جدّد تقرير صادر عن «البنك الدولي» المخاوف بشأن تداعيات التوتر في البحر الأحمر، على مصر، وكيف يمكن للقاهرة تجنب زيادة حدة أزمتها الاقتصادية، لا سيما مع استمرار هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على السفن المارة بواحد من أهم ممرات التجارة العالمية، التي أدت إلى تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة تتجاوز 40 في المائة.
وتستهدف الجماعة اليمنية، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها «مملوكة أو تشغّلها شركات إسرائيلية»، وتأتي الهجمات رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر، وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم ما يسببه هذا التغيير من ارتفاع في تكلفتَي الشحن، المالية والزمنية.
ووفق تقرير لـ«البنك الدولي»، صدر مساء (الاثنين)، تحت عنوان «الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، فإن استمرار الأزمة الناجمة عن هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر، وانخفاض حركة عبور قناة السويس بنسبة 40 في المائة خلال عام 2024، «سيتسببان في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر، أي ما يعادل 10 في المائة من صافي الاحتياطات الدولية في البلاد، وهو مبلغ قد يغطي تكلفة الاستيراد لنحو نصف شهر»، بحسب التقرير.
وتعد قناة السويس مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية لمصر، حيث «بلغت إيراداتها 8.8 مليار دولار، أي ما يعادل 25 في المائة من صافي الاحتياطات الدولية في عام202»، كما لفت التقرير، الذي أشار إلى أن «القناة كانت مسؤولة عن نحو ثُمن حركة الشحن العالمية، وما يعادل 30 في المائة من حركة الحاويات في العالم».
وقال «البنك الدولي» إن «مصر قد تعاني أكثر من غيرها مالياً؛ بسبب تداعيات الأزمة في قناة السويس، والصراع في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإيرادات وعائدات السياحة». وأضاف أن «التأثير الاقتصادي للصراع في غزة ظل محدوداً نسبياً في باقي دول المنطقة، لكن حالة عدم اليقين ازدادت»، لافتاً إلى أن «طول أمد الاضطرابات وتأثيرها في حركة المرور عبر قناة السويس قد يرفعان من أسعار السلع الأساسية إقليمياً وعالمياً».
ونقلت وكالة «رويترز»، (الثلاثاء)، عن الرئيس التنفيذي لشركة الشحن الألمانية «هاباغ لويد»، قوله إن «الأزمة في البحر الأحمر ستستمر لبعض الوقت، وتحويل مسار السفن سيتواصل». و«هاباغ لويد» واحدة من شركات شحن علقت عملياتها في قناة السويس، وحوّلت مسار السفن التابعة لها إلى رأس الرجاء الصالح.
ويؤكد التقرير الدولي ما تشكو منه مصر منذ بداية الحرب في غزة، وفق الخبير الاقتصادي، وأستاذ التمويل والاستثمار الدكتور مصطفى بدرة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحديث عن تراجع عائدات قناة السويس المصرية بنسب تتجاوز 40 في المائة مستمر منذ بداية الأزمة، تزامناً مع تأكيدات بتراجع إيرادات السياحة؛ بسبب الحرب في غزة»، ولفت إلى أن «الصراع في الشرق الأوسط يفاقم من أزمات مصر الاقتصادية، ويؤثر في تدفقات العملة الصعبة في البلاد».
وكان رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق أسامة ربيع، توقّع، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن تتراجع عائدات القناة بنسبة 40 في المائة خلال العام الحالي، إذا استمرّت الأزمة. كما أعلنت منظّمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، في يناير أيضاً، «انخفاض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 42 في المائة خلال الشهرين الماضيين، جراء هجمات الحوثيين».
وسبق أن حذر «البنك الدولي»، في فبراير (شباط) الماضي، من نشوب أزمة عالمية في سلال الإمدادات حال استمرار هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر 3 أشهر إضافية، وقال إنها «ستكون أزمة شبيهة بتلك التي عاشها العالم خلال جائحة (كوفيد-19)».
عودة إلى الخبير الاقتصادي، الذي أشار إلى «تكرار التحذيرات والتقارير الدولية التي ترصد الواقع، دون محاولة لتقديم حلول للأزمة». وأوضح بدرة أن «مصر تعاني اقتصادياً؛ بسبب أحداث سياسية لا شأن لها بها، وهي بالضرورة غير قادرة على تغييرها».
وقال: «في ظل الوضع الحالي واستمرار التوتر في البحر الأحمر لا يمكن لمصر إجبار السفن على المرور بقناة السويس، أو دفع السياح إلى زيارة سيناء مثلاً، مما يعني تراجع عائدات أهم الموارد الدولارية في البلاد»، مطالباً الهيئات والمؤسسات الدولية بـ«تقديم حلول لدعم الاقتصاد المصري الذي يتعرض لهزات لا ذنب له فيها».
وبينما، يؤكد الخبير الاقتصادي، الدكتور عز الدين حسانين، أن ما «تعانيه مصر ناتج عن تطورات جيوسياسية لا ذنب للبلاد فيها»، يرى أن «الحل لن يكون بمزيد من القروض والمساعدات». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج موارد معرضة للتأثر بعوامل خارجية».
واقترح حسانين لتجاوز الأزمة تغيير نوعية الموارد الدولارية بالتحول نحو الصناعة، بدلاً من الاعتماد على الخدمات، مقترحاً أن «تتجه مصر لزيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة من دول أفريقية، جنباً إلى جنب مع دعم القطاع الخاص، والاعتماد على المنتج المحلي أسوة بما حدث خلال فترة الجائحة التي نجحت خلالها البلاد في تحقيق معدل نمو اقتصادي جيد رغم الإغلاق».
ويبدو أن مصر تتخذ خطوات لمواجهة الأزمة على أصعدة عدة، بين تعهدات حكومية متكررة بـ«دعم القطاع الخاص»، والعمل على جذب صفقات استثمارية خارجية كان آخرها، إعلانها في فبراير الماضي توقيع صفقة لتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي، مع الشركة القابضة «إيه دي كيو»، أحد صناديق الثروة السيادية الإماراتية، من شأنها أن تجلب للبلاد 35 مليار دولار على مدى شهرين.
مع محاولات الحصول على مساندة دولية، حيث اتفقت مع صندوق النقد الدولي على زيادة قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار بدلاً من 3 مليارات دولار في السابق، إضافة إلى السعي للحصول على 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد لصالح البلدان الضعيفة ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.
ووقّعت القاهرة مع الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) اتفاق شراكة يتضمن «تقديم حزمة دعم مالي في مجالات التجارة والاستثمار بقيمة 7.4 مليار يورو».
وفي مارس الماضي، أعلن البنك الدولي عزمه تقديم أكثر من 6 مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بواقع 3 مليارات دولار ستوجه إلى البرامج الحكومية، ومثلها لدعم القطاع الخاص.
وأسهمت التدفقات الدولارية الأخيرة في التخفيف من حدة أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد منذ سنوات إثر تداعيات الجائحة، والحرب الروسية - الأوكرانية، وأخيراً الحرب في غزة؛ مما تسبب في موجة غلاء تزامنت مع تراجع سعر صرف العملة المحلية، وصعوبة في توفير الدولار