في عام 2011م كانت أزمة النظام في صنعاء سياسيا واقتصاديا قد بلغت ذروتها، فاستغل حزب الإصلاح -الذي كان يقود المعارضة (اللقاء المشترك) - استغل رياح "الربيع العربي" التي كانت قد أطاحت بكل من الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك، داعيا إلى اعتصام في ميدان التحرير، غير ان انصار الرئيس -حينها- علي عبدالله صالح كانوا الأسبق إلى الاستيلاء على الميدان.
قرر حزب الإصلاح بعد ذلك أن يكون البديل لميدان التحرير هو ساحة جامعة صنعاء، حيث التجمع الطلابي الأكبر والكثافة السكانية.
وحين اعتلى منصة الساحة خطباء حزب الإصلاح وجامعة الإيمان ومشائخ حاشد وانضم لتأييد الثورة عدد من كبار القادة العسكريين على رأسهم الذراع الأيمن للرئيس اللواء علي محسن الأحمر، دخلت الأزمة مرحلة العنف المسلح...مما حال دون تمكن أي من طرفي الأزمة من حسم الموقف لصالحه أكان ذلك عسكريا ام سلميا، بوصول حشوده الشعبية إلى ساحة الطرف الآخر.
فكنت ترى حشود اللقاء المشترك في شارع الستين، بينما ترى انصار "الزعيم" في ميدان السبعين.
فتحولت "الثورة" التي كانت لها أسبابها وظروفها الموضوعية حينها، تحولت إلى ازمة وانتهت بصفقة "المبادرة الخليجية" التي كان جوهرها تنازل الرئيس علي صالح شكليا عن رئاسته لصالح نائبه هادي واحتفاظ صالح بالحصانة وكل عوامل القوة : من الجيش إلى المال إلى الإعلام.
لهذا ظل الحال على ماهو عليه باستثناء بعض القرارات الرئاسية التي بدلا من أن تستهدف تغيير النظام إلى افضل...ادت إلى أخونة الوظيفة العامة.
حاولت الأمم المتحدة إنهاء الأزمة بمؤتمر حوار موفمبيك، ذلك الحوار الذي أضاف إلى الأزمة المستفحلة عوامل أخرى أكثر تعقيدا وخاصة القرار الذي أعلنه الرئيس هادي في ختام جلسات الحوار الطويل بإعلان دولة اتحادية من ستة أقاليم وهو القرار الذي رفضه الجنوبيون -الذين لم تشارك فيه اصلا أبرز واقوى مكونات الحراك الجنوبي- وكذلك الحوثيون -الذين تم حشرهم في أقليم قبلي وجبلي- لا ميناء فيه ولا نفط- وكذلك رفضت القرار اغلبية الأحزاب الأخرى وعلى رأسها الاشتراكي التي كانت تقترح الاقليمين كحلا تراه ممكنا لأزمة "الوحدة" التي تحولت بعد حرب ١٩٩٤م إلى ضم والحاق الجنوب (ج ي.د.ش) في اطار الشمال (ج.ي.ع).
بعد ذلك استغل الحوثيون حالة الارتخاء السلطوي والمناكفات والثأرات بين طرفي السلطة الإصلاح والمؤتمر والسخط الشعبي فقادوا بدعم خفي ولكنه كاملا من الرئيس الأسبق الراحل علي صالح ، قادوا انتفاضة 21 ديسمبر 2014م وما تلاها من انقلاب كامل الأركان على الرئيس الشرعي هادي، والاستيلاء على كل محافظات الشمال تقريبا دون مقاومة تذكر من القوى الأخرى التي كان على راسها حزب الإصلاح.
لكن الخطوة الكارثة للحوثيين تمثلت بغزو الجنوب تحت حجج واهية هي عذر أقبح من ذنب...فكانت الحرب التي لا زالت مستمرة ضد الجنوب حتى يومنا هذا وبكل الوسائل.
وما زالت صنعاء واخواتها في "العربية اليمنية" تحت قبضة الحوثيين.
الخلاصة:
فشلت ثورة فبراير لأنها لم تكن باهداف وخطوات ثورة حقيقية بل كانت صراعا السلطة بين مراكز القوى في صنعاء.
وهو الوضع الذي حكم موقف كل قوى الشمال المعارضة للحوثيين شكليا باعتباره صراع على السلطة وليس على الوطن والدولة.
في حين أن تلك القوى اعتبرت ميدان حربها هو الجنوب وضد الحراك والمقاومة ومن ثم ضد الانتقالي.
وما زالت "الجمعة الجمعة والخطبة الخطبة".
* باحث ومحلل سياسي وعسكري
المصدر: المشهد العربي