جنوب اليمن.. جهود مكافحة الإرهاب تصطدم بتحالف خفي بين الحوثيين والقاعدة

تشهد محافظات جنوب اليمن عمليات أمنية مركزة ضد مخابئ وعناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بالتزامن مع معلومات تشير إلى تكثيف التنسيق بين جماعة الحوثيين والتنظيم بعد إفراج الأولى عن عناصر بارزة في القاعدة كانوا معتقلين لديها في صنعاء.
وأشارت تقارير إلى تحركات مشبوهة لعناصر إرهابية، يُقال إنها تتلقى دعما من جماعة الحوثيين في الشمال، الأمر الذي يضاعف التحديات الأمنية ويكشف عن الاستراتيجيات الجديدة للتنظيمات المتطرفة في اليمن لمواجهة ضغوط مكافحة الإرهاب.
بدأت العمليات العسكرية والأمنية مساء يوم السبت (12 أبريل)، في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، حيث نفذت طائرة أمريكية مسيرة غارة دقيقة استهدفت أحد العناصر الإرهابية في المدينة بحسب مصدر مطلع لمركز سوث24.
العملية التي أسفرت عن مقتل الإرهابي على الفور، أعقبها بيوم واحد عملية مداهمة نفذتها قوات من مكافحة الإرهاب إلى جانب قوات دفاع شبوة والأمن العام، لأحد المنازل في عتق، تحصن فيه عناصر من تنظيم القاعدة. وأسفرت العملية عن مقتل عضو بارز في تنظيم القاعدة، قالت مصادر لمركز سوث24 إنه منسّق إقليمي بين فروع التنظيم في الصومال وسوريا واليمن، فيما تم القبض على عضو آخر. وقد أصيب جنديان من قوات دفاع شبوة في العملية.
يعكس هذا التدخل الجوي نجاح التنسيق الاستخباراتي والأمني بين الجانب الأمريكي والقوات الأمنية الجنوبية، التي سارعت إلى تنفيذ عملية المداهمة في اليوم التالي. وتعد هذه العمليات مؤشرًا واضحًا على تطور مستوى التعاون الأمني والعسكري بين الشركاء المحليين والدوليين في مجال مكافحة الإرهاب، خصوصًا في المناطق التي تشهد من حين لآخر محاولات تسلل من قبل عناصر إرهابية. كما تؤكد العمليات الأخيرة على أهمية التنسيق المسبق والدقيق في توجيه الضربات وتبادل المعلومات الاستخباراتية لتحقيق أكبر قدر من الفعالية بأقل تكلفة بشرية ممكنة.
استهدافات جوية
في تطور آخر، استهدفت طائرة مسيرة يعتقد أنها أمريكية في (13 أبريل)، سيارة كانت تقل إرهابيين على الخط الرابط بين محافظتي مأرب وحضرموت، أسفرت عن مقتل عضو بارز في التنظيم يدعى "أبو البراء الحضرمي"، كان قادمًا من محافظة مأرب. بينما استهدفت غارة أخرى بالتزامن سيارتين أخريين أدت لمقُتل آخر عضو آخر في التنظيم وفرار ثلاثة آخرين. وتمثل العمليتان ضربة قوية للخلايا الإرهابية، التي تستغل حالة الأزمة الأمنية في وادي حضرموت للتسلل إلى المنطقة.
ويعتبر هذا الخط الاستراتيجي، الذي يمتد عبر العديد من المناطق الحدودية، طريقًا حيويًا تستخدمه الجماعات الإرهابية للتنقل بين المناطق الجنوب والشمال. كما يستخدم هذا الخط لتهريب الأسلحة لمليشيات الحوثيين. وتهدف هذه العمليات إلى تقليص قدرة التنظيمات الإرهابية على التحرك بسهولة، وبالتالي تقليل إمكانية تنفيذ هجمات إرهابية في المستقبل.
الأحداث الأخيرة لا تقتصر على ضربات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية، بل تكشف أيضا عن تطورات استخباراتية جديدة تتعلق بعلاقة الحوثيين مع هذه الجماعات. مصادر أمنية أكدت أن هناك تحركات مشبوهة تشير إلى وجود تنسيق بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن، وأن هذه الأخيرة قد تكون مدعومة في عملياتها ضد القوات الحكومية في الجنوب.
من غير المستبعد أن يكون هذا التنسيق جزءًا من استراتيجية تهدف إلى تخفيف الضغط العسكري الذي يعاني منه الحوثيون في الشمال، خاصة بعد سلسلة من الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت مواقع وقيادات ومخازن أسلحة. كما يُظهر هذا التعاون المحتمل تحولًا في التكتيك العسكري في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول نوايا الحوثيين في تحويل الأنظار عن الضغوط العسكرية التي يتعرضون لها، وبالتالي إحداث فوضى أمنية في المناطق الجنوبية.
وعلى الأرجح، فإن الحوثيين قد يسعون إلى إثارة ملف الإرهاب مجددًا في جنوب اليمن من خلال دعمهم للجماعات الإرهابية، بهدف الضغط على الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تركز على مكافحة الإرهاب. هذا التكتيك ربما يهدف إلى دفع واشنطن للتركيز على تهديد الإرهاب في الجنوب بدلا من الاستمرار في حملتها العسكرية ضد الحوثيين في الشمال، وبالتالي يخفف الضغط عن الجماعة في المدى القصير.
الإفراج عن عناصر القاعدة
في خطوة مثيرة للقلق، كشفت مصادر إعلامية عن تفاصيل جديدة تتعلق بالإفراج عن عدد من قيادات تنظيم القاعدة من قبل جماعة الحوثي. وكان هذا الإفراج عن القيادات الإرهابية قد تم تحت مسمى "تبادل أسرى"، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول الهدف الحقيقي وراء هذه الخطوة. ومن غير المستبعد أن يسعى الحوثيون إلى استخدام هذه القيادات في تنفيذ عمليات نوعية ضد القوات الحكومية في مناطق الجنوب.
من المهم الإشارة إلى أن الإفراج عن هذه القيادات يأتي في وقت حساس للغاية، حيث يشهد اليمن تصعيدًا إقليميًا ودوليًا ضد الحوثيين، مما يثير مخاوف من تصاعد التهديدات الإرهابية في جنوب اليمن بشكل ممنهج. ومن الواضح أن التحركات الإرهابية التي رُصدت مؤخرًا جنوبًا جاءت بعد أيام فقط من هذه الخطوة، ما يشير إلى وجود تنسيق بين الجماعة الحوثية وتنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من أنّ التصعيد في العمليات الجوية والبرية جزءا من استراتيجية مستمرة يهدف إلى تقليص وجود هذه الجماعات الإرهابية، خاصة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في الجنوب. إلا أن التنسيق المحتمل بين الحوثيين وعناصر القاعدة يزيد من تعقيد الصورة الأمنية في البلاد. وتعتبر الهجمات المتزايدة من قبل تنظيم القاعدة باستخدام الطائرات المسيرة دليلًا آخر على أن الجماعات الإرهابية في اليمن تتبنى استراتيجيات أكثر تطورا وتكنولوجيا. فمنذ مطلع العام 2025، كثف تنظيم القاعدة عملياته ضد القوات الجنوبية في محافظة أبين، وكان لافتًا أن كثير من تلك العمليات نفذت بواسطة طائرات مسيرة.
وإذا تأكد أن الحوثيين هم من قدموا الدعم لتنظيم القاعدة في استخدام هذه الطائرات، فإن ذلك يفتح المجال لزيادة التوترات الأمنية في اليمن، ليس فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الإقليمي والدولي كذلك. إذ تشير هذه التحركات إلى أن المعركة ضد الإرهاب في اليمن قد أصبحت أكثر تعقيدا مما كان يُتصور سابقا.
حركة الشباب دليل إضافي
وفي وقت سابق، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلًا واسعًا عقب تحذيره من "تغلغل الحوثيين" في الصومال، خلال منشور على منصة "تروث سوشال"، مرفق بمقطع لضربة جوية غير موضحة السياق. التحذير الذي ربط بين الحوثيين والصومال أثار تساؤلات حول أبعاد هذه العلاقة، خاصة أنه جاء بالتزامن مع تصعيد عسكري أمريكي ضد الحوثيين في البحر الأحمر، ضمن حملة أطلقتها واشنطن منتصف مارس الماضي لردع هجمات تهدد الملاحة الدولية.
الربط بين اليمن والصومال لا يبدو عابرا، إذ يحتل الصومال موقعًا جيوستراتيجيا قبالة اليمن على خليج عدن، ما يجعله ساحة محتملة لتقاطع المصالح أو الصراعات. وفي هذا السياق، بدأت تتردد تقارير إعلامية أمريكية تتحدث عن تعاون محتمل بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية، المدرجة على قوائم الإرهاب، وسط مخاوف من أن يتحول القرن الإفريقي إلى امتداد جديد للصراع الإيراني-الأمريكي.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا وجود "مؤشرات على تواطؤ" بين الطرفين.
وفي تقرير خاص نشر عام 2024، كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن قلق متزايد في واشنطن بشأن الروابط المتنامية بين جماعة الحوثي وحركة الشباب الصومالية، إذ أفادت معلومات استخباراتية جديدة بأن الحوثيين يتواصلون مع الحركة لتوفير الأسلحة لهم.
هذه التحركات، بحسب ما نقلته الشبكة عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين، تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار في المنطقة، خاصة في مناطق الصومال والبحر الأحمر وخليج عدن. التقارير الاستخباراتية تؤكد أن هذا "الزواج المصلحي" بين الحوثيين وحركة الشباب قد يفاقم الوضع في هذه المناطق، خاصة أن جماعة الحوثي كثّفت هجماتها على السفن والأصول الأمريكية في المنطقة، وبالذات منذ بداية حرب غزة.
لكنَّ المهم في الأمر هو أن هذه التحركات المشبوهة تدعم المعلومات التي تؤكد وجود تنسيق غير معلن بين الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن، وهو ما يثير القلق من تحوّل الوضع الأمني في المنطقة إلى نقطة اشتعال جديدة، قد تشكل تهديدا متزايدا على الأمن الدولي.
وعلى الرغم من الضربات الناجحة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية في الجنوب، يبقى التحدي الأكبر هو التنسيق المحتمل بين الحوثيين وتنظيم القاعدة، وهو ما يمكن أن يعقد المعركة ضد الإرهاب في اليمن بشكل أكبر