يسجّل متابعون للشأن اليمني الغياب الملحوظ لحركة الوساطات التي كانت تقودها بشكل رئيسي سلطنة عمان وساهمت بشكل كبير في تحقيق التهدئة في البلد الممزق بالحرب منذ أكثر من تسع سنوات، وفتحت الطريق أمام مسار السلام الذي بدا خلال الأشهر الأخيرة أنّه يتقدّم بثبات رغم بطئه الشديد.
وفي ظلّ حالة التصعيد القائمة في اليمن جرّاء هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر والردّ الأميركي – البريطاني عليها، وأيضا بسبب تحرّكات للقوات التابعة لجماعة الحوثي على جبهات ظلت هادئة منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022 رغم عدم تجديدها لاحقا، توجّهت الأنظار مجدّدا نحو سلطنة عمان نظرا للتأثير السابق لوساطاتها في مسار الصراع اليمني.
وكانت السلطنة المعروفة بقوّة دبلوماسيتها في مجال الوساطات وتقريب الهوّة بين أشدّ الأفرقاء تباعدا قد حققت ما اعتبرته أوساط سياسية خرقا نوعيا في الملف اليمني بتمكّنها من فتح قنوات التواصل المباشر بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي التي لم تكن المملكة تنظر إليها سوى باعتبارها ذراعا لغريمتها الإقليمية إيران، وقد دخلت في الحرب ضدّها على هذا الأساس.
وترجع تلك الأوساط ذلك الخرق إلى احتفاظ عُمان بعلاقات جيّدة مع كل من الحوثيين وداعمتهم إيران من جهة، والسعودية من جهة مقابلة، لكنّها تُلفت إلى وجود ظروف مهيأة ساعدت على تحقيقه متمثّلة أساسا في المصالحة التي حدثت بين طهران والرياض بوساطة صينية، وأيضا في الرغبة القوية لدى السعودية في الخروج من الصراع اليمني وطي ملفّه بأقل التكاليف في نطاق إستراتيجية أشمل تقوم على تبريد الصراعات وضمان الهدوء في محيط المملكة بهدف التفرّغ لإنجاز المخطط الإصلاحي والتنموي الضخم المسمى رؤية السعودية 2030.
ويبدو أن مثل تلك الظروف لم تتهيأ لعمان لتهدئة التصعيد الجاري في البحر الأحمر كون استهداف السفن التجارية تحت عنوان دعم قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية عليه بدت مسألة حيوية للحوثيين، وخصوصا لإيران التي تقف خلف ذلك التصعيد، ما يعني صعوبة تحقيق اختراق في موقف كل من صنعاء وطهران.
وفي مؤشّر على انسداد قناة الوساطة العمانية جرى الحديث مؤخّرا عن مساع صينية لدى إيران لإقناع حلفائها الحوثيين بوقف استهدافهم لحركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، لكنّ ذلك الحديث خبا منذ ذلك الحين ولم تظهر أيّ آثار على الأرض للمساعي الصينية المذكورة.
وبات التصعيد التدريجي للأوضاع في اليمن يهدّد بانتكاس جهود التسوية السلمية للصراع في البلد الذي يعيش أيضا أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة.
وتستشعر شخصيات سياسية يمنية تلك المخاطر والتعقيدات وتدعو لإعادة تنشيط الوساطات لتجنيب اليمن خطر الانزلاق نحو صراع أشدّ وأكثر دمارا.
ودعا وزير الخارجية الأسبق أبوبكر القربي إلى تدخّل وسطاء عملية السلام في اليمن لإنقاذها من الانهيار.
وقال في منشور على منصة إكس:وكان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ قد دعا، الأربعاء، إلى التحرّك فورا من أجل إنهاء دوامة التصعيد الخطرة في اليمن.
وطالب خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بخفض التصعيد على المستوى الإقليمي، معتبرا أنّه يتعين على الأطراف اليمنية وقف التحريض العلني والامتناع عن استغلال الفرص العسكرية داخل اليمن، ومؤكّدا أنّ التصعيد في اليمن خيار مكلف للغاية سيدفع ثمنه اليمنيون بالمزيد من فقدان الأرواح وضيق سبل العيش.
وتابع في إفادته للمجلس “خلال اتصالاتي الأخيرة تلقيت ضمانات بأن جميع الأطراف تفضّل الطريق نحو السلام”، لكنّه استدرك بالقول إنّ هناك مؤشرات مثيرة للقلق على العديد من الخطوط الأمامية وزيادة في التهديدات العلنية باستئناف القتال.
كما أكّد المبعوث الأممي على ضرورة “ألاّ يقوّض التصعيد الإقليمي الحاجة الملحّة لوقف إطلاق النار على المستوى الوطني في اليمن ودفع الرواتب في القطاع العام واستئناف صادرات النفط وإعادة فتح الطرق والموانئ والمطارات وإعادة الإعمار وعناصر أخرى تتضمّنها المفاوضات”.