استلمت قوات درع الوطن، المدعومة من الرياض، منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية بعد أن كانت تسيطر عليه المنطقة العسكرية الأولى في القوات اليمنية المحسوبة على الإخوان، في خطوة تهدف إلى امتصاص حالة الاحتقان بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية، والتي تهدد باشتعال المعارك في أي لحظة.
واعتمدت السعودية على جنوبيين ينتمون إلى قوات درع الوطن لإدارة المنفذ الواقع على حدود حضرموت ضمن خطة ناعمة لتحييد المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي عن الصراع بين الانتقالي والإخوان، والتي يراهن كل منهما على السيطرة عليها لكونها غنية بالنفط والغاز.
وهدفت الخطوة إلى طمأنة الجنوبيين بأن المحافظة تحت قيادة قوات جنوبية وإن كانت لا تنتمي إلى المجلس الانتقالي الجنوبي. وضمن مساعي الطمأنة ما جاء على لسان العميد بشير المضربي الصبيحي قائد قوات درع الوطن، الذي قال بالتزامن مع استلام قواته مهمة إدارة المنفذ إن “القضية الجنوبية هي التي توحد قوات درع الوطن مع القوات المسلحة الجنوبية”.
◄ قرار العليمي أثار غضب الجنوبيين الذين اعتبروه فوقيا وكان يفترض أن يتم التشاور معهم بشأن عمل اللجنة وتركيبتها
وجاءت ردود الجنوبيين في مواقع التواصل الاجتماعي متضاربة بين من يدعم استلام جنوبيين إدارة المنفذ وبين من يعتبر ذلك مناورة لتمرير حكم الشماليين للمحافظة تحت عنوان مخادع.
وتعارض الرياض، ولو بشكل غير معلن، فكرة الأقاليم لإدارة السلطة في اليمن، وتدعم مساعي رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لحكم المناطق الواقعة خارج سيطرة الحوثيين ضمن سلطة مركزية قوية.
وظلت حضرموت محور التحركات المطالبة باعتماد الأقاليم، فالمجلس الانتقالي يرى أنها جزء من دولة الجنوب، وهو الأولى بحكمها، فيما تطالب أطراف أخرى من الشرعية -وعلى رأسها حزب الإصلاح الإخواني- بأن تكون حضرموت جزءا من إقليم الشرق إلى جانب محافظات شبوة والمهرة وسقطرى.
وتنظر المملكة إلى موقع المحافظة المجاور لمجالها الجغرافي، والمفتوح من الجهة الأخرى على بحر العرب والمحيط الهندي، باهتمام بالغ وتعمل في ضوء ذلك على تركيز أقدام حلفائها المحليين في المحافظة ليقوموا بدور الحرّاس لنفوذها ومصالحها هناك.
وتواجه المساعي السعودية لتهدئة الوضع في حضرموت وإعادتها إلى سلطة الشرعية مشكلة رئيسية هي انقسام السيطرة على الأرض بين قوات يمنية محسوبة على حزب الإصلاح وأخرى تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتسيطر قوات الانتقالي الجنوبي على منطقة الساحل ومركزها مدينة المكلاّ فيما تسيطر القوات الحكومية على منطقة الوادي والصحراء ومركزها مدينة سيئون.
لكن مراقبين يمنيين يعتقدون أن استلام قوات درع الوطن للمنفذ الحدودي لا يعني إطلاقا أن السعودية والقوات المدعومة منها قد وضعتا اليد على المحافظة الإستراتيجية.
وكان واضحا أن الأطراف المعنية بالسيطرة على حضرموت كانت واعية بأن السعودية تتحرك لتحييد المقاطعة عن الصراعات، وهو ما يفسر الحراك الاحتجاجي الذي تقوده القبائل، وتطالب من خلاله بتوجيه موارد النفط المنتج محليا نحو تحسين أوضاع سكانها وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
وعمل حزب الإصلاح على تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع ليكون مظلة لتحركه ضد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وضد النفوذ المتزايد لقوات درع الوطن المدعومة سعوديّا من جهة أخرى.
وبدوره لم يخف المجلس الانتقالي دعمه لتحرك القبائل الذي “يستهدف تمكين أبناء محافظة حضرموت من حقوقهم والاستفادة من عائدات تلك الثروات”، لكنّه رفض في الوقت نفسه “أيّ اختزال لحضرموت في مكون أو طرف سياسي واحد ليحتكر تمثيلها”، كما جاء في بيان لهيئته الإدارية.
◄ سعي السعودية لتهدئة الوضع في حضرموت يواجه مشكلة انقسام السيطرة على الأرض بين الانتقالي وحزب الإصلاح
وعمل بيان الهيئة على تحويل التحركات الاحتجاجية إلى ورقة سياسية بيد المجلس الانتقالي حين طالب بـ”أولوية أن يعمل الجميع على إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت”.
كما رفض البيان “استقدام أيّ قوات أخرى تعارض صلاحيات قوات النخبة الحضرمية”، في إشارة إلى قوات درع الوطن، محذّرا مما يثيره استقدام تلك القوات من “فوضى وفتن في مديريات ساحل وهضبة حضرموت”.
ويوحي البيان باستحالة القبول باستمرار سيطرة قوات درع الوطن، خاصة إذا سعت إلى التقدم نحو مواقع المجلس الانتقالي.
ولا يعرف كم من الوقت يمكن أن يقبل الجنوبيون باستمرار نفوذ درع الوطن في المحافظة التي ينظر إليها الجميع على أنها ورقته الاقتصادية والمالية وضمانة استمرار نفوذه. لكن المراقبين يعتقدون أن الجنوبيين سيعملون على الحد من نفوذ هذه القوات ومنعها من التحرك في مناطق نفوذ القوات الحضرمية التي يرون أنها قادرة وحدها على ضمان الأمن.
وأثار قرار العليمي الذي يقضي بتشكيل لجنة رئاسية للنظر في مطالب الحراك القبلي وتقديم مقترحات لتلبيتها، غضب الجنوبيين الذين اعتبروا القرار فوقيا، وكان يفترض أن يتم التشاور معهم بشأن عمل اللجنة وتركيبتها. ويأتي هذا التوتر ضمن حساسية الجنوبيين تجاه سلطة العليمي خاصة بعد فشلها في عدن.