هل يتفرغ الحوثيون لإعادة إشعال الجبهات الداخلية بعد تهدئتهم في البحر الأحمر

تثير تحركات عسكرية لقوات جماعة الحوثي في مناطق تعدّ خطوط تماسّ بينها وبين القوات التابعة للمعسكر المضاد للجماعة بقيادة السلطة اليمنية المعترف بها دوليا، ومناوشات محدودة تنخرط فيها قوات الطرفين قلق الجهات ذات الصلة بالملف اليمني على مصير الهدنة القائمة في البلد والتي أرسيت منذ أبريل سنة 2022 وماتزال قائمة بشكل عملي رغم عدم وجود اتفاق رسمي على تمديدها بعد انتهاء أمدها في أكتوبر من العام نفسه.
وطالت تلك التحركات مؤخرا محافظة تعز بجنوب غرب اليمن والتي يتقاسم الحوثيون والشرعية اليمنية السيطرة على مناطقها، لكنّها تركّزت بشكل خاص في حدود محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء والتي سبق للحوثيين أن خاضوا معارك ضارية للسيطرة عليها كونها بوابة لمنطقة سيطرتهم الرئيسية في عاصمة البلاد وخصوصا لثرائها بالنفط ما يجعلها شديدة الأهمية لاقتصاد السلطة الموازية التي يقيمونها في المناطق التي يسيطرون عليها.
وتخشى جهات محلية وإقليمية وأممية أن تكون الجماعة الموالية لإيران بصدد الاستعداد لإعادة إشعال معركة مأرب بعد دخولهم في تهدئة في الصراع الذي فجروه تحت عنوان دعم حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل وشنّوا في نطاقه هجمات على السفن التجارية في خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر كما هاجموا بالصواريخ والطائرات المسيرة مناطق في داخل الدولة العبرية ردت عليها الأخيرة بتوجيه ضربات مدمرة لمنشآت حيوية تستخدمها الجماعة من بينها ميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن.
◄ استدامة التصعيد والتوتر في اليمن والمنطقة من صميم الدور الموكول للحوثيين من قبل إيران ووسيلة لإشغال خصومها
ويقول متابعون للشأن اليمني إنّ الحاجة لاستدامة التصعيد والتوتّر في اليمن ومِن حوله يفرضها الدور الموكول لجماعة الحوثي من قبل إيران التي تريد بذلك إشغال خصومها الإقليميين والدوليين عنها بمثل تلك التوتّرات، ما يجعل ارتداد الجماعة على الداخل اليمني بعد دخولها في تهدئة بالبحر الأحمر أمرا غير مستبعد.
كما يستفيد الحوثيون بشكل مباشر من إشعال الحرب التي تتيح لهم التهرب من الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية الخدمية التي يفرضها عليهم وضعهم كسلطة أمر واقع في المناطق التي يسيطرون عليها والتي يواجه سكانها أوضاعا معيشية بالغة الصعوبة من حيث ارتفاع نسب الفقر في صفوفهم وندرة موارد الرزق وضعف، وحتى انعدام، أغلب الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرهما.
وكثيرا ما واجهت قيادات الحوثيين تململ بعض السكان وتذمرهم من سوء أوضاعهم بشعار لا صوت يعلو على صوت المعركة وأن الأولوية في الوقت الحالي هي لحفظ الأمن القومي للبلد من المؤامرات الداخلية والخارجية وفق تعبيرهم.
ومن شأن إعادة إشعال الجبهات الداخلية في اليمن أن يهدم جهودا كبيرة بذلتها جهات إقليمية ودولية لتهدئة الصراع أملا في إطلاق عملية سلام تفضي إلى حسم الملف عبر التفاوض وعقد صفقة سياسية.
وقادت تلك الجهود بشكل رئيسي المملكة العربية السعودية والأمم المتّحدة التي لم يكفّ مبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عن التنقل بين عواصم المنطقة من صنعاء إلى طهران مرورا بالرياض ومسقط بحثا عن تقريب وجهات النظر بين فرقاء الصراع اليمني والداعمين الإقليميين لكل طرف منهم.
هانس غروندبرغ: من المهم أن يوجّه مجلس الأمن رسالة قوية موحدة تدين وفاة زميلنا،
وخرج غروندبرغ مؤخّرا عن تفاؤله المعهود بإمكانية إرساء سلام في اليمن وعاد ليتحدّث عن نُذر عودة إلى التصعيد العسكري.
وحذر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن من تزايد خطر التصعيد العسكري في البلد وإعاقة جهود إحلال السلام ما سيفاقم معاناة السكان المهددين بالأوبئة والمجاعة.
وقال غروندبرغ في كلمة ألقاها خلال الجلسة الختامية لمنتدى اليمن الدولي الثالث الذي انعقد بالعاصمة الأردنية عمَّان، إن خطر التصعيد العسكري داخل اليمن يتزايد مما ينذر بتفاقم المعاناة وإعاقة جهود إحلال السلام كما أن الأزمة الإنسانية تزداد حدة، والانقسامات السياسية مازالت قائمة.
ووصف التحديات التي تعصف باليمن اليوم بالهائلة. وعرّج على الخلاف الحادّ القائم حاليا بين المنظمة التي يمثلها وجماعة الحوثي بسبب اعتقال الأخيرة لموظفين أمميين وناشطين إنسانيين دعوى انخراطهم في أنشطة تجسسية.
واعتبر غروندبرغ أن من أبرز التحديات التي يواجهها البلد “التقلص المستمر للفضاء المدني خصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. وقال إنّ “الاعتقالات التعسفية التي استهدفت موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي والقطاع الخاص إلى جانب الفاجعة المتمثلة في وفاة زميلنا في برنامج الأغذية العالمي أثناء احتجازه تكشف عن تنامي المخاطر وتقلص المساحة المتاحة لمن يسعون لدعم اليمنيين.”
وأشار “إلى أن مثل هذه الأفعال تهدد الحقوق الأساسية وتقوض الثقة وتعرقل جهود السلام، ويجب وضع حد لهذه الممارسات، وضمان تحقيق المساءلة. ولفت إلى أنه “كان من المهم أن يوجّه مجلس الأمن رسالة قوية موحدة تدين وفاة زميلنا، وتطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين، وتؤكد دعمهم للأمم المتحدة في جهودها نحو تسوية سياسية شاملة بقيادة يمنية.”
ورغم نزعة التشاؤم التي طبعت خطاب المبعوث الأممي فقد حرص على إبقاء باب الأمل في السلام مفتوحا، قائلا إنّ “السلام ممكن حتى في أصعب الأوقات لكنه يتطلب جهدا مستمرا وإرادة موحدة وتصميما لا يتزعزع.” وتوجّه بمناشدة للشركاء الدوليين بألاّ “يغفلوا عن اليمن وسط الأزمات العالمية العديدة.”