تنامت تحذيرات اقتصادية من عدم جدوى تعويم سعر صرف الريال اليمني وفقا لآلية العرض والطلب بالسوق، مما أدى لتدهور قيمة العملة الوطنية وأصبح الاضطراب هو السمة السائدة في أسواق الصرف.
مؤخراً تراجعت قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر الذي تشهده البلاد بسبب حرب مليشيات الحوثي الإرهابية، واستمرارها في خلق حرب اقتصادية جديدة ضد اليمنيين والقطاع المصرفي.
انهيار سعر صرف الريال اليمني
قالت مصادر مصرفية لـ"العين الإخبارية" إن تداولات الأيام القليلة الماضية سجلت ارتفاعاً كبيراً في أسعار صرف العملة المحلية، أمام العملات الأجنبية أبرزها الدولار الأمريكي والريال السعودي.
وأضافت المصادر أن سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الريال اليمني وصل إلى 1900 ريال يمني للبيع، و1906 ريالات للشراء للدولار الواحد، فيما وصل سعر صرف الريال السعودي -الذي يعد الأكثر تداولاً في الأسواق اليمنية- إلى 497 ريالاً يمنياً للبيع، و500 ريال للشراء.
الانهيار الذي وصل إليه سعر الريال اليمني لم يشهده من قبل، حيث لأول مرة تتخطى قيمته حاجز الـ1900 ريال يمني للدولار الواحد، وسط تحذيرات خبراء ومحللين اقتصاديين.
نظام الصرف الحر (العرض والطلب)
يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة عدن الدكتور سامي نعمان، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن تحديد سعر الصرف يتم بطريقتين إما سعر صرف حر تحدده قوى العرض والطلب، وإما مقيد تتحكم فيه السلطة النقدية في البلاد.
وأضاف الخبير الاقتصادي اليمني أن سعر الصرف الحر له أيضاً نوعان، الأول يعتمد على قوى السوق (العرض والطلب) أو ما يسمى بـ"التعويم"، دون تدخل البنك المركزي أو سعر صرف حر مع تدخل محدود للبنك المركزي للتحكم في سعر الصرف، كما هو الحاصل الآن.
وأشار نعمان إلى أن ترك سعر الصرف لقوى السوق أي نظام العرض والطلب ممكن، يتم استعماله في حال كان الاقتصاد قوياً وقطاع الصادرات أكبر من الواردات أو الاستيراد، إضافة إلى توفر قطاع مصرفي منضبط، حيث سيكون هناك توازن على طلب العملة الأجنبية واستقرار في سعر صرفها أمام الريال اليمني.
على المستوى المحلي، بحسب الخبير الاقتصادي، فلا يمكن استخدام آلية العرض والطلب -نظام التعويم- في الوقت الراهن دون قيود وضوابط، لأن الاقتصاد الوطني ضعيف ويعاني تدهورا في حشد الموارد، وتضاعفا مستمرا لحجم الواردات وتقلصا للصادرات وتضخما جامحا في الأسعار.
وأكد أن مواصلة استخدام آلية العرض والطلب دون ضوابط سيؤدي إلى استمرار انهيار سعر صرف العملة المحلية، وارتفاع مستمر في الأسعار، الذي من شأنه تعميق الوضع المعيشي للمواطنين.
سلبيات (التعويم)
كما حذر الخبير اليمني من أن نظام الصرف الحر يساعد على تغول مخيف لشركات الصرافة، وتوسع عمليات غسل الأموال وهروب رؤوس الأموال وما يتبعها ذلك من تزايد معدلات البطالة والفقر، مع تكون طبقة من أصحاب رؤوس الأموال جديدة، وهو ما سينعكس باستشراء الفساد.
تدخل البنك في تحديد سعر الصرف طفيف جداً، وذلك يتم من خلال المزادات الأسبوعية التي يعلن عنها البنك، ولكي تحقق المزادات النتائج المرجوة -وفقاً لنعمان- لا بد من وجود احتياطيات كبيرة من العملة الصعبة، إضافة إلى قدرة البنك على فرض سيطرته الكاملة على القطاع المصرفي.
لوبي منظم للحوثيين
وحول الأسباب الرئيسية التي تقف خلف الانهيار الكبير الذي لحق بالريال اليمني خلال الشهريين الأخيرين، يشير نعمان إلى أن المليشيات الحوثية لها يد في ذلك، حيث إنها تمتلك لوبياً منظماً من شركات صرافة وتجار ومهربين، الذين يمارسون المضاربة بالعملة واستنزافها من مناطق الحكومة بهدف ضرب الاقتصاد الوطني.
وتابع الخبير الاقتصادي "أضف إلى ذلك أن كثيراً من التجار في مناطق سيطرة الحوثيين عند صدور قرارات البنك المركزي في عدن تخوفوا من انهيار العملة المحلية من الطبعة القديمة، فسارعوا باستبدالها بالعملات الأجنبية من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وبالتالي ارتفع السحب والطلب على العملة الصعبة، وتكدست في مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين".
إضافة لقرار الحوثي باستبدال مبالغ كبيرة من العملة المحلية طبعة جديدة -التي تم نهبها بقوة السلاح من المواطنين والتجار والبنوك في مناطق سيطرته سابقاً- بالطبعة القديمة الملغية بقرارات البنك في مناطق سيطرة الحكومة، وبالتالي تم ضخ حجم كبير من الطبعة الجديدة إلى مناطق الحكومة وتم استبدالها بالعملات الأجنبية.
معالجات وحلول
وللحد من زيادة تدهور قيمة العملة الوطنية وانهيار أسعار صرفها طالب الخبير الاقتصادي بوضع المعالجات، من خلال فرض رقابة على البنوك في كافة أرجاء البلاد، وأن يتم فرض قيود على تحويل الأموال للخارج أو مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.
بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات لتحويل أي حوالات اليمنيين من الخارج إلى الداخل، لتتم عبر المؤسسات المصرفية المعتمدة.
وقال نعمان إنه يجب إيقاف الاستيراد لبعض السلع الكمالية لمدة لا تقل عن عامين، وفرض سعر صرف استرشادي بعد أن يتم الاتفاق مع البنوك العاملة في مناطق سيطرة الحكومة.
والضغط على المليشيات من أجل إعادة تصدير النفط والغاز، وإيجاد وديعة مالية في البنك المركزي لا تقل عن 3 مليارات دولار، التي من شأن تلك الإجراءات تحسين وضع الاقتصاد اليمني وسعر صرف العملة المحلية.
ضرورة قصوى
في السياق يرى الخبير الاقتصادي اليمني وفيق صالح أن إلغاء نظام التعويم الحر يعد ضرورة قصوى خلال الوقت الراهن، مع الانقسام الحاد في القطاع المصرفي وضعف موارد الدولة، وتغول السوق السوداء على حساب الجهاز المصرفي الرسمي.
وقال صالح لـ"العين الإخبارية" إنه في ظل أوضاع غير مستقرة من كافة الجوانب تصبح مسألة اعتماد نظام التعويم الحر في تحديد سعر الصرف قفزة إلى المجهول، وأن الأحداث الأخيرة واستمرار هبوط العملة أثبتت عدم جدوى هذه الآلية.
وتساءل وفيق صالح، قائلاً "لماذا لا يكون الخيار الاضطراري للحكومة لوقف هذا التدهور -حتى ولو بشكل مؤقت- هو تحديد سعر مسبق من قبل إدارة البنك المركزي للدولار وبقية العملات الأجنبية أمام الريال اليمني؟"، الذي من شأنه تحقيق الاستقرار للريال ومنع اضطراب العملة في سوق الصرف لما لها من تأثيرات على تآكل مدخولات المواطنين وقدرتهم الشرائية.