حضور رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني مع رئيس وزرائه الجديد إلى مدينة عدن يتضمّن رسالة بأنّ المدينة التي تمثّل معقل المجلس الانتقالي الجنوبي ما تزال خاضعة للسلطة المعترف بها دوليا، وأنّها إلى جانب سائر مناطق الجنوب ستظل كذلك في مرحلة ما بعد التسوية السياسية للصراع اليمني، على عكس ما يرغب فيه المجلس.
عدن - اختار رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني قصر معاشيق بمدينة عدن ليشهد أداء رئيس الوزراء الذي عينه حديثا أحمد عوض بن مبارك لليمين الدستورية. وحلّ العليمي وبن مبارك، الخميس، بعدن قادميْن من السعودية في خطوة رمزية بشأن توجّه الحكومة بقيادة رئيسها الجديد نحو العمل من داخل اليمن بعد أن كان سلفه معين عبدالملك قد تعرّض لانتقادات حادّة بسبب غيابه ومعظم أفراد طاقمه الوزاري عن البلاد لفترات طويلة على الرغم من سوء الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة المعترف بها دوليا والتي بلغت حافة الإفلاس الاقتصادي والمالي وتفشّي المجاعة بين السكّان.
كما لم تخل عودة العليمي ورئيس وزرائه إلى المدينة التي يتخّذها المجلس الانتقالي الجنوبي المُطالب باستعادة دولة الجنوب المسقلّة مقرا رئيسيا له، من رسالة سياسية بشأن بسط سلطته على مختلف مناطق الجنوب، في مرحلة اشتدّ فيها التنافس على النفوذ السياسي والعسكري في تلك المناطق وتحوّل إلى سباق ضدّ جهود التسوية السلمية للصراع في اليمن. ويريد كلّ من السلطة المتمثّلة بالمجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي استباق تلك التسوية المحتملة وتثبيت حضورهما في محافظات جنوب اليمن.
ولم يقتصر التنافس بين الطرفين على التحرّكات السياسية بل اتّخذ في بعض الأحيان مظهرا أمنيا وعسكريا كما هو جار في محافظة حضرموت، حيث تتصدّى قوات النخبة الحضرمية التابعة للمجلس الانتقالي لمحاولات تقدّم القوات الخاضعة لإمرة رئيس مجلس القيادة من مناطق سيطرتها بوادي وصحراء حضرموت نحو معقل الانتقالي في ساحل المحافظة. ويشارك الانتقالي ممثلا برئيسه عيدروس الزبيدي في المجلس الرئاسي، دون أن يمنع ذلك من وجود تباعد كبير في الأهداف والتوجّهات بينه وبين السلطة التي يقودها العليمي.
وغاب الانتقالي عن حدث أداء بن مبارك لليمين الدستورية الذي جرى في قصر معاشيق واقتصر على الرئيس ورئيس الوزراء بحضور مدير مكتب الرئاسة يحيى الشعيبي. وقالت وكالة الأنباء اليمنية سبأ إنّ الرئيس العليمي وضع رئيس الوزراء الجديد “أمام الأولويات العاجلة التي ينبغي أن تضطلع بها حكومته خلال المرحلة المقبلة على كافة المستويات”، مشدّدا “على أولوية معالجة الملف الاقتصادي والأوضاع المعيشية مع التركيز على ضرورة وفاء الدولة بالتزاماتها الحتمية بما في ذلك انتظام دفع رواتب الموظفين وتحسين الخدمات الأساسية وإعطاء عدن حقها من الاهتمام الذي يليق بمكانتها كعاصمة مؤقتة للبلاد”.
كما حث “رئيس الوزراء على أهمية انتظام عمل الحكومة بكافة أعضائها من الداخل والتعاطي العاجل مع هموم المواطنين واحتياجاتهم أولا بأول في مختلف المجالات”. وتنتقد قوى وشخصيات جنوبية بما في ذلك مقرّبون من المجلس الانتقالي غياب الحكومة عن المناطق الراجعة لها بالنظر وممارسة العديد من الوزراء لمهامهم من خارج البلاد، وتحديدا من السعودية، وتحمّلها مسؤولية التدهور الكبير للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق. غير أنّ ذلك النقد يأتي في سياق الخلافات والمناكفات، دون أن يعكس رغبة حقيقية لدى حَمَلة مشروع استعادة دولة الجنوب المستقلّة بوجود فعلي لسلطة العليمي في عدن كون السلطة تظل ممثّلة لدولة اليمن الموحّد.
ولم تمض سوى فترة زمنية قصيرة على تسلّم بن مبارك رئاسة الوزراء، حتى لوّح الانتقالي الجنوبي بورقة الانسحاب من الحكومة. جاء ذلك عن طريق راجح باكريت القيادي في المجلس الذي كتب في حسابه على منصّة إكس “نثق كل الثقة بقيادتنا السياسية. ومسؤوليتها اليوم كبيرة أمام شعبنا الجنوبي وقضيّته الوطنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة بشكل خاص والعالم على وجه العموم”.
وأضاف في منشوره “قد يكون الانسحاب من الحكومة المتفق عليها في الاتفاقيات السابقة وما تلتها من تشكيلات سياسية واردا، إذا لم يُنفذ اتفاق الرياض بخروج القوات العسكرية من محافظة المهرة وسيئون وتغيير المحافظين كما نص عليه ذلك الاتفاق”. واتّفاق الرياض الموقّع في العاصمة السعودية في نوفمبر سنة 2019 عبارة عن مصالحة رعتها المملكة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بعد أن توتّرت العلاقة بين الطرفين في تلك السنة وصولا إلى حدوث اشتباكات بين القوات التابعة لكل منهما في عدن.
عودة العليمي ورئيس وزرائه إلى عدن لم تخل من رسالة سياسية بشأن بسط سلطته على مختلف مناطق الجنوب في مرحلة اشتدّ فيها التنافس على النفوذ السياسي والعسكري
وتضمّن الاتّفاق المذكور عدّة ترتيبات سياسية وأمنية وعسكرية من ضمنها تشكيل حكومة كفاءات يتم توزيع حقائبها الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية وعودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة خلال السنة المذكورة إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها على أن تحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة.
لكنّ المجلس الانتقالي ظل منذ ذلك الحين يندّد بتحرّكات عسكرية لقوات عاملة تحت لواء الجيش الوطني وخاضعة عمليا لإمرة حزب الإصلاح الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن بهدف الإخلال ببنود اتّفاق الرياض والسيطرة على مناطق تتمركز فيها قوات جنوبية ويعتبرها المجلس جزءا لا تنازل عنه من دولة الجنوب المنشودة.
وتركّز الصراع مؤخّرا بشكل استثنائي على محافظة حضرموت ذات القيمة الإستراتيجية العالية بفعل امتدادها الجغرافي الكبير وانفتاحها على بحر العرب واحتواء أراضيها على مخزونات هامّة من النفط والغاز. وتصدّت قوات النخبة الحضرمية مؤخّرا لمحاولة قوات درع الوطن التي تأسست قبل أشهر في السعودية دخولَ منطقة الساحل. ولاحقا واصل المجلس الانتقالي ردوده على ذلك التحرك العسكري بتنظيم تجمّع شعبي كبير في مدينة المكلاّ تحت شعار “النخبة لكل حضرموت”.
ولا يقتصر الصراع المتصاعد على محافظة حضرموت وحدها بل يشمل محافظات شبوة والمهرة وسقطرى ذات الأهمية الكبيرة لدى المجلس الانتقالي الجنوبي. ودعا رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي بمناسبة تظاهرة المكلاّ إلى تعميم تجربة النخبة الحضرمية لتشمل مختلف مناطق حضرموت، وأيضا محافظة المهرة المجاورة. وقال في كلمته للمتظاهرين إنّ قوات الانتقالي “ترسي مداميك دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة على كامل حدودها”، معتبرا أنّ تعميم تجربة قوات النخبة على مناطق وادي وصحراء حضرموت "يحمي مصالح الأشقاء والأصدقاء في هذه البقعة الحيوية من العالم".
ولم يخل كلام الزبيدي من رسالة إلى المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان المشاركتين، وإن بالوكالة، في الصراع على محافظتي المهرة وحضرموت، حيث عملت السلطنة منذ سنوات على ترسيخ نفوذها في محافظة المهرة المجاورة لأراضيها باستخدام قوى قَبلية موالية لها هناك، فيما سرّعت الرياض من جهودها لتأمين موطئ قدم لها في حضرموت باستخدام سلطة رشاد العليمي وبعض القوى السياسية المتوافقة معها