استأنف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ حراكه الهادف لكسر جمود عملية السلام وذلك استباقا للتصعيد الذي تزايدت احتمالاته بتزايد التوتّر الناجم عن تبادل القصف بين جماعة الحوثي وإسرائيل، وتواتر الحديث عن تراجع الخيار السلمي وتقدّم سناريو الحسم العسكري ضدّ الجماعة الموالية لإيران.
وتركّز الحراك على محور صنعاء-مسقط كون سلطنة عمان لعبت دائما دورا في خفض التوتّر في اليمن مستخدمة العلاقات التي احتفظت بها مع الحوثيين وداعمتهم إيران للتوسّط بينهم بين خصومهم في معسكر الشرعية المدعوم ذمن قبل المملكة العربية السعودية.
وقالت مصادر سياسية إن غروندبرغ بات يعمل على الملف اليمني تحت ضغط الوقت وأنّ هدفه في تحرّكاته الجديدة مساعدة الحوثيين على اللحاق بقطار السلام والدخول في تهدئة في البحر الأحمر وضد إسرائيل قبل أن يواجهوا عاصفة دولية قد يساعد على إطلاقها وجود إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب الميال إلى اتّباع سياسة متشدّدة ضدّ إيران وأذرعها في المنطقة مغيّرة لنهج إدارة سلفه جو بايدن التي أظهرت قدرا كبيرا من المرونة والتساهل مع الجماعة الحوثية.
ووصل المبعوث الأممي، الاثنين، إلى العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين قادما من العاصمة العمانية مسقط حيث كان قد عقد، الأحد، مباحثات في مسقط مع مسؤولين عمانيين “تناولت سبل حل الأزمة اليمنية،” وحثت الأمم المتحدة على إثرها جماعة الحوثي على اتخاذ إجراءات لتمهيد الطريق أمام عملية سياسية في اليمن وخفض التصعيد الناجم عن الهجمات المتبادلة بين الجماعة وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وذكر مكتب غروندبرغ في بيان عبر منصّة إكس أنّ المبعوث الأممي “اختتم زيارة إلى مسقط حيث التقى وكيل وزارة الخارجية خليفة الحارثي وعددا من كبار المسؤولين العمانيين وناقش معهم الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن.”
وأضاف البيان أن “غروندبرغ التقى أيضا مع محمد عبدالسلام رئيس الوفد المفاوض في جماعة أنصارالله، وحثه على اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية.”
وأوضح أن المبعوث الأممي “شدد على أهمية خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتبار ذلك أمرا ضروريا لإظهار الالتزام بجهود السلام.”
واعتبر غروندبرغ أنّ تصعيد الجماعة الحوثية في البحر الأحمر وغارات الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، أديا إلى تقليص جهود الوساطة للتوصل إلى حل سياسي للصراع في اليمن، داعيا الأطراف إلى “اتخاذ الخطوات الضرورية لإيجاد بيئة مواتية لتسوية النزاع سلميا.”
ومنذ نوفمبر 2023 يواصل الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل أو تلك المتوجهة إليها “نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.”
وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا أن هذه الهجمات تهدد البحر الأحمر بوصفه معبرا مهما للتجارة الدولية، وبدأتا في يناير 2024 تنفيذ ضربات جوية على مواقع للحوثيين، الذين ردوا باستهداف سفن أميركية وبريطانية.
كما تواصل الجماعة شن هجمات بصواريخ ومسيرات على إسرائيل، بعضها استهدفت تل أبيب وخلفت خسائر بشرية ومادية، وهو ما قابلته تل أبيب بتنفيذ ضربات جوية استهدفت العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة غربي اليمن.
◄ تناقض في الخطاب الحوثي بسبب الخوف من تبعات التصعيد العسكري جنبا إلى جنب الالتزام بالإملاءات الإيرانية
وتصدر جماعة الحوثي خطابا ملتبسا يصل حدّ التناقض بشأن الاستجابة لدعوات السلام. وخالفت تعليقات نشرها القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي وضمّنها تهديدات للسعودية، ما كانت الجماعة قد أكّدته قبل أيام بشأن استعدادها للانخراط في المسار السلمي والتوقيع الفوري على خارطة الطريق التي أعدتها الأمم المتحدة بدفع كبير من الرياض التي أبدت تمسكا كبيرا بحل الصراع اليمني سلميا وقبلت لأجل ذلك التواصل بشكل مباشر مع الجماعة.
وقال الحوثي إنّ لدى من سماها دول العدوان نية بالتصعيد بناء على “قراءة خاطئة”، وكتب على منصة إكس “نقول للسعودية كان خفض التصعيد فرصة سانحة لإعادة القراءة لتقديراتكم الخاطئة التي ورطتكم سابقا،” وأضاف “أي محاولة أخرى للمزيد من المؤامرات ضد بلدنا” ستواجه بخيارات “مفتوحة وستكون الأهداف وسقفها فوق المتوقع وفي كل الميادين.”
ويعزو متابعون للشأن اليمني التناقض في الخطاب الحوثي ومراوحته بين اللين والتهديد، إلى وجود مخاوف حقيقية من تصعيد عسكري محتمل ضدّ الجماعة، جنبا إلى جنب الارتهان في قرار السلم والحرب لإيران التي تدفع الحوثيين إلى مواصلة الصعيد ضدّ خصومها في كل الظروف وبغض النظر على العواقب وذلك لإشغال هؤلاء الخصوم بعيدا عن المواجهة المباشرة معها