ما أعلن عنه بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الصادر عن لقاء قياداته في حضرموت، الإثنين، جاء مخالفًا ومختلفًا مع ما سبق وأعلنت عنه بعض قياداته من دعم لمطالب حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، بل إن بيان “الانتقالي” أعلن رفضه أن يمثل “الجامع” حضرموت في مشاورات التسوية، مؤكدًا أن حضرموت جزء من مشروع (دولة الجنوب الفيدرالية)، في تطور لافت لما تشهده حضرموت، الغنية بالنفط والواقعة شرقي اليمن، من تصعيد وتوتر سياسي على خلفية مطالب معظمها حقوقية.
بعد نحو شهرين من التوتر والاحتقان السياسي هناك، قرر “الانتقالي” الدخول في معترك هذا التوتر بشكل عملي، وذلك من خلال عقد لقاء موسع لقياداته في محافظة حضرموت بمدينة المكلا، بهدف “تدارس الأوضاع الجارية في المحافظة”، في ضوء ما اعتبره “تفاقم الأزمات والتوترات التي باتت تهدد الاستقرار والوئام على امتداد حضرموت”، في إشارة إلى التصعيد الذي يقوده حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، برئاسة وكيل المحافظة، عمرو بن حبريش.
وأصدر “الانتقالي” بيانًا تجاهل فيه ذكر اسم الحلف والجامع، رافضًا “كل من يحمل أو يتماهى مع مشاريع إعادة انتاج الاحتلال أن يمثل حضرموت في أي عملية سلام مقبلة” في إشارة إلى رفضه مطالب الحلف والجامع، بما فيها أن يكون الجامع ممثلًا لحضرموت في مشاورات التسوية المقبلة.
تضمن البيان ما اعتبره “الانتقالي” رؤيته لمعالجة الوضع هناك، معلنًا “عن تشكيل لجنة تواصل مع السلطات المحلية والقوى الحية والمكونات المدنية والقبلية بالمحافظة لإعداد خطة تحرك تنتزع لحضرموت حقوقها وتحصنها من الفتن والانقسامات، وتوحد جهودها مع درعها الحصين قوات النخبة الحضرمية”، وفق البيان الذي كرر فيه اسم قوات النخبة الحضرمية ثلاث مرات، وهذه القوات هي جزء من التشكيلات التي أُنشئت خارج منظومة الجيش اليمني، وتسيطر على مناطق الساحل في محافظة حضرموت.
يأتي انعقاد اللقاء الموسع للانتقالي في المكلا وإعلانه عن تشكيل لجنة بعد خمسة أيام من تشكيل لجنة رئاسية “للنظر في مطالب أبناء محافظة حضرموت، والرفع بمقترحات حلها وفقًا للقانون، وذلك بناء على الالتزامات والتفاهمات المعلنة مع السلطة المحلية، والمكونات السياسية في المحافظة”.
وعلى ما يبدو أن “الانتقالي” لم يقبل بهذا اللجنة، وهو ما سبق وعبر عنه عضو المجلس الرئاسي، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، فرج البحسني. وقال في “تدوينة” بتاريخ 21 أغسطس/آب، إن “الحل يكمن في اتخاذ قرارات مباشرة من قبلكم (رشاد العليمي) لتلبية مطالب حضرموت أو الدعوة لاجتماع طارئ لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي لمناقشة الأزمة والوقوف أمامها بجدية وحزم، على أن تُصدر عن الاجتماع قرارات تحسم ما يجري في المحافظة. غير ذلك، لن يجدي نفعًا”. وكان رد الفعل هذا تأكيدًا على وجود خلافات في المجلس الرئاسي فيما يتعلق بالوضع في حضرموت.
بعد خمسة أيام من ردّ البحسني على تشكيل اللجنة الرئاسية، أعلن “الانتقالي” عن عقد لقاء موسع في المكلا في مواجهة التصعيد الذي يتصدر له حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، لاسيما بعد أن وصل التصعيد بالحلف إلى مستوى صار يشكل تهديدًا لوجود الانتقالي في حضرموت مع استمرار التحشيد وارتفاع نبرة الخطاب السياسي للحلف؛ وهو الخطاب الذي ظل محصورًا في حقوق حضرموت في ثرواتها ونفطها وفرض مؤتمر حضرموت الجامع ممثلًا لحضرموت في مشاورات التسوية، وهو ما يمثل بشكل غير مباشر رفضًا لتمثيل “الانتقالي” أو مجلس حضرموت الوطني لحضرموت.
ولهذا جاء في صدارة بيان الانتقالي تجديد التأكيد “على أن حضرموت مكون أصيل في طليعة نضالات شعب الجنوب لاستعادة وبناء دولته الفيدرالية المستقلة الحديثة”.
كما أكدَّ أن حضرموت “لا يمكن أن تقبل بإعادة تدوير هيمنة القوى التي شاركت في امتهانها وسلّمتها غنيمة لجحافل الغزاة عام 1994 وللجماعات الإرهابية عام 2015”.
وجدد الانتقالي التأكيد على أن حضرموت لن تكون سوى جزء من دولة جنوبية فيدرالية. وقال: “إن تمثيل حضرموت في العملية السياسية الشاملة لا يمكن أن يكون بعيداً عن إرادة السواد الأعظم من أبنائها التي تجلت على امتداد عقود متواصلة من مسيرة نضالهم الزاخرة بالتضحيات ابتغاء الخلاص وامتلاك القرار في إطار دولة جنوبية فيدرالية مدنية محققة للتوازن الوطني الشامل”.
فيما يتعلق بحقوق حضرموت في الاستفادة من عائدات ثرواتها النفطية ومواردها، جاء البيان ضبابيًا مؤكدًا رفضه لأي محاولات لتقسيم حضرموت أو تجزئة قرارها. كما أكد البيان “باسم أبناء حضرموت، الرفض لأي اتفاق يخص نفط وغاز حضرموت لا يلبي حق أبنائها في الاستفادة من عائدات ثرواتهم”.
صراع يتجاوز الثروة
في هذا السياق، يرى الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي اليمني، وزير الثقافة الأسبق عبد الله عوبل “أن الصراع حول حضرموت مازال محتدمًا بين دولتي التحالف العربي”.
وقال “إن هذا الصراع هو صراع يتعلق ليس فقط بالثروة التي تختزنها حضرموت، ولكن أيضًا جيوسياسي. حضرموت منطقة جغرافية ممتدة على حدود واسعة مع المملكة العربية السعودية، فيما الإمارات تسعى للهيمنة على الموانئ والسواحل الجنوبية التي تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر من باب المندب حتى سواحل المهرة”.
وأوضح متحدثًا لـ صحيفة”القدس العربي”: “تلاحظ أن محافظتي شبوة وحضرموت الثريتين بالنفط، هما موضوع صدامات منذ 2019 بسبب عدم نضوج رؤية ماذا يريد التحالف أو الرباعية”.
ويعتقد عوبل أن “وقف حالة التوتر في حضرموت مرهون بوجود حل يرضى طرفي التحالف، أما الأطراف المحلية الممثلة لمصلحهما فربما لا يعنيها الأخذ بعين الاعتبار مصالح الحضارم. وفي كلتا الحالتين، فإن حقوق الحضارم التي يتحدث عنها الجانبان ليست سوى مجرد شعارات وهمية لن يتحقق منها شيء.
ويعود ظهور التصعيد الراهن في حضرموت على السطح إلى ما قبل شهرين، مع تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية جراء تدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار وتردي الخدمات بما فيها خدمات الكهرباء والصحة والتعليم، وقبل ذلك توقف تصدير النفط الذي كان يمثل رافدًا كبيرًا لموارد المحافظة، التي كانت تنال 25 % من عائدات مبيعات المخزون النفطي المنتج من أراضيها.
وكان مؤتمر حضرموت الجامع قد أصدر في 13 أغسطس/آب بيانًا أعلن فيه انتهاء المهلة التي منحها في 13 يوليو/ تموز للسلطة المحلية والحكومة بشأن تلبية مطالبه، التي هي في معظمها حقوقية وترتبط بكيفية إدارة الشأن العام في المحافظة، يضاف إليها مطالب الحلف الخاصة بتمثيل حضرموت في مشاورات التسوية، وحقها في النفط والموارد.
وأكد “الجامع” أن “لا سبيل أمام حضرموت وأبنائها إلا التمسك بمخرجات حلف قبائل حضرموت الصادر بتاريخ 31/7/ 2024م، كون المعاناة الخدمية والمعيشية سببها انعدام تمثيل حضرموت تمثيلاً حقيقياَ وعادلاَ. ونؤكد أن من يحكم حضرموت محلياً ومركزياً لا يعبّر عن مصالحها وأبنائها ولا يأبه لمعاناتهم، بل يراها مكسباً وجغرافيا للمناورات والصفقات السياسية والاقتصادية والمصلحية الضيقة”.
وبدأ حلف قبائل حضرموت عقب انتهاء المهلة التي منحها للسلطة المحلية والحكومة المركزية في الثاني من أغسطس/آب، بتنفيذ ما توعد به، ممثلًا في بدء التحرك الميداني لوضع اليد على الأرض والثروة، إذ عمل على وضع نقاط أمنية على بعض الطرقات، والتحشيد القبلي في هضبة حضرموت، وبدء السيطرة على مداخل ومخارج قطاعات إنتاج النفط.