جماعة الحوثي توقف أخبار تشييع قتلاها الضباط.. ما سر هذا التحول المفاجئ؟

طوال عشر سنوات من القتال الذي تخوضه جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، لا يكاد يمر أسبوع واحد دون تشييع الحوثيين ضباطاً لها لقوا حتفهم في جبهات القتال، أو فيما تصفها معركة النفس الطويل.
حتى مع الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 2 إبريل/نيسان من العام 2022 واستمرت بشكل غير معلن إلى اليوم، لم تتوقف جماعة الحوثي عن نشر مواكب التشييع لضباطها القتلى عبر إعلامها الرسمي بشكل شبه يومي.
في 29 مارس/آذار الماضي، نشرت جماعة الحوثي آخر تشييع لقتلاها الضباط عبر وكالة سبأ بنسختها التابعة للجماعة، وكان لأربعة من الضباط الذين قالت إنهم قتلوا في جبهات القتال.
وكانت الحصيلة حينها بحسب رصد “يمن ديلي نيوز” قد وصلت إلى 69 ضابطاً شيعتهم الجماعة منذ استئناف الولايات المتحدة الأمريكية لغاراتها منتصف شهر مارس، أي خلال أقل من نصف شهر. في حين شيعت خلال النصف الأول من مارس 8 ضباط قبل استئناف الغارات الأمريكية.
لماذا التوقف؟
ولتفسير توقف الحوثيين عن نشر مواكب التشييع لقتلاها الضباط، يقول الصحفي اليمني المتخصص في الشؤون العسكرية “عدنان الجبرني” إن التوقف يأتي ضمن خطتها لمنع خصومها من فهم مستوى الخسائر التي تتكبدها. كما يأتي التوقف ضمن توسيع مفهوم “الأمن العملياتي” للجماعة، والتكتم الأمني الذي تحرص عليه، بهدف التعمية على خسائرها أمام خصومها.
يضيف الجبرني لـ”يمن ديلي نيوز”: الجماعة لا تريد أن يفهم خصومها حقيقة وضعها، لذلك تصر على الحفاظ على حالة الغموض، حمايةً لمعنويات أنصارها، وانسجامًا مع طبيعتها المغلقة. وأردف: “رغم كل ذلك، تخرج بعض المعلومات بشكل أو بآخر، خاصة عن قتلى من ضباط الصف الثالث والمقاتلين المشاة، الذين يُسمح لعائلاتهم بتشييعهم في الوقت الحالي”.
وأشار إلى وجود تسريبات أخرى حول مقتل بعض القيادات، بالإضافة إلى انتشار أسماء قيادات يُزعم مقتلها، رغم أن هذه المعلومات غير دقيقة وعارية عن الصحة.
وعلى مدى السنوات الماضية، أظهرت جماعة الحوثي حرصاً بالغاً على نشر مواكب قتلاها الضباط في مختلف وسائل الإعلام التابعة لها، وتحويل التشييع إلى مشاهد دعائية فرائحية، وأنهم قتلوا دفاعاً عن الدين وعن آل البيت.
طبقًا لمراقبين، فإن التشييع العلني والمتكرر يخلق ما يشبه حالة “تطبيع” مع الموت، لكنه في نفس الوقت يُغلف هذا الموت بهالة من البطولة والكرامة، مما يسهل استقطاب مقاتلين جدد مستعدين للسير في الطريق ذاته تحت دافع الشرف والانتقام.
كما كانت تحرص على بث مواكب التشييع لإظهار أن الجماعة تنطلق من حاضنة اجتماعية موالية لها، وأنها تتمتع بعلاقة اجتماعية متينة مع المحيط القبلي من حولها.
وسم #مدري
وخلال الأيام الماضية، روجت جماعة الحوثي لوسم #مدري على نطاق واسع، للتعتيم على الغارات الجوية الأمريكية، في توجه يتعارض مع سنوات من الترويج لوسم #أين_القارح الذي كان يدعو السكان لنشر أخبار الغارات التي يشنها تحالف دعم الشرعية.
الوسم #مدري أطلقته الجماعة لحث السكان على الامتناع عن ذكر أي تفاصيل تخص مواقع القصف أو الخسائر الناتجة عنها، والاكتفاء بالرد بكلمة “مدري” عند تلقيهم أي تساؤلات تتعلق بالغارات الجوية.
وتضمنت حملة الحوثيين منشورات وتصاميم رقمية تدعو السكان إلى إنكار أي معرفة بمعلومات مثل: “فين قصف الطيران الأمريكي؟”، “منين انطلقت الصواريخ؟”، “فين كنت وقت القصف؟”، والرد بكلمة #مدري.
ومنذ استئناف القوات الأمريكية غاراتها في منتصف مارس الماضي وحتى 31 من الشهر ذاته، شيعت جماعة الحوثي 69 من ضباطها، بحسب رصد أعده “يمن ديلي نيوز”.
وفي 11 مارس الماضي، أعلنت الجماعة استئناف عملياتها ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، بعد توقفها في 19 يناير، عقب عودة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
ومنذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى 19 يناير/كانون الثاني 2025، شنّت جماعة الحوثي هجمات في البحر الأحمر باتجاه إسرائيل، في إطار ما تسميه “مساندة غزة”.
تأتي هذه العمليات الحوثية رغم تأثيرها المحدود على الحرب في غزة، حيث أظهر تحليل معمّق نشره “يمن ديلي نيوز” أن إسرائيل هي الأقل تضررًا اقتصاديًا بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
فمن بين 120 سفينة أعلنت جماعة الحوثي استهدافها خلال الفترة من 19 نوفمبر 2023 حتى 19 نوفمبر 2024، تضررت 11 سفينة، توزعت بين اختطاف سفينة، وغرق اثنتين، وجنوح أخرى، بينما تعرضت باقي السفن السبع لأضرار طفيفة