عدن - عادت أجواء التوتّر لتخيمّ على علاقة المجلس الانتقالي الجنوبي بالحكومة اليمنية التي يشارك فيها المجلس، وذلك على خلفية الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي باتت تضرب المناطق الخاضعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا والمتهمّة بالعجز عن إدارة مناطقها وتأمين المرافق الضرورية والخدمات الأساسية لسكانّها.
وأعلن المجلس الذي يمارس سلطات واسعة في عدن وعدد من منطاق الجنوب التي يعتبرها جزءا من الدولة المستقلة التي يطالب باستعادتها، رفضه عودة حكومة رئيس الوزراء معين عبدالملك إلى المدينة “نتيجة الجرائم التي ترتكبها بحق شعب الجنوب من خلال الحرب الاقتصادية والخدماتية التي تشنها على المواطنين”، بحسب ما ورد في منشور على الموقع الرسمي للمجلس.
ويعيد توتّر العلاقة بين الانتقالي والحكومة إلى الأذهان مرحلة ما قبل اتّفاق الرياض الذي كانت المملكة العربية السعودية قد رعته سنة 2019، لفض الاشتباك بين المجلس والسلطة الشرعية والذي كان قد وصل آنذاك إلى حافّة الصدام المسلّح.
ومن شأن انهيار الاتفاق أن يشكّل ضربة قوية لجهود المملكة لترتيب الأوضاع في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين، وإدارة العلاقة الصعبة بين القوى الحاضرة في تلك المناطق والتي لا يقتصر حضور بعضها على الجانب السياسي، بل يتعدّاه إلى ممارسة أدوار أمنية وعسكرية.
وتتمثّل أبرز مآخذ السكان والشركاء السياسيين على حكومة عبدالملك، الإقامة الطويلة لأغلب أعضائها في الخارج وغيابهم عن المناطق الواقعة ضمن مسؤولية الشرعية، وترك سكان تلك المناطق لمصيرهم.
وعبّر عن هذا المأخذ بوضوح أحمد لملس محافظ عدن في تعليق عبر منصّة إكس خاطب فيها رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة المقيمين في الخارج بالقول “سلام من العاصمة عدن نحتاجكم لرفع المعاناة أو لنعيشها معا”.
وبلغت مآخذ المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة اليمنية حدّ الدعوة إلى إسقاطها وتعويضها بحكومة جديدة. ودعت الأمانة العامة للمجلس خلال اجتماع عقدته هذا الأسبوع في عدن إلى “سرعة العمل على تشكيل حكومة كفاءات أخرى من المحافظات المحررة تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي بما يضمن تحقيق الاستقرار في مستوى أسعار السلع الغذائية والخدمات”.
وبعد نشره هذا الموقف القوي، بادر المجلس الانتقالي لاحقا إلى حذف المنشور من موقعه الرسمي. ورغم ذلك، رأت مصادر سياسية يمنية أنّ ما نشر يعبّر عن الموقف الحقيقي من الحكومة، معتبرة إزالة المنشور تعبيرا عن الالتزام بروح اتّفاق الرياض على أن لا يكون ذلك بمثابة صكّ على بياض للحكومة المدعوة لتحسين أدائها أو تقديم استقالتها.
واستفحلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق، وأدى انهيار سعر صرف الريال اليمني إلى تراجع القدرة الشرائية للسكّان، فيما تراجع تقديم الخدمات العمومية من كهرباء وماء وصرف صحي في بعض المناطق، وانعدم بشكل كامل في مناطق أخرى.
ووصل الوضع حدّ التحذير من مجاعة وشيكة تداهم تلك المناطق، بحسب الغرفة التجارية والصناعية بعدن التي وجهّت في وقت سابق من الأسبوع الجاري مناشدة للسعودية والإمارات بالمساعدة في وقف التدهور السريع لقيمة العملة اليمنية، وما خلقه من وضع اجتماعي بالغ الصعوبة غدا المواطن العادي في ظلّه غير قادر على الحصول على أكثر من وجبة غذائية واحدة في اليوم.
من شأن انهيار الاتفاق أن يشكّل ضربة قوية لجهود السعودية لترتيب الأوضاع في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين
وواصل الريال اليمني في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين انهياره الثابت خلال الفترة الأخيرة، مسجّلا أرقاما قياسية في تدهور قيمته، متجاوزا سقف الـ1600 ريال مقابل الدولار و425 مقابل الريال السعودي.
وجاء ذلك في ظل حالة من عجز السلطة اليمنية المعترف بها دوليا والبنك المركزي التابع لها عن إيجاد الحلول لهذا التدهور الذي تسبب في قفزة جنونية لأسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، انهارت أمامها القدرة الشرائية للسكّان الذين يواجهون أصلا انتشار الفقرة والبطالة في صفوفهم بشكل غير مسبوق.
ويعتبر انهيار قيمة العملة صدى لاضطراب الحركة الاقتصادية، وتعذّر تصدير النفط الخام الذي كان يغطّي جزءا هاما من الاحتياجات المالية للحكومة التي تقوم على إدارة شؤون مناطق السلطة المعترف بها دوليا.
وضاعف من صعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في اليمن التصعيد العسكري الذي فرضه الحوثيون في البحر الأحمر وباب المندب باستهدافهم السفن التجارية، وما تطلّبه ذلك من ردّ عسكري أميركي – بريطاني عليهم.
ويهدّد ذلك التصعيد بتعطيل وصول الكثير من السلع إلى اليمن، سواء في نطاق العمليات التجارية أو على شكل مساعدات عينية مرسلة من دول ومنظمات أجنبية.
وقالت الغرفة في ندائها الموجّه إلى الرياض وأبوظبي إنّها تود إطلاعهما على ما يعانيه اليمنيون “من ترد مستمر للأوضاع المعيشية والاقتصادية الناتجة عن زيادة معدلات التضخم المتصاعد بنسب كبيرة، في مقابل التدهور المستمر في أسعار العملة”.
وأضافت قولها “إذ نتابع بحزن وألم كبيرين ما آلت إليه الأوضاع وما لحق بالمواطنين من فقر وجوع وبؤس وصل إلى حد لم يعد معه معظم السكان قادرين على تأمين حاجاتهم من الغذاء واقتصار الكثير من الأسر على وجبة واحدة في اليوم لا تكاد تسد الرمق، فإننا في الوقت ذاته نشعر بالكثير من القلق لتبعات الوضع الحالي والذي سيقود حتما للكثير من الكوارث والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والتي باتت وشيكة وبدأ بعضها يلوح في الأفق، وهو تطور خطير لا يمكن التنبؤ بتبعاته وانعكاساته”.