تواجه مناطق غرب ليبيا وبينها العاصمة طرابلس، تحديات أمنية متزايدة مع تصاعد حدة الاستقطاب السياسي والصراع الدائر على النفوذ والمصالح بين الميليشيات المنضوية تحت مؤسسات السلطة الانتقالية.
وتحدث شهود عيان عن حالة استنفار في وسط العاصمة، مع خروج آليات مسلحة لتأمين طريق الشط والمرافق الحيوية.
وقالت مصادر مطلعة إن الهدف من انتشار الآليات المسلحة في طريق الشط هو منع هجوم ينتظر أن تقوم به جماعات مسلحة لمحاصرة مصرف ليبيا المركزي بهدف منعه من صرف ميزانية الدولة التي صادق عليها مجلس النواب في أوائل يوليو الماضي والتي تبلغ قيمتها 180 مليار دينار (37 مليار دولار).
وحذر حراك 17 فبراير من أن محاولة الاعتداء على مصرف ليبيا المركزي لن تؤدي فقط إلى تقسيمه مجددا، بل ستفتح الباب واسعا أمام تكرار الانهيارات التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن خزائن الدولة، التي تعد المصدر الأساسي لضمان استمرارية الحكومة ودعم الاقتصاد الوطني، ستكون عرضة للنهب والتفريغ، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإفراغ البلاد من مواردها الأساسية.
وقال الحراك إن أي محاولة للمساس بمصرف ليبيا المركزي ستُقابل بزخم شعبي عارم، يهدف إلى حماية مقدرات الدولة ومنع تدميرها، فالليبيون، الذين عانوا طويلا من ويلات الحروب والصراعات، لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تهديد جديد يُعرض مستقبلهم للخطر، لافتا إلى أن هذا الزخم الشعبي سيكون حاسمًا في صد أي محاولة للاعتداء على المصرف المركزي، مؤكدًا أن الليبيين لن يسمحوا بتكرار المآسي التي عاشوها في الماضي.
الإشكال يكمن في أن سلطة القرار في طرابلس لا تزال بيد أمراء الحرب وقادة الجماعات المسلحة
وأردف الحراك أنه في ظل هذه الظروف الحساسة التي تمر بها ليبيا، يبقى المصرف المركزي حجر الزاوية في استقرار الدولة. والمحاولات البائسة للاعتداء عليه لن تؤدي إلا إلى المزيد من الانقسامات والفوضى. لذا، يجب على جميع الأطراف السياسية أن تعي خطورة هذه الخطوات وأن تتوقف فورًا عن أي محاولة للمساس بالمصرف، حفاظا على مستقبل ليبيا وشعبها.
ويرى مراقبون أن العاصمة طرابلس باتت على صفيح ساخن، لاسيما في ظل صراع النفوذ والمصالح بين قوة الردع الخاصة بقيادة عبدالرؤوف كارة وقوة دعم الاستقرار بقيادة عبدالغني الككلي، واللذين يعتبران الفصيلين الأكثر قوة وتأثيرا في المنطقة الغربية.
وقالت أوساط محلية إن شباب منطقة سوق الجمعة أعلنوا حالة الطوارئ والتظاهر في الشوارع رفضا لأي تحرك عسكري داخل العاصمة طرابلس، وذلك بعد ظهور مؤشرات على إمكانية الدفع بالعاصمة إلى أتون صراع دموي جديد.
وحاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية وزير الدفاع عبدالحميد الدبيبة التنبيه إلى مخاطر العودة إلى مربع العنف عندما شدد في حفل تخريج طلبة الكليات العسكرية الذي أقيم مساء الأحد بالأكاديمية البحرية بجنزور تزامنا مع احتفالات الذكرى الـ84 لتأسيس الجيش الليبي على أن وحدة الوطن خط أحمر، مشيرا إلى أن حكومته ستقف أمام كل من تسول له نفسه تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام.
ويؤكد متابعون للشأن الليبي أن هناك معركة تصفية حسابات في طرابلس بين جماعة الإخوان وفلول الجماعة المقاتلة، وأن فشل الفرقاء في التوصل إلى الحل السياسي بعث في أمراء الحرب أملا بالسيطرة على مقاليد الحكم والثروة بالاعتماد على السلاح وعلى أيديولوجيات دينية متشددة.
حراك 17 فبراير يحذر من أن محاولة الاعتداء على مصرف ليبيا المركزي ستفتح الباب أمام انهيار الدولة
وعكست محاولة اختطاف القيادي الإخواني في الحزب الديمقراطي وعضو مجلس الدولة الاستشاري نزار كعوان حالة الانهيار في المنطقة الغربية.
ويرى مراقبون أن الإشكال يكمن في أن سلطة القرار في طرابلس لا تزال بيد أمراء الحرب وقادة الجماعات المسلحة، وأن السلطات التنفيذية والقضائية عاجزة عن التصدي للخروقات الأمنية أو ملاحقة المتورطين في سفك دماء الليبيين.
وبحسب المراقبين، فإن الأخطر هو أن تصفية الحسابات بين الجماعات العقائدية المتشددة أصبحت تتم تحت غطاء الشرعية، ومن داخل أجهزة الدولة ذاتها، كما حدث مع مستشار الدبيبة عبدالمجيد المليقطة الذي تعرض لمحاولة اغتيال في يونيو الماضي من قبل عناصر من داخل جهاز المخابرات.
وشهدت مدينة تاجوراء اشتباكات الجمعة الماضية أدت إلى سقوط تسعة قتلى والعشرات من الجرحى.
ودعا مجلس الدولة الاستشاري المجلس الرئاسي إلى الاضطلاع بمسؤولياته، من خلال ضمان إنهاء الاشتباكات المسلحة، وإعادة الهدوء والسكينة في المنطقة، ومحاسبة المتورطين في هذه الخروقات الأمنية، وطالب جميع الأطراف بالالتزام التام بوقف إطلاق النار، معربا عن أسفه على أرواح الضحايا التي تزهق نتيجة هذه التوترات الأمنية.
ودانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الاشتباكات المسلحة في تاجوراء وما تلاها من تحشيدات عسكرية داخل العاصمة طرابلس وحول المنطقة الغربية.
وأعربت البعثة عن انزعاجها الشديد إزاء التقارير التي تشير إلى وقوع خسائر في الأرواح، وإصابات في صفوف المدنيين، وتشريد العديد من العائلات، وإدانتها لاستخدام التشكيلات المتقاتلة للذخائر والأسلحة الثقيلة في المناطق الآهلة بالسكان، وتذكر جميع الأطراف بالتزاماتها بحماية المدنيين في جميع الأوقات.
واعتبرت البعثة أن الاشتباكات بمثابة تذكير بالحاجة الملحة إلى توحيد الأجهزة العسكرية والأمنية وإقامة مؤسسات تحظى بالشرعية وتخضع للمساءلة، وترى فيها مدعاة للتعجيل بإطلاق عملية سياسية شاملة تفضي إلى انتخابات ذات مصداقية، وتمهد الطريق لتحقيق الاستقرار الدائم والازدهار للشعب الليبي.
وانضمت السفارة الأميركية في ليبيا إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في إدانة العنف في تاجوراء.
ورحبت السفارة في تغريدة نشرت على حسابها بمنصة إكس بالجهود المبذولة لخفض التصعيد. هناك حاجة ماسة إلى القوات الأمنية في جميع أنحاء ليبيا لمناقشة كيفية توحيد الجهود بما يخدم مصلحة الشعب الليبي وسيادة ليبيا.
وكان ملتقى أعيان ومشايخ المنطقة الغربية في القره بوللي أصدر بيانا ختاميا أشار من خلاله إلى أنه سيتم وضع حلول جذرية للنزاعات الدائرة وحقن الدماء ولم شمل ليبيا شرقا ووسطا وغربا، لافتا إلى استمرار المشاورات على طول الأسبوع، وأنه سيكون هناك اجتماع آخر اليوم الثلاثاء لحلحلة ما تبقى من إشكاليات عالقة