مع الإعلان عن وصول حركة حماس وإسرائيل، إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ثمّة تساؤلات عن مصير عمليات العسكرية على الملاحة البحرية الدولية، وهجماتها على إسرائيل، التي تأتي في سياق انخراط الأذرع الإيرانية في الصراع الإقليمي.
وكان الحوثيون قد بدأوا هجماتهم على إسرائيل، أواخر أكتوبر/ تشرين الثاني من العام 2023، ودشنوا عملياتهم في البحر الأحمر في الشهر التالي، باختطاف سفينة "جالاكسي ليدر" وطاقمها المكون من 25 فردا.
لتبدأ بعدها مراحل عديدة من التصعيد، شملت السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها أو المتجهة إليها، قبل أن تمتد لتطال السفن الأمريكية والبريطانية، بما فيها التجارية والعسكرية.
وعلى مدى الأشهر الماضية، حرص الحوثيون على تأكيد ارتباط هجماتهم بالعمليات العسكرية وحالة الحصار التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، وأن قرار توقفها متعلق بـ"وقف العدوان على غزة" على حد تعبيرها.
تلميحات بالتوقف
وبشكل ضمني، أشار المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، مساء الأربعاء، إلى وقف عملياتهم العسكرية "المساندة لغزة"، عقب الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقال عبد السلام في تدوينة على منصة "إكس"، إن "دخول اليمن في معركة إسناد غزة، لم يكن عن فائض قوة أو استعراض لها، بل من واقع صعب، ثم إن الاستباحة الإسرائيلية لغزة لم تدع مجالا لشعبنا العزيز المشبع بالروحية الإيمانية إلا أن يشارك ويساند قياما بالمسؤولية تجاه شعب مظلوم يتعرض لمجازر إبادة جماعية".
وتابع: "ومع وصول هذه المعركة إلى خواتيمها بإعلان وقف إطلاق النار في غزة، فإن القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية الأولى التي يتوجب أن تنهض الأمة بالمسؤولية تجاهها".
واعتبر أن استمرار إسرائيل "في احتلال فلسطين، يمثّل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة، ولن يكون هناك من سلام حقيقي تنعم به المنطقة إلا بزوال هذا الكيان الطارئ".
ومنذ ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، كثّفت ميليشيا الحوثي من هجماتها العسكرية نحو العمق الإسرائيلي، بضربات صاروخية وطائرات مسيّرة، قابلتها تل أبيب بثلاث عمليات جوية في غضون أقل من شهر، طالت منشآت مدنية وبنى تحتية اقتصادية تقع تحت سيطرة الحوثيين، بعد هجومين مشابهين في يوليو/ تموز وسبتمبر/أيلول من العام الماضي.
استثمار التجربة
ويرى الباحث السياسي في مركز "صنعاء للدراسات الاستراتيجية"، حسام ردمان، أن قيام الحوثيين بأي استدارة، يقتضي وجود شرطين: "أولهما، تهدئة إيرانية في الإقليم كي يوقف الحرس الثوري عملياته النوعية من اليمن، وثانيهما، قرار إسرائيلي لوقف الحرب في غزة، حتى يوقف الحوثي عملياته الرمزية ضد الملاحة وإسرائيل".
وقال ردمان لـ"إرم نيوز"، إن الشرط الأول "تحقق إيرانيا مطلع يناير الجاري، وقد شهدنا زيارة هي الأولى منذ عامين للمبعوث الأممي إلى اليمن، إلى معقل الحوثيين في صنعاء، وذلك قبيل توجهه المباشر إلى طهران".
وأضاف، أنه بالتوازي مع هذه اللقاءات، أرسلت طهران إشارات حول قابليتها لتمرير التفاهمات المؤلمة في لبنان والعراق، "بينما أصبحنا في منتصف يناير الجاري، أمام تحقيق الشرط الثاني".
وبحسبه، فإن هذه الطريقة "سوف تجعل الحوثيين يفتحون الباب أمام خريطة الطريق المتعلقة بالمفاوضات المحلية، مع مراهنتهم على تثمير فائض القوة الذي اكتسبوه إقليميا من خلال امتيازات أكبر محليا، في مشهد يشبه كثيرا ما قام به حزب الله في لبنان بعد العام 2006".
وأشار ردمان إلى أن قيام الحوثيين بأي تجاوز مستقبلي للمحرمات الدولية، "قد يجعل العالم أكثر حرصا على وقف نموّهم وتقويض قدرتهم، كي لا يكرروا ما فعلوه مرة أخرى".
وبيّن أن مستقبل الحوثيين في اليمن عقب اتفاق غزة، مرهون بأمرين: "طبيعة موقف الإدارة الأمريكية القادمة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب حيال إيران، وديناميكية التحرك الوطني في معسكر الحكومة الشرعية اليمنية".
مناورة جديدة
وعقب أشهر من هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية، شكلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تحالفا دوليا يدعى "حارس الازدهار"، في مطلع العام الماضي، بهدف "تأمين وحماية حرية الملاحة الدولية"، شُنّت على إثره ضربات وقائية واستباقية على أهداف ومواقع تابعة لميليشيا الحوثي، دون إحداث تأثيرات توقف هجماتها.
ويعتقد المحلل السياسي خالد بقلان، إن الحوثيين سيحاولون المناورة، ولن ينهوا هجماتهم على الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي، "وسيعزون ذلك إلى ارتباطه بعدم جدّية تنفيذ بنود الاتفاق، ومواجهة أي خروقات".
وقال بقلان لـ"إرم نيوز"، إن مناورة الحوثيين سيكون هدفها ضمان انخراطهم في تسوية تضمن بقاءهم كفاعل ضمن المعادلة اليمنية، إلى جانب تقوية موقف إيران التفاوضي مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وحول فرص نجاحهم في ذلك، أشار بقلان إلى إنها "معدومة، في ظل المسار القادم لرفع تصنيفهم أمريكيا من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى كمنظمة إرهابية أجنبية".
وتوقع أن يتبع هذه الخطوة الأمريكية، عمل عسكري يقوض الحوثيين، "بعد أن أصبحوا يشكلون تهديدا للمصالح الإقليمية والدولية، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر سيأتي ذلك في سياق تدمير الأذرع الإيرانية ودكّ مصدّاتها التي تتهاوى تباعا"