صحيفة: ماذا وراء تسخين عدة جبهات في اليمن دفعة واحدة ؟

شهد عدد من جبهات القتال الهادئة في اليمن منذ نحو سنتين حالة من التوتّر أثارت المخاوف من قطع التهدئة القائمة في البلد واشتعال الحرب مجدّدا بين الحوثيين والشرعية اليمنية.
ودارت المواجهات بين الطرفين خلال الأيام الماضية في مناطق بمحافظات الجوف وتعز والبيضاء، وأيضا بمحافظة مأرب ذات الموقع الإستراتيجي شرقي العاصمة صنعاء والتي جعلها غناها بالنفط هدفا رئيسيا لجماعة الحوثي ومحاولاتها المتكررة للسيطرة عليها دون أن تنجح في ذلك إلى حدّ الآن.
وأثار التسخين المتزامن لعدة جبهات دفعة واحدة الأسئلة بشأن توقيته ومدى خطورة الوضع وجدية طرفي الصراع في قطع التهدئة وتجاوز الجهود الهادفة لإرساء السلام والعودة إلى الاحتكام للسلاح والبحث عن حسم عسكري يبدو مستحيلا تحقيقه من قبل أيّ طرف.
صغير بن عزيز: يجب الاستعداد من ناحية التدريب والتأهيل والإعداد القتالي والتعبئة والحشد الجيد لهذه المعركة
ويتميّز التوقيت الذي اندلعت فيه المواجهات والمناوشات بين قوات الحوثيين من جهة والقوات الرسمية التابعة للشرعية اليمنية والمسلحين القبليين المساندين لها من جهة مقابلة، بكونه توقيت أزمة مالية واقتصادية ذات تبعات اجتماعية سواء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أو في مناطق السلطة المعترف بها دوليا، الأمر الذي يجعل من تلك المواجهات والمناوشات متنفسا مناسبا لكلا الطرفين وفرصة لتصدير أزمتهما وإشغال الرأي العام في مناطقهما حيث بدأت تلوح بوادر تململ شعبي واحتجاج على سوء الأوضاع ظهر إلى العلن في مناطق الشرعية وظل مكتوما في مناطق الحوثيين الممسوكة بقدر أكبر من الشدّة والعنف.
وواجهت الشرعية اليمنية خلال الأشهر الأخيرة صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة أثّرت على مستوى إدارتها لمناطقها وتوفير الخدمات الأساسية لسكانها الذين عانوا أيضا غلاء مشطّا في أسعار المواد الأساسية الأمر الذي وضعها أمام ضغط الشارع من جهة، وضغوط بعض شركائها وخصوصا المجلس الانتقالي الجنوبي غير الراغب في مشاركتها تبعات سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية من جهة مقابلة.
من تعقيد أوضاع السلطة اليمنية المعترف بها دوليا فقدها السيطرة على الموارد والثروة في بعض المحافظات في ظل ظهور قوى محلية باتت تشكل سلطة موازية كما هي الحال في محافظتي المهرة وحضرموت حيث بلغت القبائل المحلية قدرا عاليا من التنظّم والتنسيق أكسبها قدرات تضاهي في بعض الأحيان قدرات السلطة أو تفوقها.
وفي مناطق الحوثي لا تبدو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أفضل حالا من مناطق الشرعية، لكن الجماعة بدأت تواجه مشكلة الخروج من المواجهة التي فتحتها تحت يافطة دعم الفلسطينيين ضدّ خطوط الملاحة في باب المندب وخليج عدن والتي جرّتها أيضا إلى مواجهة، وإن كانت محدودة، مع تحالف تقوده الولايات المتحدة وأيضا ضد إسرائيل.
وكانت تلك المواجهة توفّر للجماعة الموالية لإيران عائدا دعائيا مجزيا وذريعة لإحكام القبضة على سكان مناطقها تحت شعار أنها تخوض “معركة مقدّسة” لا يجب أن يعلو صوت على صوتها.
ولم تتأخّر الجماعة كثيرا بعد إعلانها الدخول في تهدئة بالبحر الأحمر حتّى أعادت تحريك جبهات تعز والجوف ومأرب والبيضاء في دليل على حاجتها الدائمة للصراع وإثارة التوتّرات لتصدير أزماتها الداخلية وإضفاء الشرعية على حكمها المفروض على السكان بقوة السلاح
◄ التسخين المتزامن لعدة جبهات دفعة واحدة أثار الأسئلة بشأن توقيته ومدى خطورة الوضع وجدية طرفي الصراع في قطع التهدئة وتجاوز الجهود الهادفة لإرساء السلام
وعلى خلاف الفترة الماضية التي ساد فيها منطق البحث عن مخرج سلمي للصراع اليمني مدعوم من الأمم المتحدة وقوى إقليمية في مقدمتها المملكة العربية السعودية، ساد خلال الأيام الأخيرة منطق الحرب والتصعيد والحسم العسكري.
وتحدّث رئيس هيئة الأركان وقائد العمليات المشتركة في الجيش اليمني صغير بن عزيز عن “معركة فاصلة” ضدّ الحوثيين معتبرا الخيار العسكري هو الخيار الوحيد لهزيمة الجماعة الحوثية ودحرها.
وقال بن عزيز أثناء إشرافه على انطلاق فعاليات المؤتمر التحليلي السنوي بالمنطقة العسكرية السادسة “يجب الاستعداد من ناحية التدريب والتأهيل والإعداد القتالي والتعبئة والحشد الجيد لهذه المعركة.”
وطبعت لهجة التصعيد أيضا خطاب رأس هرم السلطة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي وجه القيادة العسكرية بضرورة “التحلي بالمزيد من اليقظة والتعامل الصارم وتعزيز قنوات التنسيق والاتصال بين الوحدات العسكرية والأمنية كافة” لردع “اعتداءات الميليشيات العميلة للنظام الإيراني،” واصفا المعركة ضد الحوثيين بأنها معركة مصير “ولن تنتهي قبل تحقيق كامل أهدافها في استكمال تحرير التراب الوطني والانتصار لقيم الجمهورية.”
وطالت حالة الاستنفار عددا من قبائل المناطق المشمولة بالتصعيد حيث احتشدت قبائل خولان الطيال وسنحان وبني حشيش وبلاد الروس في مأرب لإعلان “النفير العام والجاهزية القصوى لخوض معركة التحرير ودحر ميليشيات الحوثي.”
وأكّدت القبائل المحتشدة في بيان، استعدادها وجاهزيتها للحرب داعية “كل قبائل ورجال اليمن إلى الاتحاد والاصطفاف الجاد لاستعادة الدولة.”
وطالبت القبائل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بـ”ضرورة توحيد الصف الوطني وحشد كافة الإمكانات لدعم الجيش والمقاومة،” ودعت “أبناء المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين إلى رفض الزج بأبنائهم في معارك عبثية خدمة للمشروع الإيراني.”
وجاء ذلك بينما أعلن الإعلام العسكري في الجيش اليمني عن استمرار تصعيد الحوثيين لهجماتهم في جبهات مأرب والجوف وتعز وقيام قوات الجيش بالتصدي لهذه الهجمات.
ونقل المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية عن مصدر عسكري قوله “إن قوات الجيش تعاملت مع مصادر نيران معادية في عدد من الجبهات في مأرب وتمكّنت من تدمير مرابض مدفعية وإسكاتها وقتل وجرح عدد من عناصر الميليشيات.”
كما استهدفت مدفعية الجيش، وفق نفس المصدر، معدات ثقيلة كانت تستخدمها قوات الحوثي في استحداث تحصينات وطرقات وخنادق في الجبهات الغربية لمحافظة مأرب، وتمكّنت من إعطاب بعض المعدات وتحييد البعض الآخر.
وفي الجبهات الشمالية الغربية لمأرب، ردّت قوات الجيش، بحسب المصدر العسكري، على عمليات عدائية استخدم فيها الحوثيون المدفعية وقذائف الهاون والطيران المسيَّر.
وفي جبهات القتال شرق منطقة حزم الجوف ردت قوات الجيش اليمني على مصادر نيران حوثية في قطاعات العلم، والجدافر وشهلاء وتمكنت من إسكاتها.
وفي تعز أفاد الإعلام العسكري بأن قوات الجيش استهدفت معدات كانت تستخدمها القوات الحوثية في استحداث تحصينات في جبهتي الكدحة والضباب ونجحت في تحييدها. كما ردّت قوات الجيش على مصادر نيران في المطار القديم بالجبهة الغربية للمحافظة.
وفي محافظة البيضاء شدّد الحوثيون حصارهم لقرية خبزة في مديرية القريشية وأرسلوا تعزيزات عسكرية إلى محيط القرية تضم العشرات من العربات والآليات المدرعة.
ولا يعتبر سقوط التهدئة في اليمن والعودة إلى واقع الحرب شأنا داخليا محضا خاصّا بطرفي الصراع بقدر ما هو أيضا شأن إقليمي ودولي يكتسي أهمية كبيرة لدى الجهات ذات الصلة بالملف.
◄ عدم تحرك السعودية لوقف التصعيد دليل على أنها لا ترى في ما يجري حاليا على الجبهات إنذارا جديا بعودة الحرب
وبينما تقف إيران بقوة وراء قرار الحرب والسلام لجماعة الحوثي، تبدي المملكة العربية السعودية اهتماما بالغا بإنهاء الصراع سلميا في البلد الواقع على حدودها بهدف إشاعة أكبر قدر من الهدوء حولها والتفرّغ لإنجاز مشاريعها التنموية الضخمة.
ولم تتحرّك المملكة إلى حدّ الآن لخفض التصعيد بين الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي ومنع المناوشات بين معسكريهما من التحوّل إلى مواجهة واسعة وحرب كبيرة، إذ لا يبدو أنها قد رأت في ما يجري حاليا خطرا حقيقيا وإنذارا جديا بالحرب.
من جهتها اكتفت الأمم المتحدة على لسان مبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ بالتحذير من تزايد خطر التصعيد العسكري في اليمن وإعاقة جهود إحلال السلام ما سيفاقم معاناة السكان المهددين بالأوبئة والمجاعة.
وقال غروندبرغ في كلمة ألقاها خلال الجلسة الختامية لمنتدى اليمن الدولي الثالث الذي انعقد مؤخرا بالعاصمة الأردنية عمَّان، إن خطر التصعيد العسكري داخل اليمن يتزايد ممّا ينذر بتفاقم المعاناة وإعاقة جهود إحلال السلام كما أن الأزمة الإنسانية تزداد حدة، والانقسامات السياسية ما زالت قائمة.
ورغم نزعة التشاؤم التي طبعت خطاب المبعوث الأممي فقد حرص على إبقاء باب الأمل في السلام مفتوحا، قائلا إنّ “السلام ممكن حتى في أصعب الأوقات لكنه يتطلب جهدا مستمرا وإرادة موحدة وتصميما لا يتزعزع”.