صنعاء - مثّل ربط الحوثيين وقف استهدافهم للسفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي بوصول المساعدات إلى قطاع غزّة، تراجعا واضحا عن السقف العالي الذي كانوا قد حدّدوه من قبل، متمثّلا في وقف الحرب في القطاع بشكل كامل وتراجع الولايات المتّحدة عن دعمها لإسرائيل في تلك الحرب.
وبدا هذا الشرط هيّنا قياسا بما كانوا يطلبونه من قبل، الأمر الذي حدا بالمراقبين للقول إنّ الجماعة الموالية لإيران شرعت في تمهيد الطريق للخروج من المعركة الجديدة التي أشعلتها وتحوّلت إلى مأزق لها، بعد أن وضعتها في مواجهة غير متكافئة مع الولايات المتّحدة وبريطانيا تهدّد بنسف كل مكاسبها التي حققتها على مدى سنوات.
وقال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، الخميس في كلمة بثها تلفزيون المسيرة التابع لجماعته، إن استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل سيستمر حتى وصول المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في غزة.
وأضاف قوله إنّ “اليمن” سيواصل عملياته حتى وصول الغذاء والدواء إلى القطاع، محذّرا من أن التصعيد الأميركي – البريطاني مؤخرا ستكون له نتائج عكسية.
واعتبر المراقبون أن المدى الذي بلغته العملية العسكرية الأميركية – البريطانية ضدّ الحوثيين خالفت حسابات الحوثيين وداعميهم الإيرانيين الذين يبدو أنّهم توقّعوا أن يحجم المجتمع الدولي عن الردّ عسكريا على استهداف خطوط الملاحة البحرية، مخافة توسيع نطاق الحرب وامتدادها إلى الممر البحري الإستراتيجي للتجارة العالمية في البحر الأحمر وباب المندب.
لكن تكتيك الضربات الانتقائية عن بُعد بدا فعاّلا إلى حدّ كبير، من دون أن يفضي إلى مواجهة واسعة النطاق.
ربط الحوثي وقف استهداف السفن التجارية بوصول المساعدات إلى غزة تراجع واضح عن السقف العالي الذي حددّه سابقا
وتعمّد عبدالملك في كلمته صرف الأنظار بشكل رئيسي باتّجاه قضية الغذاء والدواء باعتبارها القضية الرئيسية، بعد أن كان يضع استهداف خطوط الملاحة تحت عنوان مشاركة حركة حماس الفلسطينية في الحرب ضد إسرائيل.
وقال إن الولايات المتحدة تمنع وصول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة وتقاتل في الوقت ذاته من أجل وصول السفن المحملة بالبضائع إلى إسرائيل.
وشدّد على ربط عمليات جماعته في البحر الأحمر وباب المندب بقضية إيصال الأغذية والأدوية إلى غزّة قائلا “نحن نستهدف بكل وضوح السفن المرتبطة بإسرائيل بهدف إيصال المواد الغذائية إلى الشعب الفلسطيني”، مضيفا “هدفنا الضغط لإيصال الدواء والغذاء إلى غزة ومنع الإجرام الصهيوني”.
كما وصف هذا الهدف بأنه “واضح ومقدّس، وفي نفس الوقت مطلب إنساني”.
ولم تخل نبرة خطاب الحوثي من جنوح للتهدئة عندما قلّل زعيم الجماعة من تأثيرات هجمات جماعته على السفن غير المرتبطة بإسرائيل، مؤكدا أنّه “منذ بداية العمليات في البحر الأحمر عَبَرت 4874 سفينة تجارية، وهو عدد كبير جدا خلال هذه الفترة”.
وليست المرّة الأولى التي يلوّح فيها الحوثيون بالتهدئة منذ أن صعّد التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة من ضرباته الانتقائية ضدّ آلتهم الحربية وبنيتهم التحتية المستخدمة في تهديد خطوط الملاحة البحرية.
المدى الذي بلغته العملية العسكرية الأميركية – البريطانية ضدّ الحوثيين خالفت حسابات الحوثيين وداعميهم الإيرانيين
وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي مؤخّرا، إن “واشنطن تقول إنها لا تريد الحرب، لكننا نتعاطى مع الأفعال وليس الأقوال”. وأضاف عبر منصة إكس أن “صنعاء لا تريد الحرب، وخفض التصعيد سيقابله من جانبنا خفض تصعيد”.
ووضع تكثيف الولايات المتّحدة الأميركية وبريطانيا لقصفهما لأهداف تابعة للحوثيين، قيادة الجماعة إزاء ورطة يبدو أنّها لم تكن ضمن حساباتها.
ويخالف المدى الذي بدأ يأخذه القصف من حيث الكثافة واتساع الرقعة التي يطالها والأهداف التي يضربها، ما كان الحوثيون والإيرانيون يتوقّعونه من وجود موانع تحول دون تنفيذ عملية عسكرية أميركية جادّة بالنظر إلى محاذير توسيع نطاق الصراع وتأجيجه في ممر بحري حيوي للتجارة الدولية.
وأظهرت عمليات القصف التي تمّت إلى حدّ الآن حجم الضرر الذي تستطيع القوات الأميركية والبريطانية أن تلحقه بالآلة الحربية للحوثيين وببنيتهم اللوجستية من دون مقابل يذكر.
وبات الحوثيون أمام خطر خسارة قسم هام من ترسانتهم العسكرية التي حصلوا عليها من إيران طيلة سنوات الحرب التي أشعلوها في اليمن، كما أصبحوا إزاء محذور خسارة مكاسبهم الميدانية الكبيرة التي حقّقوها وأصبحت بمثابة الأمر شبه المسلّم به من قبل أعدائهم الذين أصبحوا مستعدّين للدخول في عملية سلام معهم على أساس ما هو قائم من أمر واقع.
ويقول خبراء الشؤون العسكرية والأمنية، إنّ قصفا مركّزا وطويل الأمد يمكن أن يخلق مشاكل كثيرة للحوثيين في مناطق سيطرتهم المحاطة بأعداء محليين كُثر وأن يرخي قبضتهم على تلك المناطق.
الحوثيون باتوا أمام خطر خسارة قسم هام من ترسانتهم العسكرية التي حصلوا عليها من إيران طيلة سنوات الحرب التي أشعلوها في اليمن
كما يمكن لدمار البنية التحتية للحوثيين أن يعقدّ من مهمتهم في إدارة المناطق والتحكّم في سكّانها، خصوصا وأنّهم يمثّلون السلطة المسؤولة عن مختلف الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المناطق اليمنية الأكثر سكّانا.
ويُلحق التصعيد في البحر الأحمر ضررا بالغا بحركة التجارة عبره ويتسبب بخسائر لعدّة بلدان، لكنّه أيضا يعطلّ مختلف الإمدادات الحيوية من غذاء ودواء ووقود وغيرها نحو مناطق سيطرة الحوثيين، خصوصا وأنّ المنفذ الرئيسي لتلك الإمدادات هو ميناء الحديدة الواقع في قلب بؤرة التصعيد في البحر الأحمر.
وبدأت إيران تستشعر وجود خطر على الحوثيين الذين يمثلون أحد أقوى أذرعها في المنطقة، خصوصا وأنهم يؤمّنون لها موطئ قدم في منطقة شديدة الأهمية الإستراتيجية جنوبي غريمتها السعودية وبمحاذاة الممر البحري الإستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إنّ بلاده وجهت “رسالة وتحذيرا جديا للأميركيين”، مفادهما أن ضرباتهم بالاشتراك مع بريطانيا في البحر الأحمر واليمن تمثّل “تهديدا للسلام والأمن وتصعيدا لنطاق الحرب في المنطقة”، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء إرنا الإيرانية الرسمية.
وأوضح أنه “في الوقت الذي شنّت فيه أميركا وبريطانيا اعتداءاتهما على اليمن، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن حوالي 230 سفينة تجارية ونفطية كانت تتحرك في البحر الأحمر”، مشيرا إلى أن السفن تلقت “رسالة اليمنيين جيدا بأن السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال الصهيوني هي فقط التي يوقفها اليمنيون”.
والحوثيون جزء مما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، ويضمّ أطرافا أخرى تدعمها طهران مثل حزب الله اللبناني وفصائل عراقية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
وتقدّم الجمهورية الإسلامية دعما سياسيا للحوثيين، لكنّها تنفي تقديمها الدعم العسكري لهم.
وبالإضافة إلى التحرّك العسكري، تسعى واشنطن للضغط دبلوماسيا وماليا على الحوثيين إذ أعادت الأسبوع الماضي إدراجهم على لائحتها للكيانات الإرهابية، كما أعلنت الخميس فرض عقوبات على عدد من قياداتهم.