نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً أعدّه تشارلز كلوفر وأندرو إنغلاند وكريستوفر ميلر قالوا فيه إن شركةً غامضة مرتبطة بالحوثيين في اليمن تقوم بخداع اليمنيين للانضمام إلى الحرب في أوكرانيا.
وجاء في التقرير أن القوات الروسية جنّدت مئات من المقاتلين اليمنيين للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا، من خلال عملية نقل غامضة تلقي الضوء على العلاقة المتزايدة بين روسيا وحركة الحوثيين، التي تحكم شمال وغرب اليمن.
ونقلت الصحيفة عن اليمنيين الذين سافروا إلى روسيا قولهم إنهم وصلوا إلى هناك بعد وعود برواتب عالية، وحتى الحصول على الجنسية الروسية. ولكنهم عندما وصلوا بمساعدة شركة مرتبطة بالحوثيين تم تدريبهم بقوة في الجيش الروسي ونُقلوا إلى الجبهات مع أوكرانيا.وتعلق الصحيفة بأن ظهور المقاتلين كمرتقة من الجماعة اليمنية، وإن بطريقة غير طوعية في الجبهات الأوكرانية، يكشف عن الكيفية التي أصبح فيها النزاع مكلفاً لروسيا ومحاولة الكرملين الدعوة للتجنيد العام.
وتضمّ جماعات المرتزقة مقاتلين من نيبال والهند و12,000 من الجنود الذين أرسلتهم كوريا الشمالية للمشاركة في عملية استعادة منطقة كورسك الروسية.
كما أن وصول المقاتلين اليمنيين، وإن بأعداد قليلة، يظهر الكيفية التي أصبحت فيها روسيا قريبة من إيران والجماعات المؤيدة لها في الشرق الأوسط، وبدافع معاداة الغرب. واستطاع الحوثيون، الذين تدعمهم إيران، عرقلة خطوط الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر تضامناً مع غزة، في العام الماضي.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله إن التقارب بين الكرملين والحوثيين، وهو أمر كان مستحيلاً قبل حرب أوكرانيا، هو إشارة عن استعداد روسيا لتوسيع الحرب إلى ميادين حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وأكد المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيموثي ليندركينغ، نشاطات روسيا للتواصل مع الحوثيين ومناقشة نقل الأسلحة، مع أنه رفض تقديم تفاصيل أخرى. وقال: “نعرف عن وجود روس في صنعاء يساعدون على تعميق الحوار”، و”طبيعة الأسلحة التي يتم النقاش حولها مثيرة للقلق، وستساعد الحوثيين على استهداف السفن في البحر الأحمر بطريقة جيدة، وربما أبعد منه”.
ونقلت الصحيفة عن ماجد المذحجي، مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث متخصص بشؤون اليمن، قوله إن روسيا مهتمة “بأي مجموعة في البحر الأحمر، أو الشرق الأوسط، تكنّ العداء للولايات المتحدة”. وأضاف أن الحوثيين قاموا بتنظيم عملية المرتزقة من أجل بناء علاقات أفضل مع روسيا.
ولم يرد متحدث باسم الحوثيين، أو “أنصار الله”، على أسئلة الصحيفة للتعليق. لكن عضو المكتب السياسي في حركة “أنصار الله”، محمد البخيتي، أخبر، هذا الشهر، موقع “ميدوزا” الروسي أن حركته “على تواصل مستمر” مع القيادة الروسية.
وعلّق فارع المسلمي، الخبير في شؤون الخليج بـ “تشاتام هاوس” في لندن، أن القلق من المرتزقة اليمنيين أنه ليس لديهم خبرة أو تدريب عسكري، ولا تريد غالبيتهم أن تكون هناك. وقال: “إن أحد الأشياء التي تريدها روسيا هي الجنود، ومن الواضح أن الحوثيين يقومون بالتجنيد” لها. وأضاف أن “اليمن مكانٌ سهل للتجنيد، وهو بلد فقير”.
واطلعت الصحيفة على عقود روسية وقّعها يمنيون أُرسلوا إلى أوكرانيا، وورد فيها شركة أنشأها عبد الحسن الجبري، وهو سياسي حوثي معروف. والشركة مسجلة في صلالة بعُمان. وبحسب التسجيل فهي شركة سياحة وسفر وتوفير المعدات الطبية والأدوية. وتعتقد الصحيفة أن عملية التجنيد بدأت، على ما يبدو، في تموز/يوليو. ورأت الصحيفة عقدَ تجنيد مؤرخاً في 3 تموز/يوليو، وتم توقيعه من قبل مدير مركز اختيار الجنود المتعاقدين في مدينة نيجني نوفوغورود.
وقدّر أحدُ المجنّدين، واسمه نبيل، تَواصَلَ مع الصحيفة من خلال الرسائل النصية، عددَ المجندين اليمنيين بحوالي 200 شخص، ألحقوا بالجيش الروسي بعد وصولهم إلى روسيا، في أيلول/سبتمبر. ومن بين هؤلاء مقاتلون لديهم تجربة في القتال، أما البقية فبدون تدريب.
وتم خداع هؤلاء للتوقيع على عقود لا يستطيعون قراءتها، كما يقول نبيل (وهذا ليس اسمه الحقيقي). وأضاف أنه خُدع بوعود الحصول على وظيفة في قطاع الأمن والهندسة والحصول على مبلغ يساعده على مواصلة دراسته. وبعد أسابيع علق في الغابة مع أربعة يمنيين وصلوا قبل فترة، وكانوا يرتدون الزي العسكري الروسي، ووجوههم مقنعة.
وقال أحد الرجال، في مقطع فيديو، تم مشاركته مع صحيفة “فايننشال تايمز”: “نحن تحت القصف، الألغام والطائرات بدون طيار، وحفر المخابئ”. مضيفاً أن أحد زملائه حاول الانتحار، وتم نقله إلى المستشفى.
وقال الرجال في الفيديو إنهم كانوا يحملون ألواحاً خشبية في داخل غابة ملغمة، لبناء ملجأ على ما يبدو، و”لم نحصل على دقيقة للراحة، ونحن متعبون”.
وفي رسالة ثانية أرسلت بعد أيام قالوا فيها إنهم بدون ملابس شتوية. وقال عم نبيل الذي يعيش في بريطانيا إن ابن أخيه جُرح، وفي المستشفى، لكنه لم يقدم تفاصيل أخرى.
وقال يمني آخر، واسمه عبدالله، بأنه وُعد بعلاوة 10,000 دولار، وراتب شهري بـ 2,000 دولار، وجنسية روسية، مقابل العمل في مصنع للمسيّرات بروسيا. وعندما وصل أُخذ مع آخرين بالقوة إلى مكان يبعد عن موسكو مسافة خمس ساعات، حيث قام رجل يتحدث عربية بسيطة بإطلاق النار من مسدسه فوق رؤوسهم ليجبرهم على توقيع عقد التجنيد بالروسية. وقال: “وقّعت لأنني كنت خائفاً”.
ثم وُضعوا في حافلات، ونُقلوا إلى أوكرانيا، ولم يتلقّوا سوى تدريب عسكري بدائي، ووُضعوا في قاعدة عسكرية بروستوف، قرب الحدود مع أوكرانيا.
وقال إن عدداً من مجموعته الأصلية ماتوا نتيجة تجار بشر محتالين، و”كانت كذبة”.
ولم ترد شركة الجبري، واسمها “الجبري للتجارة العامة والاستثمارات”، على عدد من المكالمات الهاتفية من الصحيفة، كما أرسلت رسائل إلكترونية لبريدها المذكور في العنوان.
وقال المبعوث الأمريكي ليندركينغ إن الحوثيين أرسلوا وفدين رسميين على الأقل إلى موسكو، هذا العام، حيث التقوا بمسؤولين كبار في الكرملين مثل ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الكرملين إلى الشرق الاوسط .
وقال دبلوماسيون أمريكيون إن موسكو تقدّم مجموعة من المساعدات للحوثيين، بما في ذلك بيانات الاستهداف لبعض عمليات إطلاق الصواريخ، وكانت تناقش مبيعات الأسلحة، بما في ذلك صواريخ متقدمة مضادة للسفن، على الرغم من أن الخبراء يقولون إنه لا يوجد دليل على أن أي مبيعات للأسلحة قد تمت.
وقال ليندركينغ: “لقد رأينا تقارير تفيد بوجود مناقشات حول [الصواريخ المضادة للسفن]، وأنواع أخرى من المعدات الفتاكة التي من شأنها أن تزيد مما يستطيع الحوثيون فعله بالفعل”.
وفي ما يتعلق بتجنيد روسيا للمرتزقة اليمنيين، قال ليندركينغ إنه اطلع على تقارير، و”أود القول إن هذا الأمر يقلقنا بالتأكيد”. “إنه جزء من هذا التوجه، وليس بالضرورة مفاجئاً لنا”.
وعندما سألت الصحيفة السفير اليمني في موسكو أحمد سالم وحيشي، الذي يمثّل الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، أسئلة حول تجنيد الجيش الروسي لليمنيين أحالها إلى الملحق العسكري بالسفارة، الذي لم يرد على المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية.
وكان عبدالله واحداً من 11 يمنياً سُمح لهم بمغادرة روسيا إلى اليمن عبر عُمان، في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك بفضل جهود الاتحاد الدولي للمهاجرين اليمنيين، الذي مارس ضغوطاً على الحكومة اليمنية بعد احتجاجات عامة.
وقال علي الصباحي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد، “هذه قضية إنسانية توحّد جميع اليمنيين، بغض النظر عن الانتماء السياسي”.
وأكد أن مئات اليمنيين ما زالوا في روسيا. وقال: “نحن نتابع قضية إخراجهم من ساحات القتال”.