دشنت مليشيات الحوثي الإرهابية عشرات الشركات وشبكات الصرافة سرية ودون رقابة دولية عليها لتمويل عملياتها العسكرية وغسل الأموال.
يأتي ذلك بعد أن استغلت مليشيات الحوثي عددا من شركات الصرافة كانت قد شيدت قبل الانقلاب أواخر 2014 وذلك في تحصيل إيراداتها وجمع إتاواتها من مختلف المناطق اليمنية وتحويلها إلى حسابات قياداتها الخاصة في بعض البنوك اليمنية لاسيما بنك التسليف التعاوني والزراعي.
وبحسب تقرير حديث لـ"مبادرة استعادة اليمنية"، وهي ائتلاف مستقل معني بتعقب أنشطة الأموال والممتلكات المنهوبة لدى الحوثيين، فأن مليشيات الحوثي إلى جانب تأسيس شبكاتها الخاصة شرعت في منح تراخيص لنحو 1122 شركة ومنشأة صرافة حتى نهاية 2023، منها 947 منشأة فردية، و 175 شركة صرافة.
وتنشر "العين الإخبارية"، أهم التفاصيل الذي أوردها التقرير بشأن شبكات الصرافة المحلية التي شيدتها قيادات وزعيم مليشيات الحوثي كنافذة للالتفاف على العقوبات الأمريكية ولتمويل عملياتها العسكرية.
شركة الروضة
تعد شركة الروضة للصرافة والتحويلات المالية التي يديرها الحوثيان محمد علي محمد الحوري وياسر علي محمد الحوري إحدى أبرز الشركات التي تم فرض العقوبات الأمريكية عليها مؤخرا إثر ارتباطها بشبكة سعيد الجمل في ايصال الأموال للحوثيين.
بحسب الخزانة الأمريكية فأن شركة الروضة للصرافة والتحويلات ومقرها صنعاء، والتي يديرها الحوثيون، وهي الشركة الذي تستقبل التمويل لتحويله للعملة المحلية "الريال اليمني" من أجل إخفاء هذه العملية.
وأظهر موقع الشركة التي تصفحته "العين الإخبارية"، أن شركة الروضة للصرافة والتحويلات المالية، تملك 9 فروع في صنعاء والحديدة وإب وصعدة المعقل الأم للحوثيين وهي مملوكة لرجل الأعمال الحوثي "ياسر علي محمد الحوري".
لكن تقرير "مبادرة استعادة" كشف تفاصيل جديدة بشأن هذه الشركة التي تمتلك "250 وكيلا داخليا وخارجيا و 10,000 عميل منهم كبار مستوردي المشتقات النفطية وبعض كبار التجار، وتعمل في الحوالات الداخلية والحوالات الخارجية وبيع وشراء العملات الأجنبية والسداد النقدي وتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، وتتبع مباشرة زعيم المليشيات عبد الملك الحوثي".
فالشركة التي عمرها 5 أعوام وتأسست في العام 2019، استطاعت السيطرة على جزء كبير في سوق الصرافة والأعمال المصرفية، وتجاوز نشاطها إلى "استيراد المشتقات النفطية والإنفاق العسكري لمليشيات الحوثي والسيطرة على جزء كبير من التحويلات الداخلية في مناطق سيطرة الانقلاب وجزء من التحويلات الخارجية الرسمية وغير الرسمية".
كما "تقوم بإرسال الأموال إلى الخارج خاصة أوروبا وأمريكا للناشطين والإعلاميين والسياسيين التابعين لمليشيات الحوثي والمنتشرين في جميع أنحاء العالم"، في إشارة للجناح الناعم للحوثيين الذي يتولى تبييض جرائمهم في المحافل الدولية.
ووفقا للتقرير فقد ارتفعت أصول شركة الروضة نهاية العام المالي 2022 إلى 73 ملياراً و284 مليوناً و929 ألف ريال يمني إلى 36 مليارا و248 مليونا و943 ألفا وبنسبة زيادة 102 بالمائة، فيما ارتفع رصيد النقدية والصندوق ولدى البنوك وما يعادله إلى مبلغ 46.45 مليار ريال نهاية العام 2022 مقارنة بمبلغ 13.55 مليار ريال نهاية العام 2021م وبنسبة زيادة 242%.
كما ارتفع رصيد أرصدة عملاء ووكلاء الصرافة المدينة إلى 26.15 مليار ريال يمني نهاية العام 2022 مقارنة بمبلغ 22.54 مليار ريال نهاية العام 2021م وبنسبة زيادة 16%.
وترجع هذه الزيادة إلى تنامي استحواذ شركات ومنشآت الصرافة الحوثية الوليدة على قطاع الصرافة التقليدية في الجمهورية اليمنية.
يشكل قيمة رصيد النقدية وما في حكمها في قطاع الصرافة بنحو 60% لتجار المشتقات النفطية و 40% بقية التجار وتحويلات المغتربين.
وعد التقرير هذه المؤشرات بأنها "تزيد من مخاطر السيولة لدى شركات ومنشآت الصرافة التقليدية وتتمثل في مدى قدرة شركات ومنشآت الصرافة على الوفاء بالتزاماتها في تاريخ استحقاقها وعدم مقدرتها على تسييل بعض الأموال بأسعار معقولة في إطار زمني معقول واختلاف أسعار الصرف الكبيرة بين مناطق سيطرة الانقلاب ومناطق الشرعية".
شركة الرضوان للصرافة
تأسست شركة الرضوان للصرافة والتحويلات التضامنية في 27 مارس 2019 وتم منحها الترخيص من قبل البنك المركزي بصنعاء الخاضع للحوثيين بشكل غير قانوني ورقمه2019/347 برأس مال يصل لخمسمائة مليون ريال يمني.
ويقع مركز الشركة الرئيسي في شارع النصر بصنعاء ولها فروع في كل من صعدة والحديدة، ويعد المدعو محمد عبد الله ناصر حسين سواد وهو قيادي حوثي معروف المؤسس الأول ولكنه لاحقا وفي العام 2022 قام بالتنازل عن الشركة لكل من المدعو عبد المجيد عبد الله أحسن دباش وعلي محمد أحمد الفقيه.
ويعد هذا الفقيه الذراع المالية للقيادي الحوثي محمد عبد السلام لعمله بتأسيس كثير من الشركات العاملة في استيراد النفط لصالح المليشيات الحوثية.
ووفقا للتقرير فأن شركة الرضوان للصرافة تعد "أحد استثمارات وزارة الدفاع الحوثية ويشرف عليها القيادي محمد الطالبي، وتنشط في مجال تحويل رواتب بعض القطاعات العسكرية الحوثية، وتمويل شراء الأسلحة".
كما "يوجد حساب خاص بالمؤسسة الاقتصادية اليمنية التابعة لوزارة الدفاع الحوثية وتعد شريكا لشركة الرضوان"، طبقا لذات المصدر.
وعقب فريق مبادرة استعادة اليمنية على المركز المالي للشركة اكتشف أنها شركة الرضوان تستغل أموال المودعين لديها في تمويل الحرب الحوثية في وقت تعاني من نقص كامل في السيولة.
كما لوحظ أن الشركة تعاني من أزمة سيولة حيث إن معظم التزامات الشركة تجاه العملاء موزعة إلى مدينين وحسابات مجهولة وأرصدة بالريال اليمني في البنك المركزي في صنعاء وهذا يؤكد ما يحدث حاليا من انعدام للعملة الأجنبية في مناطق سيطرة الحوثيين حيث تجبر المليشيات الحوثية العملاء على استلام حوالاتهم بالعملة الأجنبية بما يعادلها بالريال اليمني وبسعر صرف غير واقعي ومنطقي ولا يتناسب مع ارتفاع الأسعار وحجم التضخم.
وأظهر ميزان المراجعة لشركة الرضوان في 31 ديسمبر 2022، أن النقدية بالصندوق دولار يبلغ 840,364.00، فيما بلغ التزامات الشركة بالدولار الأمريكي 6,451,082.65، بعجز يصل لنحو 5,610,718.65 مليون دولار.
وأشار التقرير أن الغرض الحوثي من تأسيس شركات صرافة محلية "هو استنزاف العملات الأجنبية لتغطية شراء الأسلحة وتحويلات المليشيات أخرى في المنطقة".
شركة النيل للصرافة والتحويلات التضامنية
عمر شركة النيل أقل من 4 سنوات، حيث تأسست في العام 2021 من قبل من المدعو عبد الله حسين خولان قبل أن يتم توثيق نقل ملكية الشركة إلى ملكية طه حسين شرف الكبسي، وحمزة علي محمد الكحلاني.
ويتركز نشاط شركة النيل في دعم الجانب العسكري، كما تستخدم الشركة أموال المودعين في غسل الأموال وتمويل تجارة المليشيات في الخارج، وفقا لذات المصدر.
وعقب اطلاع فريق مبادرة استعادة على ميزان المراجعة لشركة النيل في 31 ديسمبر 2022 تبين، أن النقدية بالصندوق دولار يبلغ 2,174,502.06 فيما التزامات الشركة بالدولار الأمريكي يبلغ 21,463,524.17 ووصل العجز في العملات الأجنبية إلى 19,289,022.11-.
ويقول رئيس مبادرة استعادة اليمنية، أحمد صالح لـ "العين الإخبارية"، إن هذا التقرير هو بداية لسلسلة تقارير ستقوم بها مبادرة استعادة لرصد وتعقب أموال مليشيات الحوثي، خاصة في ملف الصرافة وكيف تستغل المليشيات هذا الجانب في تعزيز قدراتها الاقتصادية لتمويل حروبها خاصة بعد سيطرتها على الدولة ومقدراتها والقطاع الاقتصادي.
ويضيف صالح: أن المليشيات "أجبرت شركات الصرافة التي كانت قائمة قبل الانقلاب على إجراء معاملاتها المالية بعيدا عن الرقابة الدولية أو محلية، وأسندت إليها مهامَّ مالية، حيث يتم توريد الإتاوات والجبايات، وتوزيع المساعدات النقدية لعناصرها وأسر قتلاها وغيرها من المهام".
ويشير إلى أن المليشيات تستخدم شركات الصرافة في صرف الأموال والمخصصات المالية لقيادات وجميع منتسبي الميليشيات.
وبحسب صالح أن المليشيات تجبر شركات ومنشآت ومحلات الصرافة على تسليم مبالغ مالية كبيرة لتمويل المهرجانات والفعاليات الطائفية الحوثية على مدار العام.
الجدير ذكره أن دعم الحوثيين لشركات الصرافة الخاصة بها، مستمر وتقويض القطاع البنكي والصيرفي يهدد بانهيار ما تبقى من دعائم الاقتصاد اليمني ككل.
وأوصى صالح باستحداث قوائم عقوبات محلية يتم إدراج الشركات التي أنشأها الحوثي عبر فرع البنك المركزي في صنعاء، وإدراج ملاكها ومديريها وتعميم تلك القوائم دوليا.
وأكد ضرورة تهيئة المناخ لاستقطاب شركات الصرافة العريقة لنقل مراكزها من مناطق الحوثي إلى مناطق الحكومة، وتفعيل التبادل المعلوماتي لمراقبة تهريب الأموال عبر المنافذ التي تغذي أرصدة شركات الصرافة الحوثية في الخارج، وتفعيل دور البنوك التجارية والإسلامية.