ملخص
تعرضت شريحة المعلمين اليمنيين لأكبر قدر من انتهاكات الميليشيات الحوثية لأنها الفئة التي رفضت التعاون مع مشروع الجماعة وارتكبت بحقهم جرائم عدة من بينها قطع الرواتب والتهجير والاختطاف والإخفاء القسري.
البيت والمنزل في اليمن لهما قداسة لا يتجاوزها أحد، حتى إن كان صاحبه خصماً في السلم أو في الحرب، ويعتبر احترام أهل الدار عرفاً راسخاً في المجتمع اليمني، لكن مع اندلاع الحرب التي اجتاحت البلاد منذ قرابة عقد سُجلت انتهاكات عدة لحرمة المنازل، وكانت ميليشيات الحوثي أبرز من ارتكب هذه الاعتداءات الجسيمة.
لا توجد مدينة سيطرت عليها الميليشيات الحوثية إلا وتركت فيها منزلاً فجّرته جزئياً أو كلياً، مخلفة وراءها أرواحاً محطمة ومنازل كانت يوماً مليئة بالحياة، كما هي الحال في منزل المعلم أحمد عبده الشريف الذي كرّس 29 عاماً من حياته لخدمة التعليم، ليتحول منزله إلى أنقاض وندوب لا تلتئم أبداً.
إرهاب المواطنين
في ظلام وسكون إحدى القرى الريفية التي تنام مبكراً في ريف محافظة تعز جنوب غربي اليمن، أفزع السكان صوت مسلحين يعلنون حال الطوارئ، محذرين إياهم من مغادرة منازلهم، وكان المسلحون يحملون بنادق على أكتافهم، وفي أيديهم ألغام وعبوات ناسفة، وعلى رؤوسهم أضواء تنير لهم الطريق.
أخبر المسلحون الحوثيون السكان بأن قراراً اتخذ بتفجير أحد منازل الهاربين إلى مناطق الشرعية وسط ذهول الأهالي، وباءت كل محاولاتهم لمنع أو تأجيل التفجير بالفشل، حتى استكمل الفريق الهندسي تفخيخ المنزل، وعاد الأهالي إلى بيوتهم، ولم تمضِ ساعة حتى دوى انفجار هائل، لم يسمعوا مثله من قبل.
قصة المعلم أحمد
كان الـ29 يوليو من (تموز) الماضي يوماً حزيناً وكئيباً لعائلة المعلم أحمد عبده الشريف، إذ أقدمت ميليشيات الحوثي على تفجير منزله، في أحدث عملية ضمن سلسلة تفجيرات استهدفت منازل معارضيها في البلاد.
يقول أحمد إنه كان مرتبطاً بشدة بمنزله، وكان يعتبره بيت الأحلام، فلقد بناه بيديه وبجهد سنوات طويلة من العمل في مجال التعليم، وقرابة ثلاثة عقود من التفاني، لم يكُن يتخيل يوماً أن يجد نفسه في هذا الوضع المأسوي، "مشرداً ونازحاً بلا منزل ولا وطن".
صدمة نفسية
وتابع الشريف حديثه بألم عميق "تفجير منزلي كان له أثر كبير علينا، لقد أصبت وعائلتي بصدمة شديدة، ولم نستطِع النوم أو الأكل لأيام، وزوجتي خصوصاً تأثرت نفسياً خلال النزوح، إذ شهدت مقتل أحد جيراننا أمام عينيها خلال الاشتباكات، حالها اليوم متدهورة، وهي تعتمد على الأدوية بصورة دائمة، وكان خبر تفجير منزلي صادماً بعد كل هذه السنين، لقد دمروا أحلامي، نحن الآن في حال لا تمكننا حتى من بناء حمام، فكيف لنا أن نبني منزلاً كبيراً بمحتوياته؟".
واستكمل المعلم أحمد عبده حديثه "كنا ننتظر بلهفة وشوق لحظة العودة إلى منزلنا، لكن الآن، إلى أين نعود، وقد تحول كل شيء إلى ركام؟، نحن مثقلون بالديون وبأوجاع زوجتي التي أصبحت متعبة جسدياً ونفسياً".
جريمة حرب
وعلى مدى أكثر من 20 عاماً، منذ نشوء جماعة الحوثي في صعدة شمال البلاد، فجرت الجماعة منازل خصومها كوسيلة لبث الرعب في المجتمع ونشر الخوف وتشريد المدنيين وفرض سيطرتها بالقوة.
في حديث عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان ماهر العبسي إلى "اندبندنت عربية"، أوضح أن عدد المنازل التي فُجرت بالكامل في محافظة تعز بلغ 175 منزلاً، وأضاف أن معظمها يعود لأشخاص معارضين لجماعة الحوثي أو مختلفين معهم حتى في الأفكار فقط، مؤكداً أن تحقيقاتهم أظهرت أن تفجير المنازل هو نهج معتمد من قبل الحوثيين.
انتهاك حقوق الإنسان
وأشار رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات توفيق الحميدي إلى أن هدم المنازل يُعتبر جريمة حرب، وهو أسلوب حوثي يهدف إلى إثارة الرعب والانتقام بين الخصوم، مؤكداً أن هذا السلوك دخيل على المجتمع اليمني.
وأوضح أن الدستور اليمني وأحكام الشريعة الإسلامية يمنعان المساس بالممتلكات إلا بحكم قضائي عادل، كما أن اتفاقات جنيف ولاهاي تفرض حماية الممتلكات العامة وتعويض المتضررين بصورة كاملة وعادلة.
ونوه الحميدي بأن منظمته وثقت تدمير 1030 منزلاً من قبل الحوثيين بين عامي 2015 و2022، من بينها 713 منزلاً بصورة منهجية، مضيفاً أن الحكومة الشرعية عليها عبء تشكيل هيئة مدنية مستقلة لرصد هذه الانتهاكات وتوثيقها وضمان جبر ضرر الضحايا.
الشريحة الأكثر تضرراً
تعرضت شريحة المعلمين لأكبر قدر من انتهاكات الميليشيات الحوثية لأنها الفئة التي رفضت التعاون مع مشروع الجماعة، وارتكبت بحقهم جرائم عدة، من بينها قطع الرواتب والتهجير والاختطاف والإخفاء القسري.
وتشير تقارير نقابة المعلمين اليمنيين إلى أن آلاف المعلمين قُتلوا أو جرحوا على يد ميليشيات الحوثي منذ انقلابها على السلطة الشرعية في 2014.
وفي مارس (آذار) الماضي، لقي 13 مدنياً حتفهم وجرح آخرون في مدينة رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن جراء تفجير منزل كان يقطنه مواطنون على يد عناصر حوثية، وأقرت الجماعة بمسؤوليتها عن الحادثة، مشيرة إلى أن التفجير وقع نتيجة خطأ ارتكبه بعض أفراد الأمن أثناء تنفيذ حملة أمنية.