تتواصل عملية عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن تحت عنوان "تأمين الخطوط الملاحية وحماية السفن التجارية" التي تتعرض لهجمات إرهابية وأعمال قرصنة من قبل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وأيضا من جماعات مسلحة صومالية.
يوم الاثنين 19 فبراير، أطلق الاتحاد الأوروبي، مهمة "أسبيدس" العسكرية أو كما يعرف باسم "الحامي"، وهي مهمة بحرية خاصة تهدف إلى حماية السفن التجارية من الهجمات التي قد تتعرض لها من قبل الميليشيات الحوثية أو القراصنة الصوماليين خصوصا في منطقة البحر الأحمر وباب المندب.
التحالف الأوروبي، جاء بعيداً عن التحالف البحري الذي يضم نحو 20 دولة وتقوده الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تحت مسمى "حارس الازدهار" منذ 18 ديسمبر 2023. ورغم أن الهدف المعلن واحد إلا أن العملية الأوروبية ستكون مهامها على عكس عملية "حارس الازدهار" التي تشن غارات جوية ضد أهداف الحوثيين؛ إذ ستكون عملية "الحامي" دفاعية بحتة، وتعتمد على مجموعة من السفن والطائرات لتوفير درع وقائي للسفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، "ويعكس هذا النهج رغبة الاتحاد الأوروبي في تهدئة الوضع مع ضمان المرور الآمن للبضائع عبر الممر المائي الحيوي".
ووفقاً للمصادر، وصلت إلى مياه البحر الأحمر عدد من السفن الحربية التابعة لفرنسا وإيطاليا وألمانيا واليونان؛ وتضاف هذه التعزيزات إلى قوات بحرية أخرى تتمركز قبالة سواحل اليمن سواء التابعة للتحالف الأمريكي أو لدول أخرى مثل: الهند وإيران التي أرسلت سفناً حربية تحت غطاء "تامين الخطوط الملاحية ومحاربة القرصنة".
وتأتي العملية الأوروبية الجديدة في وقت يشهد فيه طريق الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي، تصاعدا مستمرا للهجمات التي تشنها الميليشيات الحوثية بدعم من إيران، حيث تم استهداف عدة سفن خلال الأيام الماضية تزامناً مع إعلان بدء عملية "الحامي"، وهو ما يؤكد أن عسكرة البحر الأحمر لن تحد من الهجمات التي تستهدف السفن التجارية في البحر، بل على العكس فمزيد من الاضطراب الأمني يجبر مزيدا من خطوط الشحن التجارية على الاستمرار في تغيير مسار سفنها بعيداً عن باب المندب.
التأثيرات المدمرة التي تخلفها الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، أدت إلى تعطيل حركة الشحن التجاري في هذا الممر الحيوي الذي يمر عبره سنوياً ما بين 10 إلى 12% من حجم التجارة العالمية، بالإضافة إلى إضرارها بالأمن الإقليمي وتفاقم الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً لليمنيين، إذ يضاعف ارتفاع تكلفة تأمين السفن والشحن أسعار السلع الأساسية.
تأثيرات هائلة
بدء مهام القوات الأوروبية في البحر الأحمر، ترافق مع تحذيرات أطلقتها هيئة صناعة التجزئة الأوروبية "يوروكومرس" بضرورة تحرك دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لحل أزمة البحر الأحمر التي عطلت التجارة. مشيرة إلى أن الأزمة كان لها بالفعل "تأثيرات هائلة" على الشركات الأوروبية.
ويواجه تجار التجزئة الذين يستوردون منتجاتهم من مصانع في الصين وجنوب شرقي آسيا، تأخيرات وزيادات في التكاليف، حيث أن طريق الشحن البديلة حول الطرف الجنوبي لإفريقيا تستغرق فترة أطول تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الوقود والعمالة. وأثار الاضطراب الحاصل في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، المخاوف في أوروبا من التضخم الاقتصادي وأن التعافي منه سوف يستغرق وقتاً أطول، في الوقت الذي كان فيه المستهلكون الذين يعانون من ضائقة مالية يتطلعون إلى بدء انخفاض أسعار المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
وأوضحت هيئة صناعة التجزئة الأوروبية أن المستهلكين في أوروبا سيعانون من تكاليف إضافية إلى تكاليف المعيشة المرتفعة بالفعل، وهذا يتطلب مواصلة الجهود المكثفة والمنسقة من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لمعالجة الوضع. موضحة أن هيئة الصناعة الأوروبية تدعم مبادرات الاتحاد التي تهدف إلى حماية السفن التجارية والبحارة من الهجمات.
حول مدى تأثير تأخير وصول البضائع وارتفاع تكاليف نقلها إلى أوروبا قالت شركة "أس أند بي غلوبال" التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، في تقرير لها، إن أزمة البحر الأحمر بدأت بالفعل في التأثير في الأسعار في أوروبا، وأن ذلك يتجاوز أسواق الطاقة ليطاول أسعار الغذاء والسلع الاستهلاكية في القارة الأوروبية. وأضافت الشركة إن كلفة الشحن من الخليج العربي إلى البحر المتوسط بلغت أعلى مستوياتها خلال أربعة أشهر في مطلع فبراير الجاري. ويرفض عدد من شركات الشحن عبور البحر الأحمر، ويفضلون سلوك المسار الأطول والأعلى كلفة حول رأس الرجاء الصالح.
ويؤكد الخبير الاقتصادي المصري، أحمد معطي، أن التوترات الجيوسياسية أثرت على البحر الأحمر وحركة الملاحة لمرور السفن بمنطقة باب المندب ثم قناة السويس، لافتًا إلى أن تكلفة تأمين السفن ارتفعت عالميًا بنسبة 200% عن الطبيعي، نتيجة التوترات بالبحر الأحمر، ما أدى إلى ضغوط تضخمية على العالم ككل، حيث ارتفع مُعدل التضخُم بنسبة 3.4%، مقابل 3.3%، ديسمبر الماضي، وفقًا للفيدرالي الأمريكي.
عدم وجود ثقة
على الرغم من تنفيذ الولايات المتحدة الأميركية وبريطانية عددا كبيرا من الضربات وإحباط هجمات ضد سفن في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن الكثير من خطوط الشحن العالمية لا تزال تصر على تجنب مرور سفنها من هذه المنطقة في ظل القلق الأمني المتزايد.
ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً، أكدت فيه أن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية قللت من المخاطر التي تتعرض لها السفن من هجمات الحوثيين اليمنيين في البحر الأحمر، لكن هناك احتمال ضئيل بأن تعود العديد من شركات الشحن بسرعة إلى قناة السويس.
وأضافت إن التردد المستمر من قبل شركات الشحن في الإبحار عبر المياه قبالة اليمن أثار تساؤلات حول التغيير في الظروف التي قد تدفع شركات الشحن إلى البدء في تحدي المنطقة، التي تعد بوابة قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية. وبدلاً من ذلك، استخدموا الطريق الأطول والأكثر تكلفة بين أوروبا وآسيا عبر رأس الرجاء الصالح.
وقال جون جاهاجان، رئيس شركة سيدنا جلوبال المتخصصة في المخاطر البحرية، إن حملة الضربات الجوية يبدو أنها "أضعفت" قدرة الحوثيين على شن هجمات متكررة. لكنه أضاف: "على الرغم من تراجع وتيرة الهجمات، إلا أن التهديد الذي يواجه الشحن لا يزال قائما".
وأضاف جاهاجان إن الحوثيين ما زالوا يريدون ضرب الشحن الدولي، وعزا انخفاض الهجمات جزئيًا إلى انخفاض عدد السفن المرتبطة بإسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في المياه قبالة اليمن. وقال إن الخطر لا يزال قائما من أن قوات التحالف لن تتمكن من رصد صاروخ أطلقه الحوثيون على سفينة وسيتسبب في أضرار جسيمة.
وأضاف جاهاجان: "لسوء الحظ، كما هو الحال مع جميع حوادث الإرهاب، يجب على الحوثيين أن ينجحوا مرة واحدة فقط، في حين يجب على القوات البحرية للتحالف والقوات البحرية الأخرى في المنطقة أن تكون يقظة طوال الوقت".
وقال جاكوب لارسن، رئيس السلامة والأمن البحري في بيمكو، وهي جمعية دولية لأصحاب السفن، إنه يشك في أنه من "الواقعي" أن يقوم التحالف الأمريكي البريطاني بإزالة تهديد الحوثيين بالكامل. وقال لارسن: "نحن قلقون من أنه لا يزال من الممكن للحوثيين مهاجمة السفن وضربها". "على الرغم من تقليص قدرتها على القيام بذلك، فإن معظم خطوط الشحن تدرك أن التهديد لم يتم إزالته أو تحييده".
وأشار لارسن إلى أن بعض شركات الشحن تواصل استخدام طريق السويس. ومن بين الشركات التي التزمت بالطرق التقليدية بعض خطوط الحاويات الصينية، التي تبدو واثقة من أن الروابط الوثيقة بين الصين ومؤيدي الحوثيين في إيران تجعلها في مأمن من الهجوم. وقال لارسن: "إذا قال الحوثيون إنهم لن يهاجموا السفن بعد الآن، فأعتقد أن الكثير من خطوط الشحن ستستأنف العبور عبر خليج عدن والبحر الأحمر".
وأضاف إن الاحتمال الآخر هو أن الهجمات قد تتوقف دون إشارة واضحة من الحوثيين. وقال لارسن عن مثل هذا السيناريو: "سترى المزيد من السفن العابرة، ولكن بعد ذلك بقليل فقط". "ستكون الزيادة تدريجية."
وقال جان ريندبو، الرئيس التنفيذي لشركة نوردن، وهي شركة مقرها كوبنهاغن تدير ما يقرب من 500 ناقلة للبضائع الجافة وناقلة للمنتجات النفطية، إن التوقف الطويل للهجمات فقط هو الذي سيدفع أصحاب السفن إلى إعادة دراسة خيارات البحر الأحمر. وأضاف: "سيستغرق الأمر فترة طويلة من الاستقرار مع عدم وجود هجمات في المنطقة وبعد ذلك سنبدأ في إجراء تلك التقييمات مرة أخرى".
العسكرة تفاقم الوضع
عدد من المحللين والمراقبين يرون أن استمرار عسكرة البحر الأحمر ليس هو الحل لإيقاف الهجمات المتصاعدة التي تشنها الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران ضد السفن التجارية؛ موضحين أن زيادة القوات في البحر الأحمر سيزيد من تفاقم المشكلة وتعطيل حركة التجارة المارة بين باب المندب وقناة السويس. وبحسب المراقبين فإن الهجمات البحرية من قبل الميليشيات الحوثية تصاعدت مع دخول التحالف الأميركي والبريطاني للمنطقة وبدء تنفيذ الغارات الجوية في 11 يناير الماضي.
وقال المحلل السياسي المصري مصطفى السعيد: إن التدخل الأميركي – البريطاني ضد الميليشيات الحوثية، خلق منطقة أكثر اشتعالا في البحر الأحمر من خلال توالي الضربات الجوية التي أسهمت في زيادة التأمين على السفن، ولجوء الكثير منها إلى عدم المرور من المنطقة باعتبارها منطقة خطرة.
لافتا إلى أن توسيع دائرة الصراع العسكري في البحر الأحمر لا يخدم التهدئة السياسية، ولن تحل مشكلة إدخال المساعدات بكميات كبيرة إلى قطاع غزة، وبالتوازي مع ذلك إقناع الحوثيين سلما بوقف ضرباتهم.
وأكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى كدواني أن دولا عديدة في العالم تضررت من الأحداث الجارية في مضيق باب المندب جراء الضربات الحوثية، موضحا أن العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف حوثية في اليمن غير منتجة، وإطالة أمد الضربات وكثافتها سوف تضاعفان حدة الأزمة وتؤثران بشكل أكبر على حركة الملاحة الدولية.