بعد اختراق بنيتهم.. الحوثيون يتوعدون الداخل اليمني بـ"عقوبات صارمة"

على وقع انكشاف التحصينات السرّية أمام ضغوط العمليات العسكرية الأمريكية المتواصلة، دعت منظومة العدل "غير المستقلة" في مناطق سيطرتها، إلى إنزال أشد العقوبات الصارمة وصولًا إلى الإعدام، بحق من يتهمونهم بـ"التعاون مع الولايات المتحدة".
وعلى مدى أكثر من شهر، طالت عشرات المواقع الحوثية في مختلف محافظات اليمن، بما فيها من ملاجئ مخفية للقيادات، ومستودعات محصّنة لتخزين الأسلحة الاستراتيجية، ومراكز القيادة والسيطرة، مرورًا ببؤر التمويل المالي وشبكات الاتصالات، وعدة أهداف متحركة.
وقال نائب رئيس "الهيئة الإعلامية" للحوثيين، نصر الدين عامر، إن "العدو عندما يقتل، فإن هناك عميلًا يرفع الإحداثيات، ومنافق بوق يُبرر"، طبقًا لما نشره في سلسلة تدوينات على منصة "إكس".
وبحسب القيادي الحوثي، فإن الحل يكمن "في تحرك النائب العام وتحريك القضاء لمحاكمتهم بسرعة، وإنزال أشد عقوبة، وإلا فنحن مكشوفو الظهر والعملاء سيزدادون كل يوم".
وذكر عامر في تدوينة أخرى، أن "الخونة والعملاء ليس بالضرورة أن يكونوا في الداخل، بل حتى من هم في الخارج، يجب محاكمتهم وتنفيذ ما يمكن تنفيذه الآن بحقهم، والبقية سيأتي اليوم الذي نطبق فيه الأحكام فيهم".
اتهامات جوفاء
وبحسب خبراء يمنيين، فإن تحركات الحوثيين "المتخبطة" وخطابهم "الهستيري" وتهديداتهم المتصاعدة ضد اليمنيين، تكشف عن حجم الضرر ومقدار الإرباك الذي أحدثته عمليات واشنطن العسكرية على بنية الميليشيا التنظيمية وقدراتها العسكرية والاقتصادية.
ويرى وكيل وزارة الإعلام لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فياض النعمان، في تهم الحوثيين "المبتذلة والسطحية والجوفاء، وسيلة لتصفية خصومهم ومناهضي مشروعهم العنصري الطائفي".
وقال النعمان، في تدوينة على منصة "إكس"، ردًا على القيادي الحوثي، نصر الدين عامر، إن واشنطن "ليست غافلة عنكم، وهي تملك من أدوات المراقبة ما يمكّنها من معرفة عدد نبضات قلبك وأنت مختبئ في بدروم فيلا نهبتها دون وجه حق، وتعرف تفاصيل تحركات زعيم إرهابكم الهارب في كهوف الجبال بصعدة، كما أنها تملك من المعلومات ما يكفي لقتل أضعاف من القيادات الإرهابية الحوثية التي استهدفتها بدقة".
واعتبر النعمان تحويل الحوثيين هذه التهم إلى أدوات لقمع اليمنيين باستخدام القضاء، "جريمة لن تمرّ دون حساب، لا أمام العدالة ولا أمام الشعب اليمني الذي يدرك تمامًا من هو عدوه الحقيقي".
اهتزاز وخوف
وتتزامن الدعوات التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، من قبل قيادات وعناصر حوثية، مع توعّد رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" للحوثيين، مهدي المشاط، يوم الأحد الماضي، من وصفهم بـ"المتورطين مع الولايات المتحدة" بإجراءات صارمة تصل إلى عقوبة الإعدام.
ويقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية السابق، سام الغباري، إن ظهور المشاط بصورته الأخيرة التي رآها الناس، "كان تجسيدًا بصريًا لانهيار سردية الجماعة كلها؛ إذ تحول خطابه إلى وثيقة خوف، وذوت في كلماته مصطلحات الكرامة، وصارت ترديدًا مرغمًا لسطور لا يصدقها حتى من يقرؤها".
وأضاف أن الانحدار في خطابه "لم يعد سياسيًا فحسب، بل وصل إلى اللغة والاهتزاز النفسي، فحين تتراجع الجبهات تهتزّ اللغة، وحين يشعر من يظن أنه رئيس الانقلابيين بالخوف، فإن صوت الهزيمة يخرج من حلقه قبل أن تصل الرصاصة إلى جسده".
ومع تزايد دقة الهجمات الأمريكية في تصيّد أهدافها، وتلاشي رهان الحوثيين على صعوبة نجاح الغرب في تحقيق اختراق مؤثر لبنيتهم الداخلية المغلقة؛ لجأت الميليشيا إلى تعزيز قبضتها الأمنية والاستخبارية في المناطق الحساسة من محافظات شمال البلاد.
ودشنت حملات اعتقال خلال الأيام الماضية، طالت عشرات اليمنيين في صنعاء وصعدة وعمران والحديدة، بذريعة "التخابر وتقديم معلومات استخبارية للعدو"، شملت عددًا من مصوري مقاطع الفيديو للمواقع المستهدفة.
محاكمات باطلة
وكان الحوثيون عززوا سيطرتهم الكاملة على المنظومة العدلية في مناطق نفوذهم، بعد إجراء تعديلات مخالفة للدستور اليمني، على قانون السلطة القضائية أواخر العام الماضي، ما يعزز مخاوف الجهات القانونية والحقوقية من استمرار الميليشيا في تنفيذ المزيد من الإعدامات، وفق محاكمات "جائرة وغير نزيهة".
ووفقًا لرئيس منظمة "سام" الحقوقية، توفيق الحميدي، "لا يمكن اعتبار الأحكام القضائية في مناطق الحوثيين، صادرة عن سلطة شرعية، وبالتالي فإن أي حكم بالإعدام في ظل هذه الظروف يعد باطلًا من حيث القانون الدولي، نظرًا لعدم استقلالية القضاء وافتقاره إلى الحياد، وخلو إجراءاته من أدنى المعايير القانونية السليمة".
وقال الحميدي، لـ"إرم نيوز"، إن خضوع القضاء لسلطة الأمر الواقع الحوثية، خاصة بعد تعديلاتها الأخيرة، أفقدت منظومة العدل في مناطق الحوثيين أسسها القانونية النزيهة، مثل تسييس القضاء وارتهان قرارات التعيين والنقل والإقصاء في المؤسسة القضائية للولاء السياسي والطائفي، وغياب الضمانات القانونية الأساسية كالحق في الدفاع، والإجراءات العلنية والاستئناف أمام هيئة محايدة ومراعاة إجراءات المحاكمة العادلة.
وأشار إلى تحويل الحوثيين القضاء إلى أداة للقمع والتصفية السياسية، من خلال صدور أحكام الإعدام والسجن الطويل بحق المعارضين والصحفيين والناشطين، بناء على اعترافات قسرية أو اتهامات فضفاضة مثل "العمالة أو الخيانة"، والإخلال بمبدأ حيادية القضاة؛ إذ يعمل الكثير منهم تحت ضغط أو تهديد أو إغراء مباشر من الميليشيا.
وشدد الحميدي على أهمية التحركات المشتركة قانونيًا وحقوقيًا وإعلاميًا ودوليًا لوقف تنفيذ هذه الأحكام، وإنقاذ الضحايا، ومحاسبة المتورطين مستقبلًا، من خلال توثيق هذه الإجراءات، ورفع القضايا إلى مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية وممارسة الضغوط عبر آليات الأمم المتحدة.