ارتفع صراخ مليشيات الحوثي مع إعلان شركة «ستارلينك» تدشين خدمة النت الفضائي رسمياً في اليمن، وهو ما لاقى ترحيباً رئاسياً وأمريكياً بكونها تحول مهم في البلاد.
إعلان «ستارلينك» الذي أعاد مشاركته مالك الشركة، الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، أصاب الحوثيون بالذعر ليخرجوا في بيان يزعمون أنها "يضر بالنسيج الاجتماعي" واعتبار الترحيب الأمريكي أنه "انتهاك للسيادة".
لكن هذا الصراخ الذي فجره الحوثيون ورافقه سيل ضخم من الشائعات وهو لا يختلف عن صراخ مماثل أشعله الإخوان في وقت سابق بشأن شركة اتصالات في المناطق المحررة، كشف مدى مخاوف هذه المليشيات.
خدمة الإنترنت الفضائي ستارلينك
قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن كان يدر سنوياً، وفقاً لتقارير أممية ودولية، أكثر من 2 مليار دولار للحوثيين ويتم تسخيرها لتمويل النشاط الحربي للمليشيات، كما أن الخدمة ظلت "سلاحاً فتاكاً للمليشيات" في التجسس على مناهضيها والإطاحة بهم، كما حدث في اغتيال قائد قاعدة العند العسكرية اللواء الركن ثابت جواس عام 2022، وفقاً لخبراء ومصادر تحدثت سابقاً لـ"العين الإخبارية".
يُشكل تفعيل خدمة ستارلينك، ضربة موجعة للحوثيين وتجعل من "مشروع النطاق العريض اللاسلكي بتقنية الجيل الرابع 4G" الذي أطلقته المليشيات عام 2022، بلا قيمة عقب تبخر أحلامها في أعمال التجسس وجني الأموال.
وظل الحوثيون يقدمون خدمة 4G في مناطق سيطرتهم وبعض المناطق المحررة، كما هو حال تعز ومأرب وحيس وبعض مناطق شبوة والضالع وحضرموت والمهرة ويتربحون أموالاً طائلة تصل لبيع 15 غيغابايت بأكثر من 20 دولار.
وبجانب الأرباح، منح التحكم الحوثي بالاتصالات والإنترنت وخصوصاً مشروع 4G الذي أطلق بالتشارك والإشراف مع خبراء إيرانيين من شركتي "ألما" و"بي آر تل"، المليشيات قدرات غير مسبوقة في المجالات الاستخباراتية والعسكرية.
ووصل الأمر مؤخراً إلى تأسيس جهاز مخابرات مليشيات الحوثي فريق تجسسي تحت مسمى "أويل ألفا" مهمته بث برمجيات خبيثة للقادة العسكريين والأمنيين وعمال الإغاثة والمجال الإنساني في اليمن وخارجه، بحسب تقارير محلية ودولية متخصصة في الأمن السيبراني.
لهذا؛ كان لزاما على الحكومة اليمنية التحرك وضرب مليشيات الحوثي في أكبر القطاعات المنهوبة بعد أن حُولت منشآت "الاتصالات وتقنية المعلومات" إلى وكر للتجسس ووعاء لجني الأموال من طائلة الشعب.
وهو ما أكده نائب رئيس المجلس الرئاسي اليمني، العميد عبدالرحمن المحرمي، أن تفعيل الإنترنت الفضائي "ستارلينك" خطوة مهمة نحو تعزيز التنمية والتواصل في بلادنا، و"توفير خدمة أكثر أمانا"، إشارة إلى أن الخدمة التجارية كانت خياراً أمنياً ضرورياً في الوقت ذاته.
وأوضح المحرمي على منصة موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا)، إن الخطوة "تعكس تطلعنا لمستقبل مشرق يتكاتف فيه الجميع لبناء وطن مزدهر ومتصل بالعالم".
وأعرب عن "شكره وتقديره العميق للجهود المبذولة من قِبل جميع المعنيين في إنجاح هذا المشروع الحيوي "مؤكدا دعمه "التام لهذه التحولات الإيجابية التي تصب في مصلحة شعبنا".
من جهته، أكدت المؤسسة اليمنية للاتصالات في عدن وهي الوكيل الرسمي لتقديم خدمات الإنترنت الفضائي في البلاد أن "تفعيل خدمة ستارلينك "توفر إنترنت عالي السرعة وموثوقاً به للمناطق النائية والمدن، مما يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
أهمية خدمة ستارلينك
لا يعزل ستارلينك، خدمة الإنترنت عن رقابة مليشيات الحوثي في صنعاء، وتأمين الاتصالات العسكرية والأمنية، لكنه يفتح آفاق واسعة أمام التجار والطلاب بعد تخفيض رسوم باقاته مقارنة برسوم الخدمة الحوثية.
أمام الطلاب، يفتح النت الفضائي، نوافذ إلكترونية للتعليم عن بعد وتمكين الطلاب حتى في مناطق مليشيات الحوثي من الالتحاق بالدراسة النظامية.
ووفقاً للقائم بأعمال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات في الحكومة اليمنية، واعد باذيب، فإن الخدمة تجعل البلد يستحق أن يستعيد ظهوره على الخارطة الرقمية لتعبيد طريق التطور ومواكبة التحول الرقمي ورسم المستقبل.
وأشار المسؤول اليمني وهو أيضا وزير التخطيط والتعاون الدولي إلى أن الحكومة المعترف بها دوليا "ستعمل عبر وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لاستعادة أهمية موقع بلادنا من خلال قطاع الاتصالات".
وكانت السفارة الأمريكية لدى اليمن هنأت اليمنيين بهذه الخطوة، ووصفتها بـ"الإنجاز"؛ لكون اليمن أول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بإمكانية الوصول الكامل إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية من ستارلينك.
وقال السفير الأمريكي، ستيفن فاغن، في تدوينة على موقع "إكس" إن "هذا الإنجاز يوضح كيف يمكن للتكنولوجيا أن تفتح فرصًا جديدة وتدفع عجلة التقدم".
ودلل فاغن على حديثه بتصريح سابق لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن أفاد خلاله بأن "التكنولوجيا تعمل على إعادة تشكيل الدبلوماسية وتحديد ملامح المستقبل".
خسارة ورقة استراتيجية
فضح ناشطون يمنيون ومختصون في مجال الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي، شائعات مليشيات الحوثي وأكاذيبها حول النت الفضائي ستارلينك، بعد خسارتها ورقة استراتيجية جردتها من أحد المخالب الذي ظلت تنهش به أجساد اليمنيين في الداخل والخارج.
ونفى الخبير التقني اليمني فاروق الكمالي وجود مخاطر لستارلينك، كما يروجه الحوثيون قائلاً إنه "إنترنت تجاري بمميزاته ومخاطره، لكنه مع المخاطر يعد أفضل وأكثر أمانا من الخدمة التي يحتكرها الحوثيون".
وأشار إلى أن "من عجز عن تحسين خدمة الإنترنت في اليمن سيُطلق كل المبررات لبث الخوف في نفوس الناس، حتى لا يفقد الإيرادات التي يجنيها من اليمنيين، مستغلا احتكاره للخدمة، في إشارة للحوثيين".
كما أن لهذه الخطوة أبعاد اقتصادية، بحسب الخبير الاقتصادي وفيق صالح، الذي تطرق لانزعاج الحوثيين، من دخول خدمة الإنترنت الفضائي وقال إن "هذا الانزعاج شيء متوقع، كون هذه الخطوة ستكسر احتكارهم لخدمة الإنترنت في اليمن، وستفقدهم ورقة استراتيجية في معركتهم مع الشرعية".
وأضاف صالح أن "إتاحة خدمة ستارلينك، بشكل رسمي، سيدفع بكافة القطاعات التجارية ورواد الأعمال والافراد إلى الاشتراك بهذه الخدمة؛ لسرعتها العالية؛ مما يفقد الخزينة الحوثية إيرادات مالية هائلة، تتحصلها المليشيات من المؤسسة العامة للاتصالات وشركة تيليمن المزود الوحيد للإنترنت في اليمن".