اختارت جماعة الحوثي المسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن على رأسها العاصمة صنعاء طريق التشدّد والتصعيد في مواجهتها مع منظمة الأمم المتّحدة وعدد من هيئات العمل الحقوقي والإنساني معرّضة سكان مناطق سيطرتها لخسارة الدور الحيوي الذي تقوم به تلك الهيئات في مساعدة سكان تلك المناطق على مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشونها من خلال ما تقدّمه لهم من مساعدات حيوية بعضها منقذ للحياة، فضلا عن الجهود الأممية الكبيرة في تهدئة الصراع المسلح القائم في اليمن ومحاولة إيجاد مخرج سلمي له.
وفي خطوة معاكسة للمناشدات الكثيرة للجماعة بإطلاق سراح الموظفين الأممين والإنسانيين المحتجزين لديها على خلفية تهم بالتجسّس يصفها كثيرون بالفضفاضة والمفتقرة للحجج والأدلّة، قرّر الحوثيون إحالة هؤلاء الموظفين على النيابة الجزائية ما يعني الإصرار على محاكمتهم التي تعني جعل مصائرهم رهن قضاء تتواتر التأكيدات بشأن عدم مهنيته وعدم استقلاله عن سلطة الأمر الواقع التي يفرضها الحوثيون في مناطق سيطرتهم بقوّة السلاح.
وجدّد رؤساء الكيانات المتأثرة بالخطوة الحوثية مطالبتهم بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين التابعين لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والبعثات الدبلوماسية المحتجزين لدى جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن “بصورة تعسفية”.
◄ احتجاز الموظفين امتداد للسياسات الخشنة للحوثيين والتي تقوم على إخضاع من يخالفها الرأي بالعنف والتخويف
وقال بيان مشترك للمنظمات الأممية والدولية “يساورنا قلق بالغ إزاء ما ورد بشأن إحالة سلطات الأمر الواقع الحوثية لعدد كبير من الزملاء المحتجزين تعسفا إلى النيابة الجزائية”، من بينهم ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة، اثنان من اليونسكو وواحد من مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذين تم اعتقالهم في عامي 2021 و2023”.
وأضاف البيان “ينتابنا حزن شديد إزاء تلقي خبر هذا التطور المبلغ عنه في الوقت الذي كنا نأمل فيه إطلاق سراح زملائنا”.
وأشار إلى أنّ “توجيه اتهامات محتملة ضد المحتجزين أمر غير مقبول ويطيل فترة احتجازهم دون أي تواصل والذي عانوا منه بالفعل”.
ومن بين موقعي البيان شخصيات دولية وازنة مثل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس والمديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو أودري أزولاي ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك والمدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام الدولية أميتاب بيهار.
وأوضح ذات البيان أن هذا القرار “يثير مخاوف جدية بشأن سلامة وأمن الموظفين المحتجزين وأسرهم، وسيعيق بشكل أكبر قدرة المنظمات على الوصول إلى ملايين الناس في اليمن الذين هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية، الأمر الذي ينعكس سلبا على سلامتهم ووضعهم”.
وشدد على أنه “يجب إيقاف استهداف العاملين في المجال الإنساني في اليمن بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والتخويف وسوء المعاملة والادعاءات الباطلة، كما يجب الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين”.
وذكر البيان أن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والشركاء يعملون عبر جميع القنوات الممكنة ومع حكومات متعددة لضمان إطلاق سراح هؤلاء المحتجزين.
◄ الحوثيون قرّروا إحالة الموظفين الدوليين على النيابة الجزائية ومحاكمتهم ما يجعل مصائرهم رهن قضاء تتواتر التأكيدات بشأن عدم استقلاله
وفي يونيو الماضي، اعتقل الحوثيون ثلاثة عشر موظفا من الأمم المتحدة بينهم ستة يعملون في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العاصمة صنعاء، إضافة إلى أكثر من خمسين موظفا في منظمات غير حكومية وآخر في إحدى السفارات، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول الحوثيون إنهم اعتقلوا أعضاء في “شبكة تجسس أميركية – إسرائيلية” يعملون تحت ستار منظمات إنسانية، وهي تهمة نفتها الأمم المتحدة بشكل قاطع.
وهناك موظفان في مكتب المفوضية محتجزان في مكان مجهول أحدهما منذ نوفمبر 2021 والآخر منذ أغسطس 2023.
ومطلع أغسطس الماضي اقتحم الحوثيون مكتب المفوضية وصادروا مفاتيحه واستولوا على وثائق وممتلكات، قبل أن يسلّموه في وقت لاحق من الشهر نفسه.
ويقول متابعون للشأن اليمني إنّ عملية احتجاز الموظفين جاءت متّسقة مع السياسات الخشنة للحوثيين والتي تقوم على محاولة إخضاع كل من يخالفها الرأي ولا يخدم توجّهاتها باستخدام مختلف أساليب الضغط والتخويف.
وعلى مدى سنوات الصراع الدائر في اليمن منذ غزو جماعة الحوثي لعاصمته وسيطرتها على عدد من مناطقه قبل عشر سنوات، أظهرت الأمم المتحدة مرونة كبيرة في التعامل مع الجماعة وحافظت على التواصل معها بشكل منتظم واعتبرتها طرفا مؤهلا للمشاركة في صنع السلام ورعت على أساس ذلك عمليات التفاوض بينها وبين السلطات الشرعية اليمنية المدعومة بقوة من المملكة العربية السعودية، والتي أفضت إلى تحقيق قدر من النجاح بالتوصّل إلى هدنة والاتفاق على تبادل دفعات من الأسرى.
ويعتبر عمل الوكالات الإنسانية أساسيا في أفقر دول شبه الجزيرة العربية إذ يعول أكثر من نصف اليمنيين البالغ عددهم حوالي ثلاثين مليون نسمة على المساعدات.