسلم لدى استقباله الأمير خالد رسالة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ونقلت عن خامنئي قوله إنّ العلاقة بين إيران والسعودية، “ستكون مفيدة لكلا البلدين ويمكن للدولتين أن تكملا بعضهما البعض،” فيما نقلت عن وزير الدفاع السعودي القول “جئت إلى طهران بأجندة توسيع العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات.”
وتشمل أجندة المباحثات التي ستتم خلال الزيارة بحسب الوكالة “ملفات تطوير العلاقات الدفاعية وتعزيز التعاون الإقليمي بهدف دعم السلام والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب.”
وزيارة الأمير خالد هي ثاني زيارة يجريها مسؤول دفاعي سعودي رفيع المستوى إلى إيران منذ استئناف العلاقات بين البلدين، حيث أجرى رئيس هيئة الأركان العامة السعودي فيّاض بن حامد الرويلي في وقت سابق زيارة إلى طهران بدعوة من نظيره الإيراني وبحثا “فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة.”
وفي سبتمبر 2023 عاد التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في 2016، ثم تم الاتفاق على استئناف العلاقات بشكل فعلي وكامل في مارس من العام ذاته.