على مقربة من أحياء سكنية تعيش بلا كهرباء ويقتلها لهيب الحر، وضعت مليشيا الحوثي أجهزة تكيف لتلطيف الأجواء في ساحات طائفية في الحديدة اليمنية.
واحتضنت هذه الساحات أتباع وقيادات المليشيا وآخرين أجبروا بالقوة لحضور فعاليات "المولد" وهي مناسبة دينية لونتها مليشيات الحوثي وسخروا لها مليارات الريالات ضمن مخطط إنعاش "السياحة الدينية".
وعلى هامش هذه المناسبة، أفردت مليشيات الحوثي تغطيات إعلامية خاصة لأجهزة تكييف يراها اليمنيون للمرة الأولى في البلاد ويستخدمها العالم لتخفيف حرارة شوارع المدن الساحلية الملتهبة، لكن المليشيا أدخلتها للترويج لمشروعها الخاص وضمن برنامج متكامل لجذب جماعات وعناصر متشددة في المنطقة تحت غطاء السياحة.
شكل استعراض مليشيا الحوثي لأجهزة تكييف بالشوارع المفتوحة في ساحات فعالياتهم الطائفية في مناسبة المولد النبوي، صدمة لأبناء الحديدة الذين يعانون انقطاع الكهرباء التي خصخصتها المليشيا وأصبحت خدمة باهظة الكلفة ولمن استطاع إليها سبيلا.
كما أن مشاهد التكييفات الحوثية لا تختلف في استفزازها عن مشهد يومي يعيشه الآلاف من فقراء الأحياء المجاورة لميناء الحديدة الذي يرون تدفق المقطورات والشاحنات التي تنقل البضائع التجارية أو الوقود وحتى المواد العسكرية الخاصة بالمليشيا فيما هم وأطفالهم يتضورون الجوع ويكابدون عناء انعدام الكهرباء.
أجهزة تكييف الشوارع
وأبرز هذه الأحياء هي، حارة البيضاء، ومنطقة الستين الجنوبي، وحارة السور، والأحياء المجاورة لمكب النفايات بالمحافظة، إلى جانب باقي مديريات المحافظة والتي تقوم المليشيا ببيع الكهرباء بها بأسعار خيالية تصل إلى 600 ريال (1.12 دولار) لتعريفة الكيلوواط الواحدة.
في تعليقه لـ"العين الإخبارية"، قال المواطن اليمني عبدالله فهد (48 عاماً) وهو أحد سكان حارة البيضاء الغربية، الواقعة على بعد نحو أمتار قليلة فقط من بوابة ميناء الحديدة، المليشيا لم تكتف بنهب موارد الميناء الحيوي بل ذهبت لتسخيرها لصالح تمويل فعالياتها الطائفية.
وأضاف فهد "نعاني كل يوم وكل ساعة بسبب انعدام الكهرباء والارتفاع الكبير بدرجة الحرارة التي باتت لا تنخفض طيلة اليوم، ولم نعد نذق النوم من الجحيم وعاجزون عن شراء حتى منظومة طاقة شمسية لتشغيل المكيّف والمراوح.
وأشار إلى أنه فيما تستعرض مليشيا الحوثي أجهزة تكييف الشوارع، كنت "برفقة جميع المواطنين من أبناء الحي، نناشد مؤسسة الكهرباء الحوثية لإعادة التيار المنقطع منذ أكثر من 5 سنوات ولإيجاد حلول للفقراء العاجزون عن دفع تكلفة الخدمة".
وأوضح "لم نستطع العمل في الميناء لكسب لقمة العيش لنا ولأطفالنا، ونرى شاحنات المواد الغذائية تتدفق وإيرادات الميناء تنهب ولم نجد لا كهرباء، ولا مياه نظيفة" رغم أن المليشيا قادرة على توفير هذه الخدمات بدليل استيرادها أجهزة تبريد الشوارع للاستعراض والدعاية.
كما أكد أن "جميع أفراد أسرته ومنذ نحو شهرين أصيبوا بالطفح الجلدي، واحتراق في الأجسام؛ نتيجة الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة في المحافظة الساحلية، وانعدام الكهرباء التي قد تخفف من أوجاعهم".
قوة تأثير ناعمة
ويشمل برنامج الحوثي السياحي أدلجة المناسبات الدينية مثل "المولد النبوي"، بجانب فعاليات لم يعرفها اليمن من قبل مثل "ميلاد فاطمة الزهراء"، و"عيد الغدير"، "يوم الولاية"، و"جمعة رجب"، وغيرها، بالتوازي مع تشييد مزارات دينية على أنقاض مباني أثرية كما يحدث في صنعاء القديمة وتأهيل مباني لأضرحة وقبور المرجعيات الدينية للمليشيا التي تصفهم بـ"الأعلام".
وتسابق مليشيا الحوثي الزمن من أجل مشروع بدأته قبل أكثر من عامين ضمن مخطط "السياحة الدينية" واتخاذها كقوة ناعمة للتأثير في "فكر الدول الإسلامية"، و"دول شرق آسيا".
ويعد تسخير إمكانيات ضخمة واستيراد أجهزة تكييف الشوارع في ساحاتهم والترويج لها إعلاميا على نطاق واسع جزء من هذا المخطط الساعي لجذب متطرفين من نفس مذاهب المليشيا لزيارتها تحت غطاء "السياحة".
وكانت الحكومة اليمنية حذرت مؤخرا من مخطط مليشيا الحوثي التي تسعى لاستقدام الآلاف للمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها تحت غطاء زيارة المراقد الدينية والأضرحة تحت الغطاء السياحي.
وأكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الأرياني تجريف مليشيا الحوثي الممنهج للمعالم السياحية وآخرها مخطط هدم 500 مبنى أثري في مدينة صنعاء القديمة، المدرجة ضمن قائمة التراث الإنساني لـ"اليونيسكو"، بهدف إقامة مزار ديني للمليشيا.
وعمدت مليشيا الحوثي إلى "إقامة مناسبات طائفية خاصة بها لا علاقة لها باليمنيين" ضمن تحرك خطير يأتي في إطار فتح "السياحة الدينية" كوسيلة تأثير لتعزيز نفوذها وطمس هوية وتفكيك النسيج اليمني، وفقا للمسؤول اليمني.