يتجّه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى استخدام ورقة الشارع ضدّ خصومه ومنافسيه على النّفوذ في محافظة حضرموت، وذلك بعد أن كثّفت القوى الساعية للسيطرة على المحافظة ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة حراكها السياسي وتحرّكاتها الأمنية لتحقيق هدفها.
وشهدت مدينة المكلاّ مركز حضرموت على مدى الأيام الماضية نشاطا غير معهود استعدادا لتظاهرة شعبية دعا المجلس إلى تنظيمها السبت وسعى إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من السكّان للمشاركة فيها لتكون بمثابة إثبات عملي لمدى جماهيريته في المحافظة التي يعتبرها جزءا رئيسيا لا مجال للتنازل عنه من دولة الجنوب المستقلّة التي يعمل على استعادتها.
وتحوّلت حضرموت، بسبب اتّساع مساحتها وانفتاحها على البحر وثراء أراضيها بالنفط، إلى مدار صراع شرس بين الانتقالي من جهة، وحزب التجمّع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن ودعاة الجمهورية اليمنية الموحّدة من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، من جهة مقابلة.
وبالتوازي مع ذلك لم تغب المملكة العربية السعودية عن خلفية الصراع من خلال سعيها للإبقاء على حضرموت تحت سيطرة شخصيات وقوى مقرّبة منها بهدف اتخاذ أراضيها المجاورة للمملكة حزاما أمنيا متقدما لها وفتح منفذ آمن عبرها باتجاه بحر العرب فالمحيط الهندي.
وتراوحت محاولات السيطرة على حضرموت من قبل خصوم الانتقالي بين المناورات السياسية المتمثّلة في إنشاء الهياكل والتجمّعات المحلّية، والتحرّكات الأمنية الهادفة إلى مدّ سيطرة القوات التابعة للسلطة المعترف بها دوليا والمخترقة إلى حدّ كبير من قبل جماعة الإخوان من منطقة وادي حضرموت باتّجاه منطقة الساحل الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي.
ويعوّل المجلس على استخدام جماهيريته لإحباط خصومه، مستندا في ذلك إلى نجاحه على مدى السنوات الماضية في بسط الاستقرار في المكلاّ وباقي منطقة الساحل وتطبيع الأوضاع فيها بعد مساهمته الكبيرة في انتزاعها من سيطرة تنظيم القاعدة وتأمينها لاحقا من عودة التنظيم إليها.
ومن الأهداف المباشرة للتظاهرة التي دعت إليها الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي الجنوبي بحضرموت التعبير عن الدعم الشعبي للنخبة الحضرمية، وهي التسمية المعتمدة لقوات الانتقالي في المحافظة.
وسترفع التظاهرة بحسب منظميها شعار “النخبة لكل حضرموت”، في تعبير عن تمسّك المجلس بكامل المحافظة موحدة بكل أجزائها من الساحل إلى الصحراء والوادي كجزء لا يتجزّأ من دولة الجنوب.
وقالت وسائل إعلام محلية إنّ قياديين وشخصيات اجتماعية وعسكرية ومدنية ومؤسسات وعددا من منظمات المجتمع المدني والمجالس القَبلية أكّدوا مشاركتهم في التظاهرة.
ونقلت عن رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للانتقالي سعيد أحمد المحمدي تأكيده استعداد الهيئة لتنظيم التظاهرة بشكل محكم.
وتعليقا على الحدث قال الصحافي الحضرمي أحمد باجمال إنّ “مدينة المكلا بساحل حضرموت على موعد السبت مع فعالية مليونية تأييدا لقوات النخبة الحضرمية”.
وأضاف في منشور على منصّة إكس أن “النخبة الحضرمية حققت منجزات مشهودة بجدارة وكفاءة عالية في ساحل حضرموت”، وقال “الأهالي يطالبون بأن تمتد هذه التجربة إلى كافة ربوع المحافظة”.
وينظر أنصار استعادة دولة الجنوب إلى سيطرة قوات ينتمي أبرز قادتها إلى حزب الإصلاح على منطقة الوادي والصحراء في حضرموت باعتبارها “احتلالا شماليا” وكثيرا ما يطالبون قادة تلك القوات بتوجيهها نحو المواجهة ضد جماعة الحوثي التي تسيطر على أغلب مناطق شمال اليمن بدل توجيهها نحو ساحل حضرموت المؤمّن من قبل قوات النخبة الحضرمية.
السعودية لم تغب عن خلفية الصراع من خلال سعيها للإبقاء على حضرموت تحت سيطرة شخصيات وقوى مقرّبة منها
ووقفت المحافظة مؤخّرا على شفا المواجهة المسلّحة بين النخبة وقوات درع الوطن الخاضعة لإمرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي.
ومنذ إنشائها قبل نحو عام بمساعدة سعودية كبيرة تحاول قوات درع الوطن التمدّد خارج مناطق تمركزها في وادي حضرموت بشمال المحافظة باتّجاه منطقة الساحل بما في ذلك مدينة المكلاّ حيث تتمركز بشكل رئيسي قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
ومنعت قوات النخبة الحضرمية قبل نحو أسبوعين رتلا عسكريا تابعا لقوات درع الوطن من التوجّه إلى منطقة حصيحصة غربي المكلا حيث كان يجري التحضير لإقامة معسكر دائم هناك.
ويقول سياسيون وقادة رأي محلّيون إنّ تحريك تلك القوات يجري بدوافع سياسية لا علاقة لها بالشأن الأمني، ويشيرون إلى عدم استقرار الوضع الأمني في منطقة الوادي وكثرة عمليات قطع الطرق هناك حيث يفترض أن تركز قوات درع الوطن جهودها باعتبار تلك المنطقة موضع تمركزها الرئيسي.
وكانت قد وصلت في أكتوبر الماضي إلى المحافظة تعزيزات عسكرية كبيرة تابعة لقوات درع الوطن، قادمة من السعودية حيث تمّ تنظيمها وتسليحها وتدريبها، وشرعت في الانتشار في مديريات الوادي الواقعة ضمن مناطق سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لحزب الإصلاح.
وتعتبر سيطرة الإخوان تحت أي مسمّى على منطقة ساحل حضرموت خطّا أحمر بالنسبة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويترافق التنافس على السيطرة الميدانية على حضرموت مع حراك سياسي مواز تجلّى خصوصا في إنشاء مجلس حضرموت الوطني الذي أعلن الصيف الماضي عن تأسيسه في الرياض من قبل قوى مناهضة للانتقالي الجنوبي.
وفي خطوة لاحقة لم تنفصل عن جهود حزب الإصلاح لانتزاع حضرموت وعدد من محافظات الجنوب من دائرة نفوذ الانتقالي، شهدت الأسابيع الأخيرة صدور بيان موقّع من قبل العشرات من السياسيين ورجال القبائل يطالبون فيه الأمم المتحدة ودولا إقليمية بمساعدتهم على تأسيس ما يعرف بـ”الإقليم الشرقي” الذي يضمّ إلى جانب حضرموت كلا من محافظات شبوة والمهرة وسقطرى.