مواقف مفتي سلطنة عمان من جماعة الحوثي غير المتسقة مع مواقف غالبية دول المنطقة والعالم من الجماعة وتصرفاتها، لا تتوافق أيضا مع الموقف الرسمي للسلطنة والقائم على التوازن الضامن لدور الوسيط الناجح، ولذلك فهي أقرب إلى التعبير الفردي عن الرأي والخطاب العاطفي المراعي لميول الرأي العام وغير الملزم للدولة.
مسقط- خلا موقف جديد لمفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي من جماعة الحوثي، من الحذر والتحفظ المطلوبين في التعاطي مع تصرّفات الجماعة وما قد ينجم عنها في قادم الأيام من تداعيات خطرة ناتجة عن تطورات المنطقة وتبدلات المشهد السياسي الدولي، وخصوصا مجيء إدارة أميركية جديدة يتوقّع أن تكون أكثر صرامة من سابقتها في مواجهة الحوثيين وداعميهم من منظمات ودول وأفراد.
وكرّر الخليلي موقفه الإيجابي من الحوثيين وجدّد ثناءه على استهدافهم لخطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وقصفهم بالصواريخ والطائرات المسيرة لمواقع داخل إسرائيل، مخالفا بذلك الموقف المتحفظ لبلاده على تلك التصرفات، والمواقف السلبية منها والصادرة عن دول إقليمية وقوى عالمية انخرط بعضها بالفعل في مواجهتها بالقوة العسكرية، وتحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا الشريكتين في تحالف حارس الازدهار المضاد لجماعة الحوثي.
ووصف المفتي الحوثيين بالمغاوير والأبطال الذين “لقنوا الصهيونية ومن وراءها دروسا لن ينسوها.”
وقال الشيخ في منشور عبر صفحته على منصة إكس “لله در مغاوير اليمن الأبطال، الذين واجهوا قوى الاستكبار بعزيمة تفت الصخر الصلاد، وتهد الشم الرواسي؛ فقد لقنوا الصهيونية ومن وراءها دروسا لن ينسوها بجانب ما ينصب عليهم من الويل من حزب الله وجنوده الأبطال، وما لقوه من غزة العزة وشباب الضفة الغربية المحتملة من الموت الزؤام”، مضيفا “كل ذلك اجتمع عليهم الآن فأفاق العالم على تضحيات لم يعرفوا لها نظيرا.”
كما أورد في منشوره قوله “تلك إرادة الله تعالى الذي يصرِّف الأقدار كما يشاء؛ وتلك سنّته في خليقته.”
وشنّ في المقابل هجوما غير مباشر على خصوم الجماعة ومنتقدي سياساتها وتصرّفاتها ناعتا إياهم بالخيانة والجبن وداعيا عليهم “لا نامت أعين الجبناء ولا قرَّت أعين الخونة الذين باعوا ضمائرهم فابتغوا العزة من عند غير الله تعالى.”
ولا تبدو هذه المواقف متّسقة مع الموقف الرسمي للدولة العمانية الذي يتعين على المفتي الالتزام به باعتباره رئيسا لإحدى مؤسساتها، وهو موقف لطالما بني على الحياد والتوازن اللذين أهّلا السلطنة لتكون وسيطا في الكثير من الملفات المعقّدة ومن بينها ملف الصراع اليمني بحدّ ذاته والذي يحضر الحوثيون كطرف رئيسي فيه جنبا إلى جنب خصومهم الممثلين بالشرعية اليمنية المدعومة بقوّة من قبل الجارة الكبيرة لعمان المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من احتفاظ السلطنة بعلاقات جيّدة مع الحوثيين وداعمتهم إيران إلاّ أنّها لا تعبّر عن مواقف صريحة مساندة لهم ولحربهم على خطوط الملاحة تحت يافطة دعم غزّة وحركة حماس الفلسطينية، مراعية في ذلك موقف السعودية وبلدان إقليمية إخرى شديدة الامتعاض من تلك السلوكات المهدّدة بجر اليمن والمنطقة إلى درجة أخطر من التصعيد.
◄ موقف المفتي لا يراعي تبدلات المشهد الدولي وخصوصا مجيء إدارة أميركية جديدة أكثر صرامة من سابقتها
ويتبع مكتب الإفتاء في عُمان لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي من مهامّها الإشراف على المساجد وتوجيه عملية الوعظ والإرشاد ومراقبة المصنفات والمطبوعات الدينية.
لكن هذا الدور الرقابي شهد مؤخّرا بعض التساهل ما جعل بعض المنابر تخرج من مجرّد إظهار الدعم لسكّان القطاع من منطلق ديني إلى فتح باب الدعاية لنوع من الخطاب الجهادي تبعا للظرف القائم في لبنان وغزّة وعموم فلسطين.
ويخشى منتقدو ظاهرة الخلط بين التعاطف المشروع مع الفلسطينيين وفتح باب الدعاية لحركات مثل الحوثيين وحزب الله وحركة حماس أن تتحوّل المنابر الدينية في عمان إلى منفذ تتسلّل منه جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها الحركة، إلى السلطنة، خصوصا وأنّ للجماعة سوابق كثيرة في محاولات التسلل إلى المجتمعات الخليجية فشلت في أغلبها نتيجة لقوّة الدولة واستقرارها.
ويقول متابعون للشأن العماني إنّ المفتي يتمتّع بفعل السلطة الدينية التي يمثّلها بهامش من حرّية الرأي والتعبير يبدو أنّه يستخدمها في إصدار مواقف على خلفية دينية بالأساس لا تلزم بالضرورة السلطنة التي تحاول الإبقاء على توازن مواقفها ما يؤهلّها لمواصلة دور الوسيط الموثوق به وخصوصا من قبل السعودية التي تعوّل على الوساطة العمانية في الدفع بحلّ سلمي للصراع اليمني.
◄ الخليلي كرّر موقفه الإيجابي من الحوثيين وجدّد ثناءه على استهدافهم لخطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن مخالفا بذلك الموقف المتحفظ لبلاده
ويتطّرق هؤلاء إلى جانب آخر في مواقف الخليلي قد لا يخلو من براغماتية، ويتمثّل في كون “النفس الثوري” في تلك المواقف يساعد في إيجاد متنفّس يتمّ من خلاله التعبير عن مشاعر المجتمع العماني الذي يغلب عليه الطابع المحافظ، والمعروف بمساندته للفلسطينيين وقضيتهم من منطلقات أغلبها دينية وعقائدية.
وسبق للخليلي أن رحب بشكل صريح بتعرّض الحوثيين لخطوط الملاحة قائلا عبر منصّة إكس “نشكر من أعماق قلوبنا وخالص طوايانا الشعب اليمني العربي الأصيل المسلم الشقيق على خطواته الإيجابية في تصديه للسفن الصهيونية، فقد قال وصدق ووعد فوفى فلله درّه”، وداعيا “الشعب اليمني الشقيق كلّه إلى الالتفاف حول هذا المبدأ الديني العظيم في مناصرة المظلومين والمضطهدين من أشقائنا.”
ويدعم الموقف الرسمي العماني القضية الفلسطينية دون أن يمنع ذلك مسقط من الاحتفاظ بصلات غير رسمية إلى حدّ الآن مع تل أبيب تصفها بعض المصادر بالقديمة والمتواصلة والمتطورة وقد خرجت إلى العلن على الأقل في مناسبة واحدة لكنّها لافتة وتمثّلت في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سنة 2018 إلى السلطنة حيث استقبل من قبل السلطان الراحل قابوس بن سعيد.