لا زالت الأصوات تتعالى محليًا ودوليًا بشأن الآثار السلبية التي تخلّفها هجمات العناصر الإيرانية في اليمن بمساندة مليشيات الحوثي الإرهابية، على سفن التجارة والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
تلك الآثار التي بدأت تضرب بقوة فيما تبقى من معالم حياة لدى اليمنيين الذين يعانون منذ فوضى 2011 وانقلاب 2014 والحروب التي تلتها، وتسببت بها مليشيات الحوثي، وأدت بالبلاد لتصبح من أكثر البلدان تمزقًا وفقرًا، وتهددها أزمات عدة أبرزها الأزمة الإنسانية التي تعد الأسوأ على مستوى العالم.
أصوات دولية
ونبدأ من الأصوات الدولية التي عبَّرت عنها عدد من منظمات الإغاثة الدولية، والتي حذّرت مما وصفتها بالآثار السلبية التي تخلفها هجمات جماعة الحوثي الموالية لإيران والمدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكي، تجاه الملاحة في البحر الأحمر، التي ستعمق الأزمة الإنسانية في بلد مزقه العنف، ويفتقر السكان فيه للاحتياجات الأساسية.
واشارت إلى ما تسببت به حروب الحوثيين خلال العقد من الزمن على اليمنيين، ابرزها نزوح الملايين وانتشار الجوع والفقر، وحاليًا قد تزداد الأوضاع سوءًا مع استهداف السفن التجارية والملاحة في البحر الأحمر، والتي ستؤدي إلى تعقيد الجهود المبذولة لتقديم المساعدات والإغاثة في اليمن.
الموت جوعًا يهدد الصيادين
وفي هذا الصدد، تُعدُّ شريحة الصيادين في اليمن، أكثر الشرائح الاجتماعية تأثرًا بمغامرة الحوثيين وإيران في المياه الاقليمية اليمنية، حيث يهدد التوتر العسكري في البحر الأحمر وخليج عدن آلاف الصيادين بالجوع والموت، إثر المخاطر التي باتت تواجه حياتهم، عقب عسكرة المياه الإقليمية اليمنية والتصعيد الحوثي ضد سفن الشحن التجارية والقوات الدولية، حيث أفادت المصادر اليمنية بمقتل 8 صيادين في ظروف غامضة واختفاء آخرين.
ويشكو صيادون يمنيون، في محافظات الحديدة وحجة وتعز، من أن البحر لم يعد آمناً بالنسبة لهم، وأن تحركاتهم أصبحت محدودة بالقرب من السواحل ولأوقات قصيرة ومحدودة، خاصة بعد أنباء عن نشر الجماعة الحوثية الألغام البحرية مجدداً لمنع اقتراب قوات البحرية الغربية من السواحل اليمنية، ما يهدد الآلاف من الصيادين بالبطالة والجوع.
وخلال الأيام الماضية عثر سكان في جزر "ذو الحراب" المقابلة لمديرية ميدي التابعة لمحافظة حجة، شمال مدينة الحديدة، على جثث 8 صيادين من أبناء مديرية الخوخة، الواقعة إلى جنوب الحديدة، بعد أسبوع من اختفائهم في رحلة صيد في البحر الأحمر، وبحسب السكان فإن الجثث كان عليها آثار طلقات نارية.
الإبحار الإجباري
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر مطلعة في الحديدة أن عدداً من الصيادين اشتكوا من إجبارهم على الإبحار إلى مسافات بعيدة عن السواحل، والاقتراب من مسار السفن التجارية، تحت رقابة زوارق حربية إيرانية تابعة للجماعة.
وأضافت المصادر، التي تعمل في جهة رسمية معنية بالاصطياد السمكي على السواحل اليمنية، وتسيطر عليها الجماعة الحوثية، أن قادة وعناصر حوثيين يستأجرون قوارب الصيادين الذين توقفوا عن الاصطياد خوفاً على حياتهم من العمليات العسكرية في البحر الأحمر، دون أن يتم إبلاغهم بالغرض من استئجار قواربهم.
واضطر آلاف الصيادين اليمنيين إلى إيقاف أنشطتهم بسبب المخاطر التي تتهدد حياتهم في البحر الأحمر.
وترجح المصادر أن إجبار الصيادين على الإبحار إلى مسار السفن أو استئجار قواربهم، يهدف إلى تنفيذ عمليات استطلاع لمسار السفن التجارية والعسكرية، وقياس ردود الفعل حول تلك التحركات، أو استخدام الصيادين كدروع بشرية.
ألغام بحرية إيرانية
وأعلن المرصد اليمني للألغام الأسبوع الماضي أنه حصل على "معلومات خاصة" بنشر الجماعة الحوثية ألغاماً بحرية أمام جزيرة كمران، ومدينة الصليف، وميناء الحديدة، ومواقع أخرى.
وأوضح فارس الحميري، المدير التنفيذي للمرصد، أن الجماعة الحوثية حوّلت سخانات المياه الكهربائية إلى ألغام بحرية بعد حشوها بمواد شديدة الانفجار، وبأحجام تصل إلى 40 كيلوغراماً. وتتوقع مصادر حكومية أن نشاط الاصطياد في السواحل المحررة غرب البلاد تراجع إلى حد أدنى من 40 في المائة، مع تأكيداتها بتلقي شكاوى عن اختفاء أكثر من 60 صياداً لم تصل معلومات عنهم، في ظل تعدد أسباب غيابهم لمدد زمنية طويلة بسبب أعمال القرصنة، والاعتياد على احتجاز قوات خفر السواحل الإريترية للصيادين اليمنيين منذ سنوات.
تراجع كميات الصيد
تفيد مصادر يمنية مطلعة أخرى في مدينة الحديدة بأن كميات الأسماك التي تصل إلى سوق السمك في المدينة لم تتراجع، لكن التراجع حدث في الكميات التي يتم توزيعها إلى باقي المدن والمحافظات البعيدة عن السواحل بشكل واضح، لكن سكان هذه المناطق تعودوا على تراجع وغلاء الأسماك في الشتاء بسبب البرد.
وبيّنت المصادر، أن إقبال سكان المدن الساحلية على الأسماك يجعلها دائماً ذات أولوية في إمداد أسواقها بالأسماك، على عكس المدن البعيدة التي لا تعد الأسماك وجبات رئيسية بالنسبة لسكانها، الذين تعودوا على قلة كميات الأسماك وغلائها في أوقات مختلفة خلال العام.
ووفق المصادر، فإن الصيادين حالياً يضطرون إلى التحرك في موازاة الساحل طولاً بدلاً من التوغل إلى العمق، خوفاً من أي تطورات أو أعمال عسكرية بالقرب من مناطق الاصطياد، رغم أن السفن الحربية الغربية تتحرك في المياه الدولية بعيداً عن مناطق الاصطياد.
اسعار الاسماك.. عقاب لليمنيين
أما عن أسعار السمك، فهي مرتفعة منذ ما قبل هذه الأحداث لعدة عوامل طبقاً للمصادر، وتتمثل تلك العوامل بغلاء الوقود، والتعسفات التي يتعرض لها الصيادون وتجار الأسماك، والجبايات التي يُلزمون بدفعها باستمرار، إلى جانب تدمير العديد من مرافئ الصيادين، أو تحويلها إلى منافذ لتهريب الأسلحة.
ونوّهت المصادر إلى أنه لم يعد بإمكان الصيادين والتجار رفع أسعار الأسماك؛ نظراً لمحدودية القدرة الشرائية للسكان بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة جراء الانقلاب والحرب.
وإلى جانب كل ذلك، فإن الصيادين وتجار الأسماك يتجنبون رفع الأسعار خوفاً من أي إجراءات تعسفية حوثية ضدهم، كالمنع من مزاولة المهنة، أو فرض غرامات عليهم تحت مبرر مخالفة التعليمات المتعلقة بالأسعار.
صنعاء.. وجنون الحوثيين
وفي حالة أخرى من آثار المغامرة البحرية على حياة اليمنيين، نرصدها في العاصمة المختطفة صنعاء، والمتمثلة بجنون الحوثيين ضد السكان من خلال إجبارهم على التظاهر بالقوة، وتهديد كل من يعبر عن اعتراضه لما يقومون به في البحر من إرهاب.
وتحدثت مصادر محلية في صنعاء، بأن سكان المدينة هيأو أنفسهم لخوض معاناة أكثر استفحالًا على وقع الأزمة التي ادخلتهم فيها مليشيات الحوثي وعناصر إيران المنتشرة في المدينة ومناطق الحوثيين، لكن ما يزيد من معاناتهم ما يتعرضون له من تهديد ووعيد من قبل الجماعة الإرهابية للمشاركة في التظاهرات التي تدعي الجماعة انها داعمة لاستمرار تصعيدهم البحري.
استغلال الضربات
وفي هذا الصدد، تتحدث أوساط اجتماعية في صنعاء، بأن مليشيات الحوثي حاولت استغلال الضربات التي تشنّها أمريكا وبريطانيا على مواقع في مناطق حوثية، لكسب تأييد شعبي جديد، حيث تؤكد الأوساط بأن الجماعة لم تحقق أي مكاسب تأييد شعبية جديدة، كما لم تحقق أي انتصار في عيون سكان المدينة الذين يرفضون وجودها ويعانون من ممارساتها، بل تذهب الأوساط الشعبية إلى السخرية من الجماعة، ولا تعترف بمزاعمها، وعلى العكس من ذلك تبدي مخاوفها من استغلال هذه الضربات لمزيد من التنكيل بالحريات والتضييق على المعيشة.
تفاهمات بين الجانبين
وترى أوساط يمنية بل وتؤكد بأن هناك اتفاقات وتفاهمات بين الغرب والجماعة الحوثية حول ما يجري في البحر الأحمر، ويعللون ذلك بأن الضربات لم تكن بالمستوى الذي يشكل تهديداً حقيقاً لإمكانيات ونفوذ الجماعة.
وتؤكد مصادر عدة، بأن مليشيات الحوثي تفرض أطواقاً أمنية في محيط المواقع التي تعرضت للقصف الأميركي-البريطاني، وأغلقت العديد من الشوارع والطرقات، وهو ما أثار استياء السكان، وأعاد لهم ذكريات الإجراءات القاسية التي كانوا يتعرضون لها عقب عمليات استهداف تحالف دعم الشرعية لمواقعها العسكرية.
سخرية متجددة
تتواصل السخرية بين أوساط اليمنيين حول ما يجري من لعبة في البحر الأحمر، ويرون أن ما يجري من تطورات لم تصل إلى مستوى الحقيقة التي يمكن معها أن تتحول إلى مواجهة شاملة، فالغرب لا يعرف ماذا يريد في اليمن، ولا الجماعة الحوثية قادرة على أكثر من تهديد طرق الملاحة.
ووفقًا للأوساط اليمنية، فأن كلًا من الطرفين لا يزال يرغب في التعاطي الإيجابي مع الآخر برغم هذه المواجهات، فالغرب وفر الحماية للجماعة الحوثية من الحسم العسكري للجيش اليمني والمقاومة الشعبية والتحالف الداعم للشرعية لوقت طويل، بسبب رغبته في بقائها، ولن تتغير هذه الرغبة بسبب التوتر في البحر الأحمر.
ويوضحون بأن الغرب يرى أن الهجمات الحوثية على السفن الملاحية في البحر الأحمر يمكن أن يجري التعامل معه بأشكال مختلفة، والتوصل مع الجماعة الحوثية إلى اتفاق بوقفها ضمن الرغبة ببقاء هذه الجماعة، واستمرار نفوذها في اليمن.
متاجرة بالقضية
ترى العديد من الأوساط، أن جماعة الحوثي من خلال شنها بمشاركة ايران هجمات على الملاحة في البحر الأحمر، تمكّنت من تحقيق ارباح عدة على حساب معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، وقامت بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية وحصار غزة، وحققت أرباحاً غير متوقعة.
وتتابع، تلك التجارة الحوثية البائرة تجاهلت ما ستخلفه من آثار وتزيد من معاناة اليمنيين الذين يعيشون أوضاعًا متدهورة على مدى عقد من الزمن، فلا أحد يهتم بمآسيهم، ولن تتحرك حاملات الطائرات لأجلهم.
انهيار الخدمات في عدن
وفي عدن بجنوب البلاد، تتحدث أوساط اجتماعية عدة عن تدهور الخدمات الأساسية بما فيها الكهرباء والمياه والاتصالات، فوق ما هي متدهورة منذ العام 2015، والسبب في ذلك مليشيات الحوثي بالدرجة الأولى والحكومة الرسمية بالدرجة الثانية.
ووفقًا لتلك الأوساط، فإن هجمات الحوثي الإيرانية على الملاحة في البحر الاحمر وخليج عدن، سببت باستفحال تدهور تلك الخدمات، حيث توقفت التدفقات النفطية إلى المدينة ما تسبب في توقف شبه كامل لخدمة الكهرباء، التي تسببت بإتلاف العديد من السلع الاستهلاكية وارتفاع أسعارها، وكلها انعكست على حياة المواطن المتدهورة منذ سنوات.
ويعش سكان عدن جملة من المعاناة على خلفية هجمات الحوثيين في البحر والبر والتي اتخذتها الحكومة ذريعة لتغطية فشلها في توفير الخدمات وصرف المرتبات والسيطرة على تدهور العملة والاقتصاد التي كانت موجودة قبل هجمات البحر الإيرانية.
ووفقًا لعدد من سكان المدينة، فإن المراقب لما يتحدث عنه مسؤولون رسميون في عدن بما فيها اعضاء مجلس القيادة الرئاسي الفاشل، تتمحور كلها حول تداعيات هجمات البحر الأخيرة، في محاولة منهم لتغطية فشلهم في معالجة العديد من القضايا خاصة في الجوانب الاقتصادية والمعيشية التي كانت موجودة قبل شن الحوثيين وايران هجمات تجاه الملاحة.
فالكهرباء والمياه والمرتبات وانهيار العملة وارتفاع الأسعار، وتدهور خدمات التعليم والأمن والصحة وجميع الخدمات في المدينة والمناطق المحررة، وانتشار الفساد، وتحويل اليمنيين إلى قضية إنسانية يحتاجون لمساعدات من اجل المتاجرة بها موجودة قبل هجمات الحوثي، فيما الحكومة وشركائها انشغلوا بنهب الأموال وتحسين أوضاعهم وأُسرهم والمقربين منهم، المعيشية خارج البلاد.
تهديدات حوثية جديدة
ورغم ما خلّفته مغامرتهم الإيرانية في البحر الأحمر، من كوارث انسانية ومعيشية واقتصادية واجتماعية على اليمنيين، وعلى دول المنطقة بما فيها مصر المستهدف الإيراني – الأمريكي الأول، تواصِل مليشيات إيران في اليمن التهديد بتوسيع استهداف الملاحة في البحر الأحمر.
ويرد المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية، نورمان رول على ذلك بالتأكيد على ضرورة تجاهل الإعلانات المستمرة من الحوثيين ووكلائهم كونها تستهدف فقط الشعب اليمني.
الحوثيون ينعشون القرصنة
قالت أوساط غربية عدة، بأن هجمات الحوثيين على الملاحة خلال الشهرين الماضيين بدعم إيران حققت أهم اهدافها بإنعاش عمليات القرصنة، فيما لم تقدم شيئاً للفلسطينيين في غزة، وانما حققت اهداف ايران المتواجدة ايضا في الصومال والسودان على سواحل البحر الاحمر من الجهة الافريقية.
فقد وجد القراصنة الذين يعتقد أنهم صوماليون، فرصة للعودة إلى الاستيلاء على السفن، بمساندة وتشجيع ايران وذلك مع الإرباك الذي سببته الهجمات الحوثية والمساعي الدولية لاحتوائها.
ومنذ تصعيد الحوثيين هجماتهم، سُجلت الكثير من محاولات القرصنة في بحر العرب والمحيط الهندي وجنوب البحر الأحمر، حيث نجح الحوثيون في قرصنة الناقلة الدولية "غالاكسي ليدر". فيما نجح قراصنة صوماليون في قرصنة سفينة بلغارية وأخرى سريلانكية قبل ان يتم تحريرها خلال الساعات الماضية.
مصر .. جسم طائر
وفي مصر، أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" الرسمية المصرية، الثلاثاء، بسماع دوي انفجارات في مدينة دهب. وذكرت القناة أن شهوداً أكدوا أنه "جرى إسقاط جسم طائر على بعد كيلومترين" من سواحل المدينة. وأعلنت مصادر أمنية هذا الشهر، أن الدفاعات الجوية المصرية أسقطت ما يشتبه في أنها طائرة مسيّرة بالقرب من دهب اطلقتها أذرع إيران في اليمن.
الصين ترفض هجمات الحوثي
من جانبها، قالت الصين، إن لديها تنسيقاً مكثفاً مع المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالأحداث الحاصلة في البحر الأحمر، وإنها ترفض استهداف السفن المدنية التي تمر عبر هذه المنطقة الحيوية للعالم.
وأكد تشن وي تشينغ السفير الصيني لدى السعودية في تصريح صحفي، حول الموقف الصيني من الأحداث في باب المندب والأحمر، أن هذه "المياه مهمة للتجارة الدولية، وحماية أمنها مفيد لجميع الدول، وكذلك مفيد للصين".
ولفت إلى أن بلاده تتشارك المواقف مع الجانب السعودي، مضيفاً بقوله: "لدينا تنسيق مكثف مع الجانب السعودي حول البحر الأحمر". وشدد على أن بكين "ترفض الاعتداء على السفن المدنية التي تعبر البحر الأحمر".