أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في عام 2021 أن "هذه الحرب يجب أن تنتهي"، عندما جمد الدعم العسكري الهجومي الأمريكي لحرب السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
هدأت الحرب في اليمن عندما وافق حلفاء السعودية اليمنيون على هدنة بوساطة الأمم المتحدة مع الحوثيين في شهر أبريل 2022.
لم يبرح المسؤولون الحوثيون من زيارة الرياض للحديث عن تسوية دائمة للحرب حتى بدأوا بمهاجمة سفن الشحن الدولية في البحر الأحمر.
أثارت تلك الهجمات صراعا يمنيا أكثر تعقيدا، وجرت الولايات المتحدة بشكل حثيث إلى البلد الممزق أكثر من أي وقت مضى.
وفي شهر أكتوبر 2024، قصفت قاذفات أمريكية من طراز "B-2" منشآت لتخزين الأسلحة في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وأكدت الضربات على انخراط الولايات المتحدة بشكل كبير في اليمن منذ أن بدأ الحوثيون بمهاجمة إسرائيل والسفن في البحر الأحمر بعد الهجمات التي قادتها حماس، في السابع من أكتوبر 2023، على جنوب إسرائيل، فيما يقولون إنه تضامن مع الفلسطينيين المحاصرين.
وقالت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، لموقع "ميدل إيست آي": إن إدارة بايدن عالقة في مسعى لربط الإبرة بين خيطين متعارضين.
وأضافت فاكيل أن "إنهاء الحرب في اليمن وحماية حرية الملاحة أمر متناقض إلى حد ما؛ لأن إنهاء الحرب عمليا سيزيد من إضفاء الطابع المؤسسي على الحوثيين".
مثل اليمن نقطة ضعف مبكرة في نهج بايدن تجاه الشرق الأوسط.
فدعم الولايات المتحدة لحرب المملكة العربية السعودية على اليمن، الذي يعود إلى زمن إدارة أوباما، أغضب الديمقراطيين التقدميين.
جعل بايدن إنهاء الحرب هدفا للحملة، وذلك في السباق الرئاسي لعام 2020 مع الرئيس السابق دونالد ترامب، غير أنه عندما وصل إلى البيت الأبيض أثار انتقاده حملة القصف السعودية غضب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.
أثار قرار الولايات المتحدة بتعليق عمليات نقل الأسلحة الهجومية إلى شريكتها الغنية بالنفط، وسحب أنظمة الدفاع الجوي من المملكة، التي كانت ما تزال تعترض هجمات الحوثيين، شكوك المملكة العربية السعودية في التزام الولايات المتحدة بأمنها.
عقدت الأمم المتحدة وساطة لوقف إطلاق النار في حرب اليمن في شهر أبريل 2022، وأمضت إدارة بايدن العامين التاليين في إصلاح العلاقات مع السعودية.
إحدى الطرق، التي أعاد بها البيت الأبيض إحياء العلاقات، هي بدء مفاوضات لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن تلك المحادثات أثارت قلق حماس لدرجة أنها ساهمت في قرار الحركة بشن هجمات 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل.
وقال مسؤول عربي كبير سابق لموقع ميدل إيست آي: "سياسة بايدن في اليمن حددت في الواقع مسار الكثير من تصرفات أمريكا في الشرق الأوسط في السنوات الأربع الماضية"، مضيفا أن "أنظار الجميع ستتجه إلى كيفية تعامل الإدارة المقبلة مع الحوثيين".
- الحوثيون يركبون الموجة
الحوثيون هم أحد أعضاء ما يسمى ب"محور المقاومة"، الذي رعته إيران لتحدي المجازفات الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط.
وتتمتع طهران بدرجات متفاوتة من التأثير على هذا المحور، وليس كل أعضائه متساوون في السلطة والهيبة.
وتتلقى حماس، وهي حركة إسلامية سنية وحركة وطنية فلسطينية، دعما من طهران. وتنسق جماعات أخرى، مثل المليشيات الشيعية في العراق، بشكل وثيق، مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
يعد حزب الله اللبناني هو القوة الأولى للمحور. وساعدت قواته ميدانيا إلى جانب الدعم الجوي الروسي في تحويل دفة الحرب الأهلية في سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد.
تفاخر قادة حزب الله علنيا بالأموال التي أغدقتها إيران عليهم، مما ساعد الحزب على إنشاء نظام نفوذ وخدمات اجتماعية واسعة في لبنان. حتى إن أبناء كبار قادة «حزب الله» تزاوجوا مع عائلات أصحاب النفوذ الإيرانيين.
ومايزال ابن الرجل الثاني في قيادة حزب الله، الذي قتل مؤخرا، متزوجا من ابنة القائد الإيراني الذي اغتيل قاسم سليماني.
وقال مسؤول أمريكي كبير: إن "ما يمكن أن تفعله روسيا وإيران للحوثيين هو إنشاء قنوات بديلة".
بدأ كل عضو في محور المقاومة مهاجمة إسرائيل، بعد السابع من أكتوبر 2023، فيما قالوا إنه دعم للفلسطينيين المحاصرين في غزة، حيث يتجاوز عدد القتلى من الهجوم الإسرائيلي حتى الآن 43000، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ولا تزال إسرائيل بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها المتمثل في "النصر الكامل" على المحور، إذ كان شهر أكتوبر أكثر الشهور دموية بالنسبة للقوات الإسرائيلية التي تقاتل في غزة ولبنان منذ بدء الحرب.
وفي الوقت نفسه، تلقت إيران ومحور مقاومتها عدة ضربات. حققت إسرائيل ما يسميه المحللون ب"السيطرة على التصعيد" من خلال ضرب طهران وبيروت، دون أن تدفع تل أبيب أو القدس ثمنا مقابلا.
واغتالت إسرائيل زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران في شهر يوليو، وزعيم حزب الله، حسن نصر الله، في بيروت في شهر سبتمبر.
وفي أواخر شهر أكتوبر، عطلت إسرائيل الكثير من أنظمة الدفاع الجوية الإيرانية المتطورة عندما شنت ما وصفته بضربات انتقامية.
ومع ذلك، لم يتأثر الحوثيون بنوع الاغتيالات البارزة التي تعرض لها أعضاء آخرون في محور المقاومة. إنهم يوسّعون من قوتهم بطريقة تتحدى الولايات المتحدة في ممر تجاري حيوي.
ويقول محللون إن دحر الحوثيين سيكون على رأس قائمة أولويات الإدارة الأمريكية المقبلة.
- سياسة الرئيس القادم
أدى التعامل مع الخطر الحوثي إلى انفصال مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية والولايات المتحدة عن شركائها العرب.
وفي أواخر العام الماضي، بدأت الولايات المتحدة في مرافقة السفن في البحر الأحمر. وفي شهر يناير من هذا العام، أذن البيت الأبيض بشن ضربات ضد الحوثيين.
عندما توجهت إدارة بايدن للبحث عن شركاء محليين للانضمام إلى مهمتها، التي أطلق عليها اسم "عملية حارس الازدهار"، انضمت دولة البحرين فقط.
ويقول محمد الباشا، وهو خبير في الشأن اليمني: "إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه سيدعم ضربات أكثر قوة ويعيد تصنيف الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية".
ومن المرجح أن يواجه الرئيس الأمريكي المقبل ضغوطا من مسؤولي الدفاع لتوسيع العمليات ضد الحوثيين.
وقال فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، لموقع "ميدل إيست آي"، إن الحوثيين ادخلوا إدارة بايدن في مأزق؛ لأنها تفتقر إلى "الإرادة السياسية" لاستخدام قوة نيران أثقل ضدهم.
وأضاف قائلا: "لقد انتصر الحوثيون.. لقد فشلنا.. إنهم يسيطرون على باب المندب"، في إشارة إلى المضيق الواقع جنوب البحر الأحمر بين اليمن والقرن الأفريقي. "وعاجلا أم آجلا، سيحالفهم الحظ، ويقتلون أفراد الخدمة الأمريكية هناك"، غير أن مسؤولين آخرين يشككون في توسع الصراع.
وقال جيرالد فايرستاين، السفير الأمريكي السابق إلى اليمن في ظل إدارة أوباما، لموقع "ميدل إيست آي"، إن الطريقة الأكثر مباشرة للولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين هي تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة.
وأضاف فايرشتاين لموقع ميدل إيست آي، بالقول: "إذا انتهت تلك الحرب، فإن سبب الحرب سيختفي. سيكون من الصعب على الحوثيين تبرير هجماتهم".
وأشار فايرشتاين إلى أن هجمات الحوثيين هدأت، خلال هدنة قصيرة بين حماس وإسرائيل في شهر نوفمبر، عندما تم إطلاق سراح الرهائن في غزة.
ويقول إن وقف إطلاق النار سيسهل على الولايات المتحدة إقناع شركاء مثل مصر والمملكة العربية السعودية بفرض عقوبات مالية على جماعة الحوثي، بالإضافة إلى تنسيق الجهود لوقف تدفق الأسلحة إلى الجماعة التي تعبر البحر الأحمر وسلطنة عمان، كما يقول مسؤولون غربيون وأمريكيون.
وفي شهر يناير الماضي، تراجع بايدن جزئيا عن قراره برفع تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
وردا على هجماتهم البحرية، ووصف الجماعة بأنها "منظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص"، لكنه لم يصل إلى حد إعادة تسميتها ك"منظمة إرهابية أجنبية"، كما كانت عليه في عهد ترامب، وهو تصنيف أكثر صرامة.
ومن شأن هذه التسمية أن تصعب من تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لليمن الذي مزقته الحرب.
"إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فسوف يأتي ويدعم التحالف المناهض للحوثيين في كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط. سيدعم ضربات أكثر قوة ويعيد تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية"، كما قال محمد الباشا، الخبير اليمني، لموقع ميدل إيست آي.
وأضاف باشا إن "إدارة هاريس ستقع على الأرجح في المعسكر البراغماتي، المتمثل في التصعيد التدريجي مع الحوثيين. ومن المرجح أن تكون إدارة هاريس محاطة بجهات مؤثرة أكثر حذرا، التي ستقوم بالتشكيك في فعالية الضربات وتصنيفها في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية".
وتابع: "يقول هؤلاء البراغماتيون إن لدينا عقدا من العقوبات والضربات والعمليات البرية، وأن الحوثيين يزدادون قوة."
وأوضح الباشا: "إن تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية سيمنع الشركات التجارية من استيراد المواد الغذائية، ولن تؤذي الحوثيين عمليا؛ لأن الحوثيين أنشأوا هياكلهم المالية الموازية وشبكتهم غير المرتبطة بالعالم الغربي".
هذا النمط من التفكير سوف يتردد صداه مع فريق السياسة الخارجية لهاريس، وفقا لمسؤول أمريكي سابق على اتصال بحملتها.
وفيليب جوردون، مستشار الأمن القومي لهاريس، هو مؤلف كتاب "خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الكاذب بتغيير النظام في الشرق الأوسط"، وهو كتاب يشكك في قدرة الولايات المتحدة على تشكيل التغييرات في العواصم الأجنبية.
غير أن إدارة ترامب المستقبلية ستنقسم أيضا بين صقور إيران؛ مثل وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، والمثبطين من جدوى التورط في الشرق الأوسط من ذوي شعار "أمريكا أولا"، ويقودهم مرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس.
بررت إدارة بايدن عملها العسكري ضد الحوثيين بالاستناد إلى المادة الثانية من الدستور الأمريكي، التي تسمح للرئيس باستخدام القوة العسكرية دون موافقة الكونغرس. وقد انتقد بعض أعضاء الكونغرس هذا المنطق.
وبالرغم من أن المشرعين لم يفعلوا شيئا يذكر لكبح جماح العمليات الأمريكية، إلا أن الإدارة الجديدة قد تواجه رقابة إذا وسعت نطاق الضربات.
كما يشعر شركاء الولايات المتحدة -الخليجيون- بالقلق من المشاركة في أي حرب جديدة في اليمن.