تلوح في اليمن فرصة جديدة لإعادة تحريك ملف الأسرى المجمّد بسبب خلافات فرقاء الصراع بشأنه.
وأعلنت جماعة الحوثي جاهزيتها لعقد صفقة تبادل شاملة مع الحكومة اليمنية.
وجاء ذلك امتدادا لما تبديه الجماعة من نزوع نحو التهدئة مع الفرقاء المحليين وداعميهم الإقليميين، يربطه مراقبون باستعداداتها لمتغيرات قادمة في السياسة الدولية تجاهها قد تكون مؤثرة على وضعها. ويشير هؤلاء إلى اهتمام الحوثيين وكذلك داعمتهم إيران بالتغيير الكبير الذي حدث في الإدارة الأميركية بعودة دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة وما قد يحمله ذلك من تغيير في سياسة الولايات المتّحدة تجاه طهران وأذرعها في المنطقة من اللين والتساهل اللذين ميزا سياسة جو بايدن إلى الشدّة والحزم المميزين لسياسات ترامب.
وقال رئيس لجنة شؤون الأسرى الحوثية عبدالقادر المرتضى في حوار مع موقع “الثورة نت” التابع للجماعة “نحن جاهزون ومستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الأمم المتحدة دون قيد أو شرط، كما نعلن جاهزيتنا واستعدادنا للدخول في صفقة تشمل جميع الأسرى من كل الأطراف وبلا استثناء.”
حسين العزي: صنعاء والرياض قطعتا شوطا مهما على طريق السلام
ودعا “المشايخ والشخصيات الاجتماعية ممن لديهم القدرة في العمل كوسطاء محليين، إلى التحرك في هذا الملف لإنهاء معاناة الأسرى بأي طريقة.”
وجاء العرض الحوثي أياما قليلة بعد إعلان مسؤول آخر في الجماعة عن تحقيق جماعته تقدّما في السلام مع المملكة العربية السعودية.
وقال حسين العزي رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس السياسي للحوثيين إنّ صنعاء والرياض قطعتا “شوطا مهما على طريق السلام وتظهران تصميما تضامنيا مشتركا على إنجاز هذه الغاية النبيلة، ولذلك لن تسمحا لأي طرف فرعي داخل التحالف بمواصلة عرقلة هذا المسار.”
وأضاف في تعليق له عبر منصّة إكس “أعتقد أنّ من المهم أيضا أن تتخلى أميركا عن موقفها المعيق للسلام.”
وبدأت الولايات المتحدة تَظهر كهاجس في الخطاب السياسي للحوثيين الذين يبدو أنهم مثل داعمتهم إيران باتوا يستشعرون خطرا داهما باتجاههم مع وجود إدارة أميركية متشدّدة في موقفها من طهران وأذرعها وهو ما يتجلّى في نبرة التهدئة الذي باتت ملموسة في خطاب الطرفين الإيراني والحوثي تجاه الأطراف الإقليمية.
وتشكّك دوائر متابعة للشأن اليمني في جدية الحوثيين في الذهاب نحو السلام في اليمن، مؤكّدة أنّ الأمر مرهون بموقف إيران من ذلك والذي ستحدّده اتجاهات الأحداث والمتغيرات في المنطقة والعالم خلال الفترة القادمة.
وتساور إيران مخاوف جدية من المرحلة المقبلة وما قد تنتهجه الإدارة الأميركية الجديدة من سياسات متشدّدة حيالها سبق لطهران أن خبرت نماذج عنها في فترة رئاسة ترامب الأولى، ويبدو أنها دخلت في سباق مع الزمن وسرّعت من محاولة إرساء تهدئة إقليمية تجنّبها المزيد من الضغوط وذلك قبل أن يتمّ تسليم السلطة من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إدارة خلفه ترامب.
وانخرط الحوثيون بدفع من طهران في الصراع الدائر ضدّ إسرائيل وذلك باستهدافهم خطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في نطاق ما يقولون إنه دعم للفلسطينيين في الحرب الدائرة منذ أكثر من عام وخلفت دمارا كبيرا وخسائر بشرية هائلة في قطاع غزّة قبل أن تمتد مؤخرا إلى لبنان حيث حزب الله الذراع الأخرى لإيران في المنطقة.
د
ويتوقّع أغلب المراقبين أن لا تكون تصرفات الحوثيين مقبولة من قبل الإدارة الأميركية الجديدة مرجّحين أن تسلك نهجا أكثر شدّة إزاءهم.
ويمكن للمتغيرات الإقليمية والدولية أن تشمل بتأثيراتها ملف الأسرى العالق في متاهة المآرب السياسية رغم طبيعته الإنسانية الخالصة.
عبدالقادر المرتضى: جاهزون لتبادل يشمل جميع الأسرى من كل الأطراف
ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مطلع الشهر الجاري إلى تنفيذ عمليات إفراج جديدة عن الأسرى في اليمن. وفي يوليو الماضي استكملت الحكومة اليمنية مع جماعة الحوثي مشاورات في مسقط بالاتفاق على تبادل قوائم الأسرى من الجانبين واستئناف المفاوضات بعد شهرين من ذلك التاريخ.
ولم يتم حتى الآن استئناف المشاورات بشأن الملف وسط اتهامات متبادلة بين طرفي النزاع حول المسؤولية عن عرقلة التقدم في حلّ هذه القضية الإنسانية.
وكانت الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي قد نفذتا قبل أكثر من سنة ونصف السنة صفقة تبادل تم بموجبها إطلاق سراح نحو 900 أسير ومحتجز من الجانبين، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة بعد مفاوضات جرت في سويسرا.
ولا يُعرف بدقة عدد الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين حاليا لكن خلال مشاورات في ستوكهولم عام 2018 قدّم وفدا الحكومة وجماعة الحوثي قوائم بأكثر من 15 ألف أسير ومحتجز.
وأشار المرتضى إلى أنّ “المفاوضات جارية بشكل مستمر من خلال التواصل واللقاءات المباشرة مع مكتب المبعوث الأممي، إلا أنه لم يحصل أي تقدم في المفاوضات منذ الجولة الأخيرة في مسقط في يوليو الماضي، نظرا للتعنت من قبل الطرف الآخر،” في إشارة إلى الطرف الحكومي.
ودخل على خطّ تلك المفاوضات حزب الإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن الذي مارس ضغوطا من موقعه كشريك في السلطة الشرعية كي تشمل أي صفقة تبادل الكشف عن مصير القيادي في الحزب محمد قحطان الأسير لدى الحوثيين منذ حوالي تسع سنوات وإطلاق سراحه إن كان ما يزال على قيد الحياة.
وكثيرا ما توجّه أطراف حقوقية يمنية اللوم لطرفي النزاع على حدّ سواء في عدم حسم الملف في نطاق إنساني وضمن طرق الوساطة والصلح التقليدية التي تلعب فيها القبائل ووجهاؤها أدوارا حاسمة بمعزل عن أي خلفيات سياسية كون غالبية هؤلاء الأسرى ينتمون لبلد واحد بل إن بعضهم ينتمي لأوساط اجتماعية وقبلية يتوزّع ولاؤها بين الحوثيين والسلطات المعترف بها دوليا.