وضعت العودة القوية والمتسارعة لوباء الكوليرا إلى محافظة تعز، اليمنَ على أعتاب كارثة صحية خطرة لا يمتلك البلد وسائل مواجهتها بسبب أوضاعه الاقتصادية والمالية المعقدة، وقلة إمكانيات قطاعه الصحي المتضرر بشدة من ظروف عدم الاستقرار القائمة منذ مطلع العشرية الماضية والتي فاقمتها الحرب التي فجرّها الحوثيون قبل أكثر من عشر سنوات.
وكشف مسؤول صحي يمني الخميس عن تزايد مخيف للوباء في المحافظة الواقعة بجنوب غرب اليمن، حيث يتم رصد العشرات من الإصابات بالمرض بشكل يومي.
وأفاد مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بتعز تيسير السامعي بأن السلطات الصحية رصدت 48 حالة وفاة بالكوليرا في المحافظة منذ مطلع العام الجاري وسط تزايد ملحوظ في حالات الإصابة بالمرض. وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية أنه تم أيضا رصد قرابة ثمانية آلاف إصابة بالكوليرا في المحافظة خلال الفترة ذاتها. ولفت إلى أن المرض يواصل الانتشار بشكل مخيف، حيث يتم رصد قرابة 40 حالة إصابة به في محافظة تعز بشكل يومي.
وأوضح أن وباء الكوليرا أصبح بمثابة كارثة صحية تفوق قدرات السلطات الصحية التي تواجه صعوبات في تمويل مشاريعها لمواجهة الأوبئة.
وناشد المتحدث المنظمات الدولية خصوصا منظمة الصحة العالمية التدخل السريع لدعم السلطات الصحية اليمنية من أجل السيطرة العاجلة على انتشار وباء الكوليرا، محذرا من أن “حالات الكوليرا في تزايد ملحوظ، بينما قدرات السلطات الصحية منفردة لا تستطيع التعامل مع هذا الانتشار الواسع للمرض.”
وتعد تعز أكبر المحافظات اليمنية سكانا، وتواجه حصارا مستمرا يفرضه الحوثيون على أهم منافذها منذ عشر سنوات.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن بشكل عام من نقص حاد في التمويل، ما جعل معظم سكان اليمن في حاجة إلى مساعدات طبية، وفق تقارير أممية.
ولا تقتصر متاعب القطاع الصحي في اليمن على قلة الوسائل المتاحة له محليا، لكنّها تشمل أيضا تناقص المساعدات الدولية المقدمة له والتي لعبت على مدى سنوات الحرب دورا حاسما في الحفاظ على تقديم مستوى مقبول من الخدمات الوقائية والعلاجية للسكان.
ويرجع التناقص بشكل أساسي إلى شحّ التمويل الخارجي وتراجع الهبات المقدمة من عدّة أطراف، وكذلك إلى تعقيدات ومشاكل تواجهها منظمات أممية ودولية بسبب اعتداءات جماعة الحوثي على موظفيها وطواقمها وصولا إلى اعتقالهم واتهامهم بالتجسّس لمصلحة جهات معادية للجماعة.
◄ ثمانية وأربعون حالة وفاة بالكوليرا في تعز منذ مطلع العام الجاري وثمانية آلاف إصابة بالمرض في الفترة نفسها
ويلخص تناقصَ اهتمام المانحين بالأزمة الصحية والإنسانية في اليمن فشلُ مؤتمر انعقد قبل أشهر في بروكسل في جمع المبلغ المطلوب للاستجابة لتك الأزمة واكتفائه بالحصول على وعود بربع المبلغ المقدّر من قبل الأمم المتّحدة بـ2.7 مليار دولار.
وفي ظل أزمات مالية واقتصادية متلاحقة تواجه على وجه الخصوص السلطة اليمنية المعترف بها دوليا عاد اليمن مؤخرّا ليسجّل تفشّي أمراض وأوبئة بين أعداد متزايدة من سكانه يفترض أنّه تم التغلب عليها والاقتراب من إنهاء وجودها بشكل كامل في البلد منذ سنوات.
وحذَّرت منظمتان أمميّتان في وقت سابق من أن اليمن لا يزال يواجه تفشي فايروس شلل الأطفال المتحور، حيث تم الإبلاغ عن 273 حالة على مدى السنوات الثلاث الماضية في ظل انخفاض معدلات التحصين.
وذكرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف أنّ البيانات تظهر أن شلل الأطفال لا يزال يهدد حياة الكثير من الأطفال في اليمن، حيث إنه قد يسبب الوفاة أو شللا دائما لا علاج له، لكن الوقاية منه ممكنة بالتطعيم، ونبهتا إلى أن ذلك يأتي في وقت يواجه فيه أطفال اليمن تفشي أمراض أخرى مثل الكوليرا والدفتيريا وسوء التغذية.
ولا تشمل الكثير من الإحصاءات المتعلّقة بتفشي الأوبئة في اليمن مناطق سيطرة الحوثي التي يعاني السكان فيها أوضاعا صحية لا تقل تعقيدا عن مثيلتها في المناطق التابعة لسلطة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وتهدم عودة الأوبئة إلى اليمن جهودا كبيرة وطويلة الأمد بذلتها الدولة في مواجهتها خلال سنوات الاستقرار النسبي التي انتهت تقريبا مع بداية العشرية الماضية، وحلّت محلّها الاضطرابات والحروب التي ما تزال متواصلة إلى الآن ملقية بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكّان، ومتسببة في تراجع مهول لكمّ ومستوى الخدمات العامة المقدمة لهم من صحّة وتعليم وغيرها.
ولفتت المنظمتان إلى أنّ البلد ظل خاليا من شلل الأطفال حتى عام 2020 حيث انخفضت معدلات التحصين الوطنية ضده من 58 في المئة في عام 2022 إلى 46 في المئة في عام 2023 بسبب هشاشة النظام الصحي والأزمة الاجتماعية والسياسية والأمنية.